المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ممن توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة


حور العين
03-08-2016, 01:04 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ممن توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

وممن توفي فيها من الأعيان‏:‏

المتنبي الشاعر المشهور

أحمد بن الحسين بن عبد الصمد أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف
بالمتنبي، كان أبوه يعرف بعيدان السقا وكان يسقي الماء لأهل الكوفة
على بعير له، وكان شيخاً كبيراً‏.‏

وعيدان هذا قال ابن ماكولا والخطيب‏:‏ هو بكسر العين المهملة وبعدها ياء
مثناة من تحت، وقيل‏:‏ بفتح العين لا كسرها، فالله أعلم‏.‏

كان مولد المتنبي بالكوفة سنة ست وثلاثمائة، ونشأ بالشام بالبادية فطلب

الأدب ففاق أهل زمانه فيه، ولزم جناب سيف الدولة بن حمدان وامتدحه
وحظي عنده، ثم صار إلى مصر وامتدح الأخشيد ثم هجاه وهرب منه،
وورد بغداد فامتدح بعض أهلها، وقدم الكوفة ومدح ابن العميد فوصله
من جهته ثلاثون ألف دينار، ثم سار إلى فارس فامتدح عضد الدولة بن
بويه فأطلق له أموالاً جزيلة تقارب مائتي ألف درهم، وقيل‏:‏ بل حصل له
منه نحو من ثلاثين ألف دينار، ثم دس إليه من يسأله أيما أحسن عطايا
عضد الدولة بن بويه أو عطايا سيف الدولة بن حمدان‏؟‏

فقال‏:‏ هذه أجزل وفيها تكلف، وتلك أقل ولكن عن طيب نفس من معطيها،

لأنها عن طبيعة وهذه عن تكلف‏.‏

فذكر ذلك لعضد الدولة فتغيظ عليه ودس عليه طائفة من الأعراب فوقفوا
له في أثناء الطريق وهو راجع إلى بغداد، ويقال‏:‏ إنه كان قد هجى مقدمهم
ابن فاتك الأسدي - وقد كانوا يقطعون الطريق - فلهذا أوعز إليهم عضد
الدولة أن يتعرضوا له فيقتلوه ويأخذوا له ما معه من الأموال، فانتهوا
إليه ستون راكباً في يوم الأربعاء وقد بقي من رمضان ثلاثة أيام، وقيل‏:‏
بل قتل في يوم الأربعاء لخمس بقين من رمضان، وقيل‏:‏ بل كان ذلك
في شعبان‏.‏

وقد نزل عند عين تحت شجرة انجاص، وقد وضعت سفرته ليتغدى، ومعه
ولده محسن وخمسة عشر غلاماً له، فلما رآهم قال‏:‏ هلموا
يا وجوه العرب إلى الغداء‏.‏

فلما لم يكلموه أحس بالشر فنهض إلى سلاحه وخيله فتواقفوا ساعة فقتل
ابنه محسن وبعض غلمانه وأراد هو أن ينهزم‏.‏

فقال له مولى له‏:‏ أين تذهب وأنت القائل‏:‏

فالخيل والليل والبيداء تعرفني * والطعن والضرب والقرطاس والقلم

فقال له‏:‏ ويحك قتلتني، ثم كر راجعاً فطعنه زعيم القوم برمح
في عنقه فقتله‏.‏

ثم اجتمعوا عليه فطعنوه بالرماح حتى قتلوه وأخذوا جميع ما معه، وذلك
بالقرب من النعمانية، وهو آيب إلى بغداد، ودفن هناك وله من العمر
ثمان وأربعون سنة‏.‏

وذكر ابن عساكر أنه لما نزل تلك المنزلة التي كانت قبل منزلته التي قتل
بها، سأله بعض الأعراب أن يعطيهم خمسين درهماً ويخفرونه، فمنعه
الشح والكبر ودعوى الشجاعة من ذلك‏.‏

وقد كان المتنبي جعفي النسب صلبيبة منهم، وقد ادّعى حين كان مع بني
كلب بأرض السماوة قريباً من حمص أنه علوي، ثم ادّعى أنه نبي يوحى
إليه، فاتبعه جماعة من جهلتهم وسفلتهم، وزعم أنه أنزل عليه قرآن
فمن ذلك قوله‏:‏

‏(‏والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي خسار،
امض على سنتك و اقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك
من ألحد في دينه، وضل عن سبيله‏)‏ ‏

وهذا من خذلانه وكثرة هذيانه وفشاره، ولو لزم قافية مدحه النافق
بالنفاق، والهجاء بالكذب والشقاق، لكان أشعر الشعراء وأفصح
الفصحاء، ولكن أراد بجهله وقلة عقله أن يقول ما يشبه كلام رب العالمين
الذي لو اجتمعت الجن والإنس والخلائق أجمعون على أن يأتوا بسورة
مثل سورة من أقصر سورة لما استطاعوا‏.‏

ولما اشتهر خبره بأرض السماوة وأنه قد التف عليه جماعة من أهل
الغباوة، خرج إليه نائب حمص من جهة بني الأخشيد وهو الأمير لؤلؤ
بيض الله وجهه، فقاتله وشرد شمله، وأسر مذموماً مدحوراً، وسجن دهراً
طويلاً، فمرض في السجن وأشرف على التلف، فاستحضره واستتابه
وكتب عليه كتاباً اعترف فيه ببطلان ما ادّعاه من النبوة، وأنه قد تاب من
ذلك ورجع إلى دين الإسلام، فأطلق الأمير سراحه فكان بعد ذلك إذا ذكر له
هذا يجحده إن أمكنه وإلا اعتذر منه واستحيا‏.‏

وقد اشتهر بلفظة تدل على كذبه فيما كان ادعاه من الإفك والبهتان،
وهي لفظة المتنبي، الدالة على الكذب ولله الحمد والمنة‏.‏

وقد قال بعضهم يهجوه‏:‏

أي فضل لشاعر يطلب الـ * ـفضل من الناس بكرة وعشيا
عاش حيناً يبيع في الكوفة الما * ء وحيناً يبيع ماء المحيا

وللمتنبي ديوان شعر مشهور، فيه أشعار رائقة ومعان ليست بمسبوقة،
بل مبتكرة شائقة‏.‏

وهو في الشعراء المحدثين كامرئ القيس في المتقدمين، وهو عندي
كما ذكر من له خبرة بهذه الأشياء مع تقدم أمره‏.‏

وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي في ‏(‏منتظمه‏)‏ قطعاً رائقة استحسنها من
شعره، وكذلك الحافظ ابن عساكر شيخ إقليمه، فمما استحسنه
ابن الجوزي قوله‏:‏

عزيزاً سبى من داؤه الحدق النجل * عياء به مات المحبون من قبل
فمن شاء فلينظر إلي فمنظري * نذير إلى من ظن أن الهوى سهل
جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي * فأصبح لي عن كل شغل بها شغل
ومن جسدي لم يترك السقم شعرة * فما فوقها إلا وفا له فعل
كأن رقيباً منك سد مسامعي * عن العذل حتى ليس يدخلها العذل
كأن سهاد الليل يعشق مقلتي * فبينهما في كل هجر لنا وصل

ومن ذلك قوله‏:‏

كشفت ثلاث ذوائب من شعرها * في ليلة فأرت ليالي أربعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها * فأرتني القمرين في وقت معا

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 11/ 292‏)‏

ما نال أهل الجاهلية كلهم * شعري ولا سمعت بسحري بابل
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي بأني كامل
من لي بفهم أهيل عصر يدعي * أن يحسب الهندي منهم باقل

ومن ذلك قوله‏:‏

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى * عدواً له ما من صداقته بد

وله‏:‏

وإذا كانت النفوس كباراً * تعبت في مرادها الأجسام

وله‏:‏

ومن صحب الدنيا طويلاً تقلبت * على عينيه يرى صدقها كذبا

وله‏:‏

خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به * في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

وله في مدح بعض الملوك‏:‏

تمضي الكواكب والأبصار شاخصة * منها إلى الملك الميمون طائره
قد حزن في بشر في تاجه قمر * في درعه أسد تدمى أظافره
حلو خلائقه شوس حقائقه * يحصى الحصى قبل أن تحصى ماثره

ومنها قوله‏:‏

يا من ألوذ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره * ولا يهيضون عظماً أنت جابره

وقد بلغني عن شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله أنه
كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة في مخلوق ويقول‏:‏ إنما يصلح
هذا لجناب الله سبحانه وتعالى‏.‏

وأخبرني العلامة شمس الدين بن القيم رحمه الله أنه سمع الشيخ تقي
الدين المذكور يقول‏:‏ ربما قلت هذين البيتين في السجود أدعو الله
بما تضمناه من الذلّ والخضوع‏.‏

ومما أورده ابن عساكر للمتنبي في ترجمته قوله‏:‏

أبعين مفتقر إليك رأيتني * فأهنتني وقدفتني من حالقي
لست الملوم، أنا الملوم، لأنني * أنزلت آمالي بغير الخالق


قال ابن خلكان‏:‏ وهذان البيتان ليسافي ديوانه، وقد عزاهما الحافظ
الكندي إليه بسند صحيح‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏

إذا ما كنت في شرف مروم * فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير * كطعم الموت في أمر عظيم

وله قوله‏:‏

وما أنا بالباغي على الحب رشوة * قبيح هوى يرجى عليه ثواب
إذا نلت منك الود فالكل هين * وكل الذي فوق التراب تراب

وقد تقدم أنه ولد بالكوفة سنة ست وثلاثمائة، وأنه قتل في رمضان
سنة أربع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وقد فارق سيف الدولة بن حمدان سنة أربع وخمسين لما
كان من ابن خالويه إليه ما كان من ضربه إياه بمفتاح في وجهه فأدماه،
فصار إلى مصر فامتدح كافور الأخشيد وأقام عنده أربع سنين، وكان
المتنبي يركب في جماعة من مماليكه فتوهم منه كافور فجأة، فخاف
المتنبي فهرب، فأرسل في طلبه فأعجزه، فقيل لكافور‏:‏ ما هذا حتى تخافه‏؟‏

فقال‏:‏ هذا رجل أراد أن يكون نبياً بعد محمد، أفلا يروم أن يكون ملكاً
بديار مصر‏؟‏والملك أقل وأذل من النبوة‏.‏

ثم صار المتنبي إلى عضد الدولة فامتدحه فأعطاه مالاً كثيراً، ثم رجع من
عنده فعرض له فاتك ابن أبي الجهل الأسدي فقتله وابنه محسن وغلامه
مفلح يوم الأربعاء لست بقين من رمضان وقيل لليلتين، بسواد بغداد،
وقد رثاه الشعراء، وقد شرح ديوانه العلماء بالشعر واللغة نحواً من
ستين شرحاً وجيزاً وبسيطاً‏.‏

وممن توفي فيها من الأعيان‏:‏
أبو حاتم البستي صاحب الصحيح‏.‏

محمد بن حبان

ابن أحمد بن حبان بن معاذ أبو حاتم البستي صاحب الأنواع والتقاسيم،
وأحد الحفاظ الكبار المصنفين المجتهدين، رحل إلى البلدان وسمع الكثير
من المشايخ، ثم ولي قضاء بلده ومات بها في هذه السنة وقد حاول
بعضهم الكلام فيه من جهة معتقده ونسبه إلى القول بأن النبوة مكتسبة،
وهي نزعة فلسفية والله أعلم بصحة عزوها إليه ونقلها عنه‏.‏
وقد ذكرته في طبقات الشافعية‏.‏

محمد بن الحسن بن يعقوب

ابن الحسن بن الحسين بن مقسم أبو بكر بن مقسم المقري، ولد سنة
خمس ومائتين، وسمع الكثير من المشايخ، روى عن الدارقطني وغيره،
وكان من أعرف الناس بالقراءات، وله كتاب في النحو على طريقة
الكوفيين، سماه ‏(‏كتاب الأنوار‏)‏‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ما رأيت مثله، وله تصانيف غيره، ولكن تكلم الناس فيه
بسبب تفرده بقراءات لا تجوز عند الجميع، وكان يذهب إلى أن كل ما