المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السجود لآدم


حور العين
02-24-2016, 01:53 PM
من:الأخت / الملكة نــور
السجود لآدم

{ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ }

[ البقرة : 27 ]

سأل أحدهم أخته عندما جاءها مولود :
ماذا قدَّم لكِ زوجكِ بمناسبة الولادة ؟
قالت له :
لم يقدِّم لي شيئاً ،
فأجابها متسائلاً :
أمعقول هذا ؟ أليس لكِ قيمة عنده ؟
والله يليق بكِ شخص غيره أرقى منه ،

ألقى بذلك قنبلة ومشى ،
جاء زوجها ظهراً إلى البيت فوجدها غاضبة فتشاجرا ،
وتلاسنا ، واصطدما ، فطلقها ،

من أين بدأت المشكلة ؟
من كلمة قالها الأخ ،

مثلاً قد يسأل أحدهم :
هذا البيت كيف يتسع لكم ؟
إنه يتسع لنا ،

ليس لك أنت علاقة ، إنه يحب أن يُعَكِّر صفو الأسرة ،
هو شيطان ، داخل فيه شيطان ، وهذا هو الفساد .

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ }
[ البقرة : 34 ]

الحقيقة أن السجود لله وحده ، ولكن تنفيذُ أمر الله سجودٌ لله ،
لو أن آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له لما أمكن أن ينفَّذ هذا الأمر ،
ولكن لأن الله عزَّ وجل أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ،
فَهُمْ حينما سجدوا فقد نَفَّذوا أمر الله عزَّ وجل .

ألا ترى أن الله يأمرك في الحج أن تُقَبِّلَ الحجر الأسود ،
ويأمرك أن ترجُم حجراً آخر يمثِّل إبليس ،
فأنت حينما تُقَبِّل هذا الحجر وتعظمه إنما تنفذ أمر الله ،
وحينما أمرك أن ترجم هذا الحجر وتحقِّره إنما نفذت أمر الله عزَّ وجل ،

وكل أمرٍ لله عزَّ وجل يقتضي الوجوب ،
ولله حكمةٌ ما بعدها حكمة ،
وعدل ما بعده عدل ،
ورحمةٌ ما بعدها رحمة .

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ }
[ البقرة : 34 ]

قال العلماء :
[ علة أي أمرٍ أنه أمر . ]

مثلاً عندك لا سمح الله آلام بالمعدة ، ودخلت إلى أفضل طبيب في البلد ،
معه أعلى شهادة ، ومعه أعلى خبرة ،
إذا قال لك : دع الحوامض ، لا يخطر في بالك لحظة أن تفكر بأمره ،
لأنك تثق بعلمه ، تنفذ لأنه أمرك ،
أنا مرة قلت عن عالم من علماء هذه البلدة الطيبة كان بأمريكا
ودخل بنقاش مع عالم كبير حديث العهد بالإسلام
عالم بالفيزياء أو الكيمياء طُرِح موضوع لحم الخنزير ،
بدأ هذا العالم يتحدث عن مضار الخنزير ، وعن الدودة الشريطية ،
وعن تأثر طباع الإنسان بلحم الخنزير وطباع الخنزير ،
وعن أن هذه الدودة لا تتأثر بالحرارة ، وتكلم كلاماً طيباً جداً سبحان الله ،
فأجابه هذا المسلم الأمريكي قال له :
يا أستاذ كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه ، فهذا يكفي ،
يكفي إذا قال لك خالق الكون : لا تفعل هذا الشيء ،

لذلك قال العلماء :
[ علة أي أمرٍ أنه أمر . ]

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ }
[ البقرة : 34 ]

ليس متاحاً للملائكة أن يعصوا ، الملائكة غير مكلفين ،
المَلَك غير مكلف ، المَلَك مسيَّر ، اسجد يسجد ،
لا يوجد بين المخلوقات كلها إلا نوعان مخيَّران ؛ الإنس والجن ،
الإنس يتلقَّى الأمر ، يطيع ، أو يعصي ، أو يرد ، ثلاثة مواقف ،
إذا أطاع فهو طائع ،
إن لم يطع فهو عاصٍ ،
إن احتقر الأمر ورده فهو كافر ،

مطيع ، عاصٍ ، كافر ،

قال لك صلِّ :-

• الذي صلى مطيع ،

• والذي لم يصلِّ تهاوناً وتكاسلاً ـ الله يتوب علينا ،
والله أنا مقصر ، إن شاء الله سوف أصلي ـ هذا عاصٍ ،

• أما لماذا الصلاة ؟ فهذا كافر ،

فرقٌ بين أن تطيع الله ، وبين أن تعصيه ، و بين أن ترد أمره ،
هذا متاحٌ فقط للإنس والجن .

{ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ }
[ البقرة : 34 ]

قد يقول قائل :
الملائكة سجدوا ، وإبليس مستثنى منهم ،
هل المعنى أنه مَلَك ؟
لا
الاستثناء نوعان :-
النوع الأول :- استثناء متصل ،

النوع الثاني :- استثناء منقطع ،

إذا قلنا :
دَخَلَ الطلاب إلا خالداً ، هذا استثناء متصل ،
خالد طالب ،

أما إذا قلنا :
دخل الطلاب إلا المدرس ، هذا استثناء منقطع
المدرس ليس من جنس الطُلاَّب ،
لكن دخول الصف يشمل الجميع ، الطلاب والمدرس ،
فهذا الاستثناء لا يعني أن إبليس مَلَك ، لا أبداً ‍!
إبليس كان من الجن ، ولو كان مَلَكَاً لما عصى أبداً ،
لما عصى ، لأنه مسيّر لا يستطيع أن يعصي .

{ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ }
[ البقرة : 34 ]

معصية الكبر عند الله كبيرةٌ جداً :
الكبر أن ترفض الحق ، ألا تقبله ، ألا تعبأ بالصلاة ،
ألا تعبأ بالزكاة ، ألا تعبأ بالحج ، أن ترى نفسك فوق الشرع ،

[ مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة متمكن من العلم تمكُّناً كبيراً جداً ،
لا يغيب ولا طالب عن محاضرة له ، رأيته مرة في رمضان يفطر ،
وكأنه يشعر أن مرتبته ، وعلمه ، ومكانته ،
وسمعته في الشرق الأوسط ، ومؤلَّفاته ، أكبر من أن يصوم رمضان ،
معصية الاستكبار كبيرة جداً ، إبليس استكبر . ]

{ وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }
[ البقرة : 35 ]

قال الله عزَّ وجل :

{ اسْكُنْ }

وهذا فعل أمر ، لم يقل : اسكني ، وذلك حسب التغليب
لأن كل أمر موجهٌ إلى الذكور هو حكماً موجهٌ إلى الإناث .

{ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا }
[ البقرة : 35 ]

من لوازم العبودية لله ، من لوازم التكليف ، من لوازم حَمْل الأمانة
أن يكون هناك أمرٌ، وهناك نهيٌ ، ولكن رحمة الله تقتضي
أن الأشياء المباحة لا تعدُّ ولا تُحصى ،
وأن يكون الشيء المحرم قليلاً جداً .

تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي