المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 27.05.1437


حور العين
03-07-2016, 01:35 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ معنى الشرك اصطلاحاً ]

لقد اختلفت عبارات العلماء في بيان معنى الشرك في الدين، وإن كانت
هذه العبارات تكمل بعضها الأخرى، وفيما يلي بيان لبعض أقوالهم.

أ- بعض العلماء بدأ بالتقسيم قبل التعريف، ثم عرفه من خلال التعريف

بأقسامه، منهم الراغب في (المفردات)، والذهبي في كتاب (الكبائر) –
المنسوب إليه-، والإمام ابن القيم في (مدارج السالكين).

ب- ومنهم من عرف الشرك في ثنايا كلامه – وإن كان التعريف لم يكن

مقصوداً بذاته في ذلك الكلام – ولهم في ذلك عبارات مختلفة، منها:

1- يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: هو (تشبيه للمخلوق

بالخالق – تعالى وتقدس – في خصائص الإلهية، من ملك الضر والنفع،
والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل
وأنواع العبادة كلها بالله وحده) .

2- وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (هو صرف نوع من العبادة

إلى غير الله، أو: هو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع
العبادة التي أمر الله بها) .

3- وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: (هو أن

يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب
الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة) .

4- وقال أيضا: (حقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو

عظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية).

قلت: هذا التعريف شامل لجميع مدلولات الشرك.

5- وقيل: (هو كل ما ناقض التوحيد أو قدح فيه، مما ورد

في الكتاب والسنة تسميته شركا) .

6- وقيل: هو (أن يثبت لغير الله – سبحانه وتعالى – شيئاً من صفاته

المختصة به؛ كالتصرف في العالم بالإرادة الذي يعبر عنه بكن فيكون،
أو العلم الذي هو من غير اكتساب بالحواس... أو الإيجاد لشفاء المريض
واللعنة لشخص والسخط عليه حتى يقدر عليه الرزق أو يمرض أو يشفى
لذلك السخط، أو الرحمة لشخص حتى يبسط له الرزق أو يصح بدنه
ويسعد...) .

7- وقيل: (الشرك هو أن يعتقد المرء في غير الله صفة من صفات الله؛

كأن يقول: إن فلانا يعلم كل شيء، أو يعتقد أن فلانا يفعل ما يشاء،
أو يدعي أن فلانا بيده خيري وشري، أو يصرف لغير الله من التعظيم
ما لا يليق إلا بالله - تعالى -، كأن يسجد للشخص أو يطلب منه حاجة
أو يعتقد التصرف في غير الله) .

8- وقال الشيخ محمد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي - رحمه الله -:

(إن الشرك لا يتوقف على أن يعدل الإنسان أحدا بالله، ويساوي بينهما بلا
فرق، بل إن حقيقة الشرك: أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله –
تعالى - بذاته العلية وجعلها شعاراً للعبودية، لأحد من الناس؛ كالسجود
لأحد، والذبح باسمه والنذر له، والاستعانة به في الشدة والاعتقاد أنه
ناظر في كل مكان، وإثبات التصرف له، كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح
به الإنسان مشركاً).

قلت: هذا التعريف فيه تصور كامل لحقيقة الشرك، ولكنه غير منضبط.

9- وقيل: هو (إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية، وفي العبادة)

. قلت: هذا التعريف فيه تصور كامل لحقيقة الشرك، ولكنه غير منضبط.

10- وقال الشوكاني: (إن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي

تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب
إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه).

11- وقيل: (الشرك: إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس معه أمره).

قلت: هذا التعريف غير مانع، فإنه ليس كل إسناد مختص بواحد إلى
من ليس معه أمره يعد شركاً، بل ربما يكون ظلماً أو فسقاً.

فهذه – كما ترى – أقوال العلماء في تصور حقيقة الشرك، بعض منها
جامع وليس بمانع، وبعضها ناقص، وبعضها كمثابة التمثيل على بعض
ما وقع فيه الناس من أفراد الشرك في العبادة أو في الاعتقاد، وليس
المراد: أنهم ما كانوا عارفين بالشرك، ولكن لما كان من دأبهم ذكر
النماذج دون إرادة الاستقصاء، ذكروا بعض الجوانب من الشرك،
والجوانب الأخرى أشاروا إليها من خلال مصنفاتهم، ومؤلفاتهم،
ومن فاته شيء منها ذكره الآخرون منهم، كما هو واضح في كتابتهم
ومناظرتهم مع الذين وقعوا في الشرك في زمانهم.

والذي يظهر من هذه الأقوال: أن الشرك حقيقته في اتخاذ الند مع الله،
سواء كان هذا الند في الربوبية أو الألوهية.

وبهذا يتفق قول العلماء المحققين في حقيقة الشرك مع قول أصحاب
المعاجم بأن أصل الشرك اتخاذ الأنداد مع الله.

فأصل الشرك – كما علمنا من البيان السابق – ما هو إلا اتخاذ الند مع
الله، وهذا ما سيتضح لنا أكثر عند بيان حقيقة الشرك في نصوص
القرآن والسنة.

إذا نظرنا إلى حقيقة الشرك في القرآن نرى: أن الله – عز وجل – بينها
في كتابه بياناً شافياً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض. فقال تعالى:

{ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }
[البقرة: 22].

معنى الآية: النهي عن اتخاذ الأنداد مع الله بأي وجه من الوجوه،
وقد نقل عن السلف في تفسير الآية مثل هذا القول، فمثلاً:

1- قال ابن عباس: (الأنداد: الأشباه) ، والند: الشبه، يقال: فلان ند فلان،
ونديده: أي مثله وشبهه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم
لمن قال له: ما شاء الله وشئت:

( أجعلتني لله ندا )

، وكل شيء كان نظيراً لشيء وشبيها فهو له ند .

2- قال ابن مسعود: (الأنداد: الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية
الله) ، كما قال جل ثناؤه:

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا }
[التوبة: 31].

وقال الطبري: قال عدي بن حاتم:

( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من
ذهب، فقال: يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك. فطرحته وانتهيت
إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية:

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ }

قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرمون ما أحل
الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟. قلت: بلى، قال:
فتلك عبادتهم )

. ففي هذا القول أيضاً: إثبات كون الشرك هو اتخاذ الند، فإن من أثبت حق
التشريع والتحليل والتحريم لغيره – سبحانه – فقد أثبت له الند.

3- قال عكرمة:

{ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً }

أي تقولوا: لولا كلبنا لدخل علينا اللص الدار، لولا كلبنا صاح في الدار،
ونحو ذلك ، فنهاهم الله تعالى أن يشركوا به شيئا، وأن يعبدوا غيره،
أو يتخذوا له ندا وعدلا في الطاعة، فقال: كما لا شريك لي في خلقكم
وفي رزقكم الذي أرزقكم، وملكي إياكم، ونعمتي عليكم، فكذلك فأفردوا لي
الطاعة، وأخلصوا لي العبادة، ولا تجعلوا لي شريكاً ونداً من خلقي، فإنكم
تعلمون: أن كل نعمة عليكم مني.

4- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (الأنداد: الآلهة التي جعلوها معه،
وجعلوا لها مثل ما جعلوا له). فمعنى الأنداد على هذا المعنى هي الآلهة،
والآلهة عند الكفار بمعنى الشفعاء لهم عند الله، وقد سماهم الله –
عز وجل – شركاء، فقال – في الرد على اتخاذهم آلهة -:

{ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء }

5- قال مجاهد: (الأنداد: العدلاء) .

والعدلاء هنا أيضاً بمعنى الشركاء لله في عبادته،
قال الله تعالى:

{ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }
[ الأنعام:1]

أي يشركون ، ويقال: من مساواة الشيء بالشيء: عدلت هذا بهذا،
إذا ساويته به عدلاً.

قال الطبري: (يجعلون شريكاً في عبادتهم إياه، فيعبدون معه الآلهة
والأنداد والأصنام والأوثان، وليس منها شيء شاركه في خلق شيء
من ذلك، ولا في إنعامه عليهم بما أنعم عليهم، بل هو المنفرد بذلك كله
وهم يشركون في عبادتهم إياه غيره).

6- قال الطبري: (الأنداد جمع ند، والند: العدل، والمثل).
والمقصود: أن اتخاذ الشبيه والكفؤ لله يسمى شركاً بالله، ولهذا أخبر
سبحانه وتعالى أنه لم يكن له كفؤ ولا شبيه ولا نظير، لأنه ليس كمثله
شيء وهو السميع البصير، قال تعالى:

{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
[الإخلاص: 4].

قال أبو العالية في معنى الآية: (لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله
شيء) ، أي كيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه، تعالى
وتقدس وتنزه ، وهو الواحد الأحد، لا نظير له ولا وزير ولا نديد،
ولا شبيه ولا عديل .

هكذا بين الله في كتابه حقيقة الشرك بالله بيانا واضحا، وهو: اتخاذ الند
مع الله، وكل ما ذكر في معاني الند من الكفؤ، والشبيه، والمثل، والعدل،
والآلهة، كلها معاني متقاربة تدل على معنى الشرك بالله، والتي تدل
صراحة أن الشرك في الحقيقة: اتخاذ الند بمعنى الشبيه لله عز وجل
كما سيأتي.

كما أن هذا المعنى هو المستفاد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
التي فيها بيان حقيقة الشرك، والدليل عليه:

1- ما روى الشيخان عن ابن مسعود قال:

( سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟
قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك )...
الحديث.

2- ما رواه مسلم أيضاً عنه: قال: قال رجل:

( يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا
وهو خلقك ) ....

الحديث – وفي آخره – فأنزل الله عز وجل تصديقها:

{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا }
[الفرقان:68].

3- وروى الشيخان عن أبي بكرة قال:

( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: - ثلاثاً- الإشراك بالله... )
الحديث.

ففي هذا الحديث ذكر أكبر الكبائر بأنه الشرك، فهو بمثابة التفسير للند
المذكور في الحديثين السابقين.

وبهذا يحصل لنا حقيقة الشرك بلسان الرسول - عليه الصلاة والسلام -،
حيث فسر اتخاذ الند بالشرك، بأن الشرك أكبر المعاصي وأكبر الكبائر،
وهو أن تجعل لله ندا ومثلا وشبيهاً وعديلاً في العبادة وكفؤا في الطاعة،
فمن جعل لله ندا وشبيها فقد أشرك.

وأيضاً اتضح لنا من خلال ما ذكرنا: أن الشرك إنما هو اتخاذ الند والشبيه
لله من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية، فمن صرف
شيئاً من هذه الخصائص لغيره فهو مشرك، فأصل الشرك وحقيقته
إنما هو في التشبيه والتشبه.

قال ابن القيم: (حقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق
به،...). فالمشرك مشبه للمخلوق في خصائص الإلهية.

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين