المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عانِقْ نفسك من جديد


راجية الجنة
02-21-2016, 02:49 PM
عانِقْ نفسك من جديد
الأخ الأستاذ / نبيل جلهوم

عضو جمعية الكُتَّاب ببيت عطاء الخير
عضو إتحاد الكتّاب و المثقفين العرب - مصر
عضو رابطة أدباء الشام – لندن
عضو الإتحاد العالمى للشعراء والمبدعين العرب



http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=5215


عانِقْ نفسك من جديد ، وكفى ظلمًا لها
ما أحوجَك وما أحوج الجميع إلى:
مرحلة بها شيء ما من السُّكون والخلوة مرحلة تأخذك إلى رحلة هدوء،
ومحاولة استرخاء، وصَفاء ذِهني ونفسيٍّ وروحي مرحلة قد تمرُّ بها
أحيانًا لا يكون قصدك منها أن تعبِّر عن كرهك لأحد أو تنوي منها أن
تتوقَّف عن مساعدتك لأحد أو ترغب في الابتعاد عن أحد أو أن تتعامَل
بتجاهل مثلما يتعامَل معك أحد فلا ذلك كله ولا غيره وإنَّما هي رحلة في
حقيقتها تمثِّل ضرورة في محطة حياتنا
ضرورة نفسية
ورحلة إنسانية
وراحة روحيَّة
سيدي
اجتهد وحاول فيها وأثناءها
أن تعيد حساباتك مع نفسك أولاً
فهي الأهم وهي التي تتطلَّب أن تكون معها أشد حسابًا حاسِبها بدقَّة قبل
أن تحاسبك هي نعم حاسِبها هي حاسِبها هي قبل أن تعيد حساباتك
مع من كسروك وأغضبوك، وقصَّروا في حقوقك ثمَّ على الأرفف وضعوك
حاسِبها هي قبل أن تعيد حساباتك مع مَن بأبخس ثمنٍ قد باعوك حاسبها
هي قبل أن تعيد حساباتك مع مَنْ حرموك رغم فرط وكثرة ما منحتَهم

نعم
حاسب نفسك بشدة
فقد تكون أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين عرفتَ البعض وظننتَ أنَّ معرفتك
بهم هي جنَّة ونعيم لن تنتهي ثمَّ فوجئت بأنَّهم ليسوا سوى جنَّة مؤقَّتة،
ليست كما فهمتَ سابقًا أنها أبديَّة وقد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين أفرطت ولم تعتدل في حبِّك وفي هيامك في مَظهر البعض ثم فوجئتَ
بأنهم لم يصونوا حبَّك وصِدقك وموقفك، ولم يحافظوا على شخصك
وقد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين تأثَّرتَ ببلاء أحدهم في جسَده
حتى انتقل بلاؤه إلى جسدك ثمَّ فوجئتَ به وكأنَّ شيئًا لم يكن؛ بل يبدو
أمامك غير عابئ بك ولا مهتم حتى حين غيابك أو مرَضك أو في مناسبات
أو غيرها

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين احترق قلبُك من شدَّة البكاء حين تألَّم غيرك
ثمَّ فوجئتَ به يبيعك بثمنٍ بَخس ويستغني عنك بغيرك

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين فرَّطتَ وبالَغتَ في منح البعض قدرًا كبيرًا فوق الحدِّ، ثمَّ فوجئتَ به
يكافئك بتجاهل ونسيان وكِبْر وخُيلاء وتقليل من شأنك وقَدرك، ويظنُّ أنَّ
الكون سيتوقَّف إذا بعدتَ عنه، بل ليس في الكون مثيل مثله أو بديل عنه،
في وقت قد يكون هو في أمسِّ الحاجة بل وأحوج ما يكون إليك، بل إلى
ظِلِّك قبل جسدك

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين متَّ من أجل أن يَحيا غيرك ثمَّ فوجئتَ بإماتته لك من أجل
إحياء غيرك

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين أفرطتَ في اهتمامك وانشغالك بالبعض بما لم يَفعل مثله غيرك
ثمَّ فوجئتَ بهم لم يبادلوك ولم يَنشغلوا حتى بالاتصال والرِّسالة
والسؤال عنك

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين بنيتَ أبراجًا من الأحلام، ما جنيتَ من ورائها سوى خيبة الأمل
وأوجاعًا وآلامًا قد يطول بها معك الأمد

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين أقنعتَ نفسك أنَّ أحلامك على أيدي البعض قد تحقَّقَت، ولم تعد بحاجة
لأي شيء ثم فوجئتَ بأحلامك وقد حوَّلوها بأيديهم إلى سرابٍ يجري
أمامك، وأنتَ مِن خلفه مجرد متعطِّش يَلهث تقول: لعلَّ اليوم، لعلَّ في
الغد، وصرت تتعلَّق بلعلَّ ولعلَّ ولعلَّ، حتى استمرَّت حياتك تسير تحت
مظلَّة خيبة لعلَّ ولعلَّ ولعلَّ

قد تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك
حين قَصَرْتَ معرفتك على البعض وتصورتَ أنَّك قد صرتَ وأصبحتَ بعد
معرفتك بهم مِن سكَّان السماء ولم تَعد من سُكَّان الأرض؛ لما يَحملون من
أوصاف جميلة لا وَصف لها ولا حدَّ ثمَّ ما أن مرَّت الأيام حتى هبطوا بك
من سكن السَّماء إلى قاحِلة الأرض، بعدما تلاشَت شيئًا فشيئًا أوصافُهم
التي عرفتَهم بها بداية يوم أن عرفتهم

قد تكون، وقد تكون، وقد تكون
ليأتي موعد الرِّحلة الواجبة

ثمَّ وحين تفيق

تبدأ رحلتك

إنَّها بمثابة رحلة حياة بعد موت


تَبدأ تخترقكرحلة هدوء طويلة

تتسلَّل إليك، إلى داخلك

تعانِقك وتعانقها

تريد أن تعيد لك نفسَك من جديد وتسترضيها
بعد أن قصَّرْتَ في حقِّها وظلمتَها من أجل أن تُسعد غيرها، هؤلاء الذين لم
يراعوا شيئًا من حقوقها وبعدما كنتَ قد فقدتَها أو كدتَ تفقدها تبدأ
الرحلة من جديد
رحلة واجبة
وضرورة مُلحَّة
ولا أنسى صديقي أن أهديك عنوانًا للرحلة
(عانِقْ نفسَك من جديد، وكفى ظلمًا لها )
قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين:
"واعلم أنَّ أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جَنبيك، وقد خُلقَت أمَّارة
بالسوء، ميَّالة إلى الشرِّ، وقد أُمرتَ بتقويمها وتَزكيتها وفطامها من
مواردها، وأن تقودَها بسلاسل القَهر إلى عبادة ربِّها، فإن أهملتَها جمحَت
وشردَت ولم تَظفر بها بعد ذلك، وإن لزمتَها بالتوبيخ، رجونا أن تصير
مطمئنَّة، فلا تغفلنَّ عن تذكيرها