المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 22.05.1437


حور العين
03-02-2016, 11:27 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ مسالك المبتدعة في باب الأسماء والصفات والرد عليها
المبحث الرابع التفويض في نصوص الصفات
المطلب الرابع: شبهات المفوضة ]

المسألة الثالثة: التأويل والظاهر
ثانياً: بيان موضع الوقف في آية آل عمران

للسلف في موضع الوقف في هذه الآية مذهبان:
الأول: مذهب الجمهور (1) وهو الوقف على قوله:

{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }

الثاني مذهب كثير من السلف وهو الوقف عند قوله:

{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }

قال الطبري رحمه الله: (واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، وهل
الراسخون معطوف على اسم الله، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل
المتشابه، أو هو مستأنف ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون
آمنا بالمتشابه، وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله؟

فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفرداً بعلمه.
وأما الراسخون في العلم فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون: آمنا
بالمتشابه والمحكم، وأن جميع ذلك من عند الله) ، ثم ساق بأسانيده هذا
القول عن عائشة، وابن عباس، رضي الله عنهم، وعروة، وأبي نهيك
الأسدي، وعمر بن عبد العزيز، ومالك رحمهم الله- ، ثم قال:
(وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في
العلم، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون آمنا به كل
من عند ربنا) . ثم ساق الروايات عمن ذكر ذلك وهم: ابن عباس
رضي الله عنهما ومجاهد، والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير
رحمهم الله.

فهذان قولان محفوظان عن السلف، ظاهرهما التعارض، فالأول يقضي
باختصاص الرب سبحانه بعلم التأويل، والثاني يفيد اشتراك الراسخين
في العلم بعلم التأويل. ولا ريب أن لكل قراءة محملاً صحيحاً لا يعارض
المحمل الآخر. وسر هذا الاختلاف راجع إلى تحديد المراد بـ (بالتأويل).
فمن أراد به الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، التي هي عين الموجود في
الخارج، أخذ بقراءة الوقف على (إلا الله), حيث إن إدراك الكيفيات وكنه
المغيبات من خصائص علمه سبحانه.

ومن قصد بالتأويل (التفسير) وبيان معنى الكلام، ودلالته اللغوية، أثبت
للراسخين في العلم علماً بذلك التأويل ووصل الآية. وبذلك يزول الإشكال،
ويتوافق الكلام. ومن لم يميز بين المعنيين، ويحمل كل قراءة على المعنى
المناسب لها، وقع في الاشتباه واللبس، وخلط بين الحق والباطل، وفسر
(التأويل) بمعنى غير صحيح أدى به إلى تلفيق مذهب أصاب فيه من وجه,
وأخطأ من وجه آخر.

وقابل هذين المعنيين الصحيحين معنيان باطلان:
الأول: مذهب أهل التحريف (التأويل المذموم)، فقد تضمن مذهبهم حقاً
وباطلاً. فأما الحق فجزمهم بأن النصوص دالة على معان مقصودة
مطلوبة، وأن من العيب والعجز والقبح اعتقاد أن الله يخاطب عباده بكلام
غير مفهوم وغير مقدور على فهمه أصلاً. وأما الباطل فاعتقادهم أن
التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف ذلك الظاهر. فوقعوا
في التحريف. وصاروا يحتجون بمذهب مجاهد وغيره من السلف الذين
أرادوا بالتأويل: التفسير، وينتسبون إليهم، ويتذرعون بقراءة (الوصل)
لإثبات باطلهم.

الثاني: مذهب أهل التفويض (التجهيل)، وقد تضمن مذهبهم حقاً وباطلاً.
فأما الحق فنكيرهم على أهل التحريف الذين يقولون على الله بغير علم،
ويبتكرون المعاني المجازية بغير دليل ولا برهان. وأما الباطل فلتعميمهم
نفي التأويل على المعنى اللغوي كما هو على الحقيقة. وصاروا يحتجون
بمذهب جمهور السلف الذين أرادوا بالتأويل: الحقيقة التي يؤول إليها
الشيء، أو التي عليها الشيء في الخارج، وينتسبون إليهم، ويتذرعون
بقراءة (الوقف) لإثبات باطلهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله موازناً بين الفريقين: (والغالب على كلا
الطائفتين الخطأ، أولئك يقصرون في فهم القرآن بمنزلة من قيل فيه:

{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }
[البقرة: 78]،

وهؤلاء معتدون بمنزلة الذين

{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }
[المائدة: 13 ].

ومثار الفتنة بين الطائفتين ومحار عقولهم: أن مدعي التأويل أخطأوا في
زعمهم أن العلماء يعلمون التأويل، و في دعواهم أن التأويل هو تأويلهم
الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه، فإن الأولين لعلمهم بالقرآن والسنن
وصحة عقولهم، وعلمهم بكلام السلف، وكلام العرب علموا يقينا أن
التأويل الذي يدعيه هؤلاء ليس هو معنى القرآن، فإنهم حرفوا الكلم عن
مواضعه، وصاروا مراتب، ما بين قرامطة وباطنية، يتأولون الأخبار
والأوامر، وما بين صابئة فلاسفة يتأولون عامة الأخبار عن الله وعن
اليوم الآخر، حتى عن أكثر أحوال الأنبياء، وما بين جهمية ومعتزلة
يتأولون بعض ما جاء في اليوم الآخر، و في آيات القدر ويتأولون آيات
الصفات، وقد وافقهم بعض متأخري الأشعرية على ما جاء في بعض
الصفات، وبعضهم في بعض ما جاء في اليوم الآخر. وآخرون من أصناف
الأمة، وإن كان تغلب عليهم السنة فقد يتأولون أيضاً مواضع يكون
تأويلهم من تحريف الكلم عن مواضعه.

والذين ادعوا العلم بالتأويل، مثل طائفة من السلف وأهل السنة وأكثر أهل
الكلام والبدع رأوا أيضاً أن النصوص دلت على معرفة معاني القرآن،
ورأوا عجزاً وعيباً وقبيحاً أن يخاطب الله عباده بكلام يقرأونه ويتلونه
وهم لا يفهمونه، وهم مصيبون فيما استدلوا به من سمع وعقل، لكن
أخطأوا في معنى التأويل الذي نفاه الله، و في التأويل الذي أثبتوه، وتسلق
بذلك مبتدعهم إلى تحريف الكلم عن مواضعه.

وصار الأولون أقرب إلى السكوت والسلامة بنوع من الجهل، وصار
الآخرون أكثر كلاماً وجدالاً، ولكن بفرية على الله، وقول عليه ما لا
يعلمونه، وإلحاد في أسمائه وآياته فهذا هذا. ومنشأ الشبهة الاشتراك
في لفظ التأويل).

وهذا النص تحليل دقيق لهذين المذهبين وغوص عميق على سر
ضلالهما، وتقويم منصف لما تضمنه كل مذهب من حق وباطل.
وشيخ الإسلام رحمه الله يصحح القولين الأولين في معنى التأويل
في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله في توجيه كلام الإمام أحمد في رده
على الجهمية: (إنها احتجت بثلاث آيات من المتشابه..) ، ثم ذكرها,
وفسرها, وبين معناها، فقال رحمه الله: (قد يجاب بجوابين:
أحدهما: أن يكون في الآية قراءاتان: قراءة من يقف على قوله: إِلاَّ اللّهُ،
وقراءة من يقف عند قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وكلتا القراءتين حق.
ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله. ويراد
بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله.
ومثل هذا يقع في القرآن..)، ثم ذكر أمثلة.

وذكر الوجه الثاني: إلى أن قال : (والمقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكون
الله أنزل كلاماً لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم
وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقول من المتأخرين.
وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ، سواء كان مع هذا: تأويل القرآن
لا يعلمه الراسخون، أو كان للتأويل معنيان: يعلمون أحدهما، ولا يعلمون
الآخر. وإذا دار الأمر بين القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان
لا يعلم معنى المتشابه من القرآن وبين أن يقال: الراسخون في العلم
يعلمون، كان هذا الإثبات خيراً من ذلك النفي، فإن معنى الدلائل الكثيرة
من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه
وفهمه وتدبره. وهذا مما يجب القطع به، وليس معناه قاطع على أن
الراسخين في العلم لا يعلمون تفسير المتشابه، فإن السلف قد قال كثير
منهم أنهم يعلمون تأويله، منهم مجاهد - مع جلالة قدره -، والربيع
بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ونقلوا ذلك عن ابن عباس،
وأنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله .

ولما كان ابن قتيبة – رحمه الله – يرى تبعاً للمذكورين آنفاً أن الراسخين
في العلم يعلمون التأويل – بمعنى التفسير – نابذه المفوضة وخطؤوه,
مستدلين بالنصوص المنقولة عن بعض السلف الذين يرون أن الراسخين
في العلم لا يعلمون التأويل – بمعنى الحقيقة والكيفية -. وقد نصره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمهما الله نصراً مؤزراً فقال في الثناء عليه: (وابن
قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة
المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة. قال فيه صاحب (كتاب التحديث
بمناقب أهل الحديث): وهو أحد أعلام الأئمة، والعلماء والفضلاء، أجودهم
تصنيفاً، وأحسنهم ترصيفاً، له زهاء ثلاثمائة مصنف، وكان يميل إلى
مذهب أحمد وإسحاق. وكان معاصراً لإبراهيم الحربي، ومحمد بن نصر
المروزي، وكان أهل المغرب يعظمونه، ويقولون: من استجاز الوقيعة
في ابن قتيبة يتهم بالزندقة. ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه
فلا خير فيه، قلت: ويقال: هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة. فإنه
خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة) .

ومن أشهر من رد على ابن قتيبة رحمه الله - في إثبات علم الراسخين
بمعاني المتشابه إمام اللغة: أبو بكر بن الأنباري رحمه الله وقد ذب عنه
شيخ الإسلام ابن تيمية وبين تناقض اللغويين المانعين لإثبات العلم
بالمتشابه، وقال عن ابن الأنباري: (وليس هو أعلم بمعاني القرآن
والحديث، وأتبع للسنة من ابن قتيبة، ولا أفقه في ذلك. وإن كان
ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة؛ لكن باب فقه النصوص غير باب
حفظ ألفاظ اللغة)

وقد يبقى إشكالان في الآية وهما:
الأول: إعراب الآية يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ على قراءة الوصل.
الثاني: احتمال الآية الواحدة لمعنيين متباينين.

أما الإشكال الأول: وهو إعراب الآية فإن قوله:

{ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }

خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم يقولون أو أنها معطوفة بمحذوف كما
في قوله:

{ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ }
[التوبة: 92]

أي وقلت.

أما الإشكال الثاني: فيرتفع ببيان أن لهذا نظائر في القرآن بحسب اختلاف
القراءة بالنفي أو الإثبات فيختلف المعنى تبعاً لذلك، وكل قراءة لها
معنى صحيح.

فمن ذلك قول الله تعالى:

{ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }
[إبراهيم: 46]

ففي لتزول قراءتان: الأولى: بفتح اللام الأولى ورفع الثانية (لَتزولُ)،
والقراءة الثانية بكسر اللام الأولى ونصب الثانية (لِتزولَ) .

فعلى القراءة الأولى تكون (إِنْ) مخففة من الثقيلة، والهاء مقدرة، أي:
وإنه كان مكرهم، واللام في (لَتَزُولُ) لام الابتداء، فالمعنى: إن مكرهم يبلغ
في الكيد إلى إزالة الجبال، فهذا مثل ضرب لبيان أنهم يريدون إزالة هذا
الدين، ولكن بين الله في كتابه أنهم لا يستطيعون ذلك.

وعلى القراءة الثانية تكون (إِنْ) نافية، واللام – لام الجحود – مؤكدة لهذا
النفي، والجملة على هذا تكون حالاً من الضمير في (مكروا) أي والحال
أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال.

فاتضح من هذا أن كلا القراءتين لها معنى وهو صحيح بحسبها. فلهذا
يقال: إنه لا يستغرب إذا وجد ذلك في آية آل عمران، فالوقف صحيح
باعتبار، وكذلك الوصل – والله أعلم -. وعلى قراءة الوقف لا يجوز أن
يدعى أن نصوص الصفات لا يمكن تفسيرها وفهم معانيها، وذلك للآتي:
1- إن السلف تواتر عنهم تفسير كل القرآن بما في ذلك آيات الصفات، كما
قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه
عند كل آية).

2- ولأنه قد تبين على قراءة الوقف أن التأويل المراد به: الحقائق العينية
للمخبر عنه – فلا يمكن العلم بالكيفية – جمعاً بينها وبين قراءة الوصل
الدالة على معرفة المعنى فقط دون الكيفية، وقد أثر الأمران عن
ابن عباس رضي الله عنهما ومتى ما أمكن الجمع فالمصير إليه
أولى من الترجيح.

3- إنه قد جاء الأمر يتدبر القرآن كله وفهم معانيه،
وهذا شمل نصوص الصفات قطعاً.

4- وأنه لو سلم أن في القرآن ما لا يمكن معرفة معناه، فلا يسلم ذلك في
نصوص الصفات إذ يلزم من القول بذلك تعطيل الخالق سبحانه وتعالى
من صفاته

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين