المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 03.06.1437


حور العين
03-12-2016, 01:47 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ متى وكيف كانت بداية الشرك
في هذه الأمة ]

إن الله عز وجل أنعم على هذه الأمة حيث بعث محمداً صلى الله عليه وسلم
رسولاً إلى الثقلين

{ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ }
[المائدة: 19]

وقد

( مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )

والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب مبدل أو منسوخ،
ودين دارس بعضه مجهول، وبعضه متروك، وإما أمي:
من عربي وعجمي.

فمنهم من بحث عن الحنيفية واعتصم بها، ولكن أغلبهم كانوا مقبلين على
عبادة ما استحسنوه، وظنوا أنه ينفعهم؛ من جن, أو وثن, أو قبر، أو
تمثال أو غير ذلك؛ والناس في جاهلية جهلاء: من مقالات يظنونها علماً
وهي الجهل، وأعمال يحسبونها صلاحاً، وهي فساد، وعبادات يحسبونها
من عند الله، وهي من ما زينت لهم الشياطين وتهواها نفوسهم،
ووجدوا عليها آباءهم.

فهدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هداية جلت عن وصف
الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، وفتح الله بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً،
وقلوباً غلفاً، بعد أن جاهدهم وجالدهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان
والحجة لمن كابر وعاند، وكان من أمره صلى الله عليه وسلم مع قريش
ما كان، حتى هاجر إلى المدينة، وكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره،
وظهر دينه، فجاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وجمعهم الله
على دين الإسلام؛ دين التوحيد، والملة الإبراهيمية الحنيفية بعد تشتت
تام, وعداوة كاملة، وانهيار خلقي, وانحلال ديني, وفساد عقدي.

فألف بين قلوبهم حتى أصبحوا بنعمة الله إخواناً، وكسرت الأوثان
والأصنام، وزالت عبادتها على أصنافها، فطمست التماثيل, وسويت
القبور المشرفة، وأزيلت المعبودات من دون الله من قبر, وشجر, وحجر,
ونصب, وصنم, ووثن، وأبطلت.

وتحررت العقول من دناءة تفكيرها، ووضاعة تصورها، فارتقت إلى
التوحيد بعد أن كانت في حمأة الشرك، وأصبحت قلوبهم متجهة إلى الله
وحده لا شريك معه غيره؛ لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فأتم الله أمره,
وأكمل دينه، وأعلا كلمته، حتى صار الدين كله لله.

فلما تمت نعمة الله عليه وعلى أمته وظهر ما جاء به من الحق، ووضحت
الطريقة توفاه الله جل وعلا إليه، والإسلام في تقدم وشوكة تامة وغلبة
كاملة، ليظهر على الدين كله.

وكان الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – يأخذون سلوكهم وأعمالهم
وعقائدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحياته هي الإسلام غضاً
طرياً، وقد نزل القرآن الكريم بلغتهم ففهموا ما أراد الله منهم، وما احتاج
إلى بيان بينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته، فكان الناس أمة
واحدة ودينهم قائم في خلافة أبي بكر وعمر، فلما استشهد باب الفتنة
عمر رضي الله عنه، وانكشف الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان
حتى ذبح صبراً، وتفرقت الكلمة، وتمت وقعة الجمل ثم وقعة صفين،
فظهرت الخوارج وكُفِّر سادة الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وكان السبب في ذلك أنه كان هناك دولتان عظيمتان في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم؛ وهما: فارس، والروم، وقد كسر الله شوكتهم،
وأزال ملكهم بأيدي الصحابة، وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب،
فلما سيطر حكم الإسلام على أكثر البلاد في آسيا، وإفريقيا، وغيرهما،
دخل تحت حكمه أمم كثيرة رغبة ورهبة، وكان لها أديان مختلفة، من
يهودية ونصرانية، ومجوسية ووثنية، وغير ذلك.

وقد كان لكثير من هذه الأمم سلطان كبير مثل المجوس، والرومان،
فسلبهم المسلمون ذلك، وكان عند هؤلاء من الكبر والاستعلاء ما يجعلهم
يأنفون من كونهم تحت سلطان المسلمين، ولا سيما وقد كانوا يرون
العرب من أحقر الأمم، وأقلها شأناً.

كما أن اليهود واجهوا الإسلام ورسوله من أول أمره بالعداء، وحاولوا
القضاء عليه بأنواع جهدهم وكيدهم إلى الدسائس، والمؤامرات،
والاغتيالات لرجاله العظام، ودخل في الإسلام ظاهراً من هؤلاء من
قصد إفساده، وتمزيق وحدة أهله، ولابد أن يكون عن دراسة، وإعمال
فكر وتخطيط، وربما يكون هناك جمعيات متعاونة، من المجوس
والنصارى، والهنود، وغيرهم، وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل
لإفساد عقائد المسلمين، لتيقنهم أنه لا يمكن هزيمة المسلمين إلا بإفساد
عقيدتهم.

فبدأت آثار تلك المؤامرات تظهر، شيئاً فشيئاً، فقتل الخليفة الراشد عمر
بن الخطاب بأيد مجوسية، وربما بمؤامرة مجوسية يهودية، ثم قتل
الخليفة الذي بعده، بأيد مشبوهة، من غوغاء، بدفعهم بعض دهاة اليهود
والمجوس .

قال الإمام ابن حزم: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة
الإسلام أن الفرس كانوا على سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم،
وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى أنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء،
وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم،
على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر،
وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة، في أوقات
شتى،... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح.

فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشناع ظلم علي –رضي الله عنه-،
ثم سلكوا بهم مسالك شتى، حتى أخرجوهم عن الإسلام، فقوم منهم
أدخلوهم إلى القول بأن رجلاً ينتظر يدعى المهدي، عنده حقيقة الدين،
إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار، وقوم خرجوا إلى نبوة من
ادعى له النبوة، وقوم سلكوا بهم... القول بالحلول، وسقوط الشرائع.
وآخرون تلاعبوا بهم، وأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة...
وقد سلك هذا المسلك أيضاً عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي، فإنه –لعنه
الله- أظهر الإسلام ليكيد أهله، فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان –
رضي الله عنه-...

ومن هذه الأصول الملعونة، حدثت الإسماعيلية، والقرامطة، وهما
طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة، قائلتان بالمجوسية المحضة،
ثم مذهب مزدك الموبذ،... فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوهم
عن الإسلام كيف شاؤوا، إذ هذا هو غرضهم فقط).

فأول فرقة ظهوراً هي الشيعة، وكانت الخوارج أيضاً في نفس الوقت
ظهرت كفرقة مستقلة، وإن كان لكل منهما وجود قبل هذا ولكن بصفة
متفرقة، فهاتين الفرقتين لهما السبق في تفريق جمع هذه الأمة.

قال الشهرستاني: (ومن الفريقين ابتدأت البدع والضلالة...
وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين:

أحدهما: الاختلاف في الإمامة.

والثاني: الاختلاف في الأصول... والاختلاف في الإمامة على وجهين:

أحدهما: القول بأن الإمامة بالاتفاق والاختيار، والثاني: القول
بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين...

وأما الاختلاف في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد
الجهني, وغيلان الدمشقي،... في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر
إلى القدر...)، فتبرأ ابن عمر وابن عباس وغيرهما ممن يقول بهذه
المقالة. ثم حدثت بدعة الإرجاء، ثم حدثت بدعة الجهم بن صفوان ببلاد
المشرق, فعظمت الفتنة به، فإنه نفى أن يكون لله صفة، وأورد على أهل
الإسلام شكوكاً أثرت في الملة الإسلامية آثاراً قبيحة تولد منها بلاء كبير.
وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء، كمسلك
فكري، بنت هذه الفرقة مذهبها على الجدل، واستعانت في ذلك بما وجدته
من منطق اليونان وفلسفتها لتعزيز آرائها، وغيروا كثيراً من مفاهيم
العقيدة، وأصلوا لبدعتهم أصولاً توافق عقولهم وأهواءهم.

ثم تطورت هذه المذاهب السياسية والفكرية وتشعبت حتى خرجت بعض
هذه الفرق عن دائرة الإسلام، كما هو معلوم.

بداية الانحراف الشركي في هذه الأمة في الربوبية بالتعطيل:
بعد استعراض أقوال العلماء في كيفية انحراف عقيدة هذه الأمة يحسن بنا
أن نتعرف على بداية الانحراف الشركي في الربوبية بالتعطيل: سواء كان
في أسماء الله أو صفاته أو أفعاله.

ولعل أول شرك منظم في هذه الأمة في هذا الجانب – على ما نص عليه
العلماء – هو شرك القدرية الذين أنكروا القدر، فأشركوا في الربوبية
بتعطيل صفات الله عز وجل وأفعاله. فإن إنكار القدر يتضمن إنكار كثير
من الصفات والأفعال، كما أنهم أثبتوا خالقين.

ولهذا قال ابن عباس –رضي الله عنهما-:
(هذا أول شرك في هذه الأمة).

وقال ابن عمر –رضي الله عنهما- فيهم: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني
بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن
لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر).

وأول من عرف بذلك رجل مجوسي يقال له: سيسويه، من الأساورة،
وإن كان قد اشتهر أن أول من قال به معبد الجهني .

ثم ظهر شرك التعطيل في أسماء الله وصفاته، بأنه ليس لله أسماؤه
الحسنى، وأنه لا يوصف بشيء مما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله
صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يحب أحداً من عباده، ولا يتكلم وليس له
يد ولا وجه، وكان أول من عرف بذلك رجل يقال له: الجعد بن درهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أصل هذه المقالة – مقالة التعطيل للأسماء
والصفات- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين، وضلال
الصابئين، فأول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة... في الإسلام: هو الجعد
بن درهم، فأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة
الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها
أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد
بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم)
. فهذه سلسلة يهودية لها سوابق في محاربة الإسلام.

روى البخاري في خلق أفعال العباد، بسنده، قال: قال خالد بن عبد الله
القسري في يوم أضحى: (ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح
بالجعد ابن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى
تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول ابن درهم)، ثم نزل فذبحه. قال
أبو عبد الله: قال قتيبة: إن جهماً كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم).

فتبين من هذا أن الإلحاد أو شرك التعطيل في الربوبية بتعطيل الأسماء
والصفات والأفعال ما هو إلا مؤامرة يهودية سيقت بغية إفساد العقيدة
الصحيحة النقية للإسلام، كما بينا أن هذا الرفض أول من عرف
من دعاته يهودي ماكر حاقد وهو ابن سبأ.

والمقصود: بيان كون الشرك الذي يتعلق بذات الرب سبحانه وأسمائه
وصفاته وأفعاله بالتعطيل أول ما حدث في تاريخ الإسلام من قبل هؤلاء
القدرية في زمن صغار الصحابة، ومن قبل هؤلاء الجهمية بعدما ذهب
أئمة التابعين – رضوان الله عليهم أجمعين-.

وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء؛ فأنكر
صفات الله عز وجل متأثراً بالجهمية، فهؤلاء المعتزلة نفوا أن يكون الله
عز وجل خالقاً لأفعال العباد، وأثبتوا صفة الخلق لأفعال العباد، وأثبتوا
صفة الخلق لأفعال العباد للعباد الضعفاء، وحرفوا الآيات القرآنية الدالة
على الصفات وخلق الله لأفعال العباد، وجعلوا الأحاديث الصحيحة التي
تدل على خلق الله سبحانه لأفعال العباد ظنية غير موجبة للعمل، تلبية
لدعوة هواهم في إثبات آرائهم الفاسدة، وجمعوا بهذه الأعمال الشنيعة
بين شرك تعطيل الصفات مع شرك تعطيل الأفعال، فما عبدوا إلا المعدوم،
وما أشبهوا إلا المجوس.

وتأثر بهم ابن كلاب، فهذب مذهب الاعتزال وحاول تقريبه إلى مذهب أهل
السنة في الصفات، ولكن لم يتخلص منهم، ثم ظهر في الساحة الإمام
الأشعري، وكان أخذ عن الجبائي المعتزلي في أول الأمر، ولكنه سرعان
ما رجع إلى مذهب ابن كلاب، فألف ودافع عنه، فهؤلاء الأشاعرة
المنسوبة إلى الإمام الأشعري كلهم من أتباع ابن كلاب في الحقيقة،
وهم من المتأثرين بالمعتزلة في الصفات حيث لم يتخلصوا