المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 19.05.1437


حور العين
02-28-2016, 04:33 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ مسالك المبتدعة في باب الأسماء والصفات والرد عليها
المبحث الرابع التفويض في نصوص الصفات
المطلب الرابع: شبهات المفوضة ]

المسألة الأولى: المراد بالمحكم والمتشابه

اختلفت عبارات المفسرين في تعريف المحكم والمتشابه من الآيات، حتى

قال الإمام الخطابي رحمه الله عن آية آل عمران: (هذه الآية مشكلة جداً

وأقاويل المتأولين فيها مختلفة). ونكتفي بعرض ما أورده إمام المفسرين

ابن جرير الطبري رحمه الله مختصراً عند ذكر هذه الآية: (فأما المحكمات

فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على

ما جعلن أدلة عليه، من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر

وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعبر، وما أشبه ذلك.

ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن هن أم الكتاب، يعني

بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين, والفرائض والحدود، وسائر

ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم

وآجلهم، وإنما سماهن أم الكتاب لأنهن معظم الكتاب، وموضع مفزع أهله

عند الحاجة إليه.

وأما قوله (متشابهات) فإن معناه متشابهات في التلاوة، مختلفات

في المعنى، كما قال جل ثناؤه:

{ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً }

[ البقرة: 25]،

يعني في المنظر، مختلفاً في المطعم.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:

{ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }

، وما المحكم من آي الكتاب؟ وما المتشابه منه؟

- فقال بعضهم: المحكمات من آي القرآن: المعمول بهن وهن الناسخات،

أو المثبتات الأحكام. والمتشابهات من آية: المتروك العمل بهن،

المنسوخات.

- وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما أحكم الله فيه بيان حلاله

وحرامه، والمتشابه منها: ما أشبه بعضه بعضاً في المعاني,

وإن اختلفت ألفاظه.


- وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما لم يحتمل من التأويل غير

وجه واحد، والمتشابه منه: ما احتمل من التأويل أوجهاً.

- وقال آخرون: معنى المحكم: ما أحكم الله فيه من آي القرآن، وقصص

الأنبياء ورسلهم الذين أرسلوا إليهم، ففصله بيان ذلك لمحمد وأمته.

والمتشابه: هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير

في السور، فقصة باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وقصة باختلاف

الألفاظ واتفاق المعاني.

وقال آخرون: بل المحكم من آي القرآن: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا

معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر

الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم

ووقت طلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، وما أشبه

ذلك، فإن ذلك لا يعلمه أحد..).

فهذه خمسة أقوال مأثورة عن السلف في بيان المحكم والمتشابه. فصار

الكلام في الإحكام والتشابه يدور حول خمسة متعلقات:

1- النسخ.
2- الحلال والحرام.
3- احتمال المعاني.
4- القصص والأخبار.
5- حقائق المعاني الغيبية.

وقبل أن نبين وجه الإحكام والتشابه في هذه الأمور، نتعرف على معنى

(الإحكام)، و(التشابه) من حيث هما، ومن حيث استعمالهما

في القرآن الكريم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (.. إن الله وصف القرآن كله بأنه

محكم وبأنه متشابه. و في موضع آخر جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو

متشابه. فينبغي أن يعرف الإحكام والتشابه الذي يعمه، والإحكام والتشابه

الذي يخص بعضه. قال تعالى:

{ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ }

[هود: 1]،

فأخبر أنه أحكم آياته كلها. وقال تعالى:

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ }

[ الزمر: 23]،

فأخبر أنه كله متشابه.

والحكم هو الفصل بين الشيئين، والحاكم يفصل بين الخصمين، والحكمة

فصل بين المشتبهات علماً وعملاً، إذا ميز بين الحق والباطل، والصدق

والكذب، والنافع والضار. وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار، فيقال:

حكمت السفيه، وأحكمته إذا أخذت على يديه، وحكمت الدابة وأحكمتها إذا

جعلت لها حكمة، وهو ما أحاط الحنك من اللجام، وإحكام الشيء إتقانه.

فإحكام الكلام: إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد

من الغي في أوامره.

والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، فقد سماه الله حكيماً بقوله:

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }

[يونس: 1].

وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله:

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ

لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا }

[النساء: 82]،

وهو الاختلاف المذكور في قوله:

{ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ }

[الذاريات: 8-9]

فالتشابه هنا هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً.
وهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام، بل هو مصدق له. فإن الكلام المحكم
المتقن يصدق بعضه بعضه، لا يناقض بعضه بعضاً. بخلاف الإحكام
الخاص، فإنه ضد التشابه الخاص. فالتشابه الخاص هو مشابهة الشيء
لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض
الناس أنه هو أو هو مثله، وليس كذلك.

والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر. وهذا التشابه

إنما يكون لقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما.

ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما، فيكون مشتبهاً عليه، ومنهم من

يهتدي إلى ذلك، فالتشابه الذي لا تمييز معه قد يكون من الأمور النسبية

الإضافية. بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض. ومثل هذا يعرف منه

أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه، كما إذا اشتبه على بعض الناس ما

وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله، فعلم العلماء

أنه ليس هو مثله، وإن كان مشبهاً له من بعض الوجوه).

فتبين من هذا العرض أن (الإحكام) و(التشابه) المتعلقان

بالقرآن أربعة أنواع:

1- الإحكام العام: بمعنى الإتقان في أخباره وأحكامه.

2- التشابه العام: وهو تماثله وتناسبه وتصديق بعضه بعضاً.

3- التشابه الخاص: وهو مشابهة الشيء لغيره من وجه،

ومخالفته له من وجه آخر.

4- الإحكام الخاص: الفصل بين الشيئين المشتبهين من وجه،

المختلفين من وجه آخر.

فالأول والثاني متفقان، والثالث والرابع متضادان.

والمحكم الذي اتضح معناه وتبين، والمتشابه هو الذي يخفى معناه، فلا

يعلمه الناس، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه، وأما إذا ذكر المحكم

مفرداً دون المتشابه، فمعناه المتقن الذي ليس فيه خلل: لا كذب في

أخباره، ولا جور في أحكامه، قال تعالى:

{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً }

[الأنعام: 115]،

وقد ذكر الله الإحكام في القرآن دون المتشابه، وذلك مثل قوله تعالى:

{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }

[يونس: 1]،

وقال تعالى:

{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }

[هود: 1]

وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في

جودته وكماله، ويصدق بعضه بعضاً ولا يتناقض، قال تعالى

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ }

[الزمر: 23]،

والتشابه نوعان: تشابه نسبي، وتشابه مطلق والفرق بينهما: أن المطلق

يخفى على كل أحد، والنسبي يخفى على أحد دون أحد، وبناء على هذا

التقسيم ينبني الوقف في قوله تعالى:

{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }

[آل عمران: 7]

فعلى الوقوف على (إلا الله) يكون المراد بالمتشابه المطلق، وعلى الوصل

(إلا الله والراسخون في العلم) يكون المراد بالمتشابه المتشابه النسبي،

وللسلف في ذلك قولان: القول الأول: الوقف على (إلا الله)، وعليه أكثر

السلف، وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا

الله، وذلك مثل كيفية وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم

الجنة وعذاب النار، قال الله تعالى في نعيم الجنة:

{ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }

[السجدة: 17 ]

أي: لا تعلم حقائق ذلك، ولذلك قال ابن عباس: (ليس في الجنة شيء مما

في الدنيا إلا الأسماء) (4) والقول الثاني: الوصل، فيقرأ:

{ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }

[آل عمران:7]،

وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وهذا يعلمه الراسخون

في العلم ويكون عند غيرهم متشابهاً، ولهذا يروى عن ابن عباس أنه

قال: (أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله) ولم يقل هذا مدحاً

لنفسه أو ثناء عليها، ولكن ليعلم الناس أنه ليس في كتاب الله شيء لا

يعرف معناه، فالقرآن معانيه بينة، لكن بعض القرآن يشتبه على ناس دون

آخرين حتى العلماء الراسخون في العلم يختلفون في معنى القرآن، وهذا

يدل على أنه خفي على بعضهم، والصواب بلا شك مع أحدهم إذا كان

اختلافهم اختلاف تضاد لا تنوع، أما إذا كانت الآية تحتمل المعنيين جميعاً

بلا منافاة ولا مرجح لأحدهما، فإنها تحمل عليهما جميعاً وبعض أهل العلم

يظنون أن في القرآن ما لا يمكن الوصول إلى معناه، فيكون من المتشابه

المطلق، ويحملون آيات الصفات على ذلك، وهذا من الخطأ العظيم،

إذ ليس من المعقول أن يقول الله تعالى:

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }

[ص: 29]

ثم تستثني الصفات وهي أعظم وأشرف موضوعاً وأكثر من آيات

الإحكام، ولو قلنا بهذا القول، لكان مقتضاه أن أشرف ما في القرآن

موضوعاً يكون خفياً، ويكون معنى قوله تعالى:

{ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }

، أي: آيات الإحكام فقط، وهذا غير معقول، بل جميع القرآن يفهم معناه،

إذا لا يمكن أن تكون هذه الأمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

آخرها لا تفهم معنى القرآن، وعلى رأيهم يكون الرسول صلى الله عليه وسلم

وأبو بكر وعمر وجميع الصحابة يقرؤون آيات الصفات وهم لا يفهمون