المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 21.05.1437


حور العين
03-01-2016, 12:39 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ مسالك المبتدعة في باب الأسماء والصفات والرد عليها
المبحث الرابع التفويض في نصوص الصفات
المطلب الرابع: شبهات المفوضة ]

المسألة الثالثة: التأويل والظاهر

أولاً: معاني التأويل

قال في الصحاح في مادة (أول): (التأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء,
وقد أولته وتأولته تأولاً بمعنى. ومنه قول الأعشى:

على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا

قال أبو عبيدة: يعني تأول حبها، أي تفسيره ومرجعه، أي أنه كان صغيراً
في قلبه فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديماً كهذا السقب الصغير،
لم يزل يشب حتى صار كبيراً مثل أمه، وصار له ابن يصحبه..). وقال
الراغب في مفردات القرآن: (أول: التأويل من الأول أي الرجوع إلى
الأصل. ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو رد الشيء إلى
الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً، ففي العلم نحو:

{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }

وفي الفعل كقول الشاعر:
[ وللنوى قبل يوم البين تأويل ]

وقوله تعالى:

{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }
[الأعراف: 53]

أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، و قوله تعالى:

{ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }
[النساء: 59]،

قيل أحسن معنى وترجمة، وقيل أحسن ثواباً في الآخرة. .). وكذا قال
إمام المفسرين الطبري رحمه الله -: (وأما معنى التأويل في كلام العرب:
فإنه التفسير, والمرجع, والمصير). وهذان المعنيان للتأويل: بمعنى تفسير
الكلام وبيانه، أو ما يؤول إليه الأمر ويرجع ويصير، هما المعنيان
المستعملان في لغة العرب، والثاني في لغة القرآن خاصة، حتى استحدث
له المتأخرون معنى اصطلاحياً بحتاً لا يستند على استعمال أصلي،
فأوجب ذلك خلطاً وتشويشاً وسوء فهم لمقاصد النصوص.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن لفظ التأويل،
قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملاً في ثلاثة معان:

أحدها: وهو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله:
أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح
لدليل يقترن به؛ وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل
نصوص الصفات وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق
أو باطل؟

والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح
مفسري القرآن، كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير:
واختلف علماء التأويل. ومجاهد, إمام المفسرين – قال الثوري:
(إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) (3) . وعلى تفسيره يعتمد
الشافعي, وأحمد بن حنبل, والبخاري وغيرهم – فإذا ذكر أنه يعلم تأويل
المتشابه، فالمراد به: معرفة تفسيره.

الثالث: من معاني التأويل، هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كما قال
تعالى:

{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ
مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ }
[الأعراف: 53].

فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد: هو ما أخبر الله تعالى به فيه، مما
يكون من القيامة والحساب, والجزاء, والجنة والنار ونحو ذلك،
كما قال في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته:

{ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ }
[يوسف: 100]،

فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا.

فالتأويل الثاني: هو تفسير الكلام، وهو الكلام الذي يفسر به اللفظ حتى
يفهم معناه، أو تعرف علته أو دليله. وهذا التأويل الثالث: هو عين ما
هو موجود في الخارج، ومنه قول عائشة – رضي الله عنها:

( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده:
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن )

تعني قوله تعالى:

{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }
[النصر: 3].

وقول سفيان بن عيينة: (السنة هي تأويل الأمر والنهي)، فإن نفس الفعل
المأمور به هو تأويل الأمر به، ونفس الموجود المخبر عنه هو تأويل
الخبر، والكلام: خبر وأمر. ولهذا يقول أبو عبيد وغيره: الفقهاء أعلم
بالتأويل من أهل اللغة، كما ذكروا ذلك في تفسير اشتمال الصماء, لأن
الفقهاء يعلمون نفس ما أمر به ونفس ما نهى عنه، لعلمهم بمقاصد
الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يعلم أتباع (أبقراط) و(سيبويه)
ونحوهما من مقاصدهم ما لا يعلم بمجرد اللغة. ولكن تأويل الأمر
والنهي لا بد من معرفته بخلاف تأويل الخبر).

وقد تضمن هذا السياق تقرير الحقائق التالية:
1- بيان معاني التأويل المستعملة وهي:

(أ‌) صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح
لدليل يقترن به، وهو اصطلاح المتأخرين.

(ب‌) التفسير، وهو اصطلاح المفسرين.

(ج) الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وهو عين ما يوجد في الخارج،
وهو المعنى المراد في النصوص الشرعية.

2- تأويل كل كلام بحسبه:
(أ) تأويل الخبر: عين المخبر به إذا وقع.
(ب) تأويل الأمر، نفس الفعل المأمور به.

3- التأويل المتعلق بالأمر والنهي لا بد من معرفته وإدراك حقيقته لأنه
مناط التكليف، بخلاف تأويل الخبر فلا سبيل إلى إدراك حقيقته
إلا بوقوعه وتحققه.

وبعد هذا التأصيل يصل شيخ الإسلام رحمه الله إلى علاقة التأويل بصفات
الرب – تعالى -، فيتابع قائلاً: (وإذا عرف ذلك، فتأويل ما أخبر الله به
عن نفسه المقدسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة
نفسه المقدسة المتصفة بمالها من حقائق الصفات. وتأويل ما أخبر الله به
من الوعد والوعيد هو نفسه ما يكون من الوعد والوعيد) . فإذا كان
التأويل – بمعنى الحقيقة – متعلقاً بذات الباري جل وعلا، فلا سبيل لأحد
إلى العلم به سواه سبحانه. وإذا كان التأويل متعلقاً بأمر مستقبلي كالوعد
والوعيد، فالعلم به حاصل بتحقق وقوعه لمن شاء الله أن يعلمه.

أما التأويل – بمعنى التفسير وفهم المعنى ومقصود الخطاب – فهو ممكن
في كل ما أخبر الله به مما يتعلق بذاته المقدسة أو الأمور الغيبية أو غير
ذلك. قال شيخ الإسلام رحمه الله مبيناً حدود هذا الإمكان: (.. ولهذا ما
يجيء في الحديث: نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، لأن ما أخبر الله به
عن نفسه وعن اليوم الآخر فيه ألفاظ متشابهة، تشبه معانيها ما نعلمه
في الدنيا، كما أخبر أن في الجنَّة لحماً, ولبناً, وعسلاً, وماء وخمراً ونحو
ذلك، وهذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى، ولكن ليس هو مثله، ولا
حقيقته كحقيقته. والإخبار عن الغائب لا يفهم إن لم يعبر عنه بالأسماء
المعلومة معانيها في الشاهد، ويعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما
في الشاهد، ومع العلم بالفارق المميز، وأن ما أخبر الله به من الغيب
أعظم مما يعلم في الشاهد)

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين