المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 04.06.1437


حور العين
03-13-2016, 02:17 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ شبهة من قال بعدم وقوع الشرك
في هذه الأمة وردها ]

هناك نصوص يتشبث بها القائلون بعدم وقوع الشرك في هذه الأمة،
ويزعمون دلالتها على خلاف ما ذهبنا إليه مما دلت عليه الأدلة، ويؤكده
الواقع من أن الشرك يقع في هذه الأمة.

ومن أشهر هذه النصوص التي يستدلون بها ما يلي:

1- قوله صلى الله عليه وسلم:

( والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي،
ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها... )

وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خاف
علينا الشرك فكيف يقع الشرك في هذه الأمة؟ . ويجاب عن هذه الشبهة
بما أجاب به الحافظ ابن حجر في (الفتح)، حيث قال في شرح الحديث:

أ- (أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض،
أعاذنا الله تعالى منها).

ب- أو يقال: إنه في الصحابة خاصة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال: ( عليكم ). قال الحافظ في (الفتح): (فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال
صلى الله عليه وسلم... وأن الصحابة لا يشركون بعده، فكان كذلك، ووقع
ما أنذر به من التنافس في الدنيا) .

ج- أو يقال: (لعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم
ويوحى إليه بأن طوائف من الأمة سوف يضلون ويشركون) .

ومن هذه الشبه أيضاً:
2- قوله صلى الله عليه وسلم:

( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) .

وجه الاستدلال: (إن هذه البلاد بفضل الله طاهرة من كل رجس سالمة
من كل شرك بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ويجاب عن هذه الشبهة: بأن هذا الفهم الذي ذكره هذا المفتون لم يفهمه
المحدثون ولا السابقون الأولون، بل المعنى الذي فهموا منه هو النهي
عن التمكين لدينين أن يجتمعا في جزيرة العرب، وليس المقصود به نفيه،
ولا نفي وجوده عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كيف يمكن حمله على
النفي وقد كان هناك أديان – لا دينان فقط – عند موت النبي
صلى الله عليه وسلم وحتى في صدر الخلافة الراشدة في جزيرة العرب.

ثانيا: لو حملنا الحديث المنسوب إلى النبي بهذا اللفظ على النفي لكنا قد

كذبنا الواقع؛ فإن جزيرة العرب في تحديدهم (جنوباً وشمالاً: من عدن إلى
ديار بكر، وشرقاً وغرباً: من العراق إلى مصر، فتدخل فيها اليمن،
والحجاز، ونجد، والعراق، والشام، ومصر)، فإن قلنا بحمل الحديث على
النفي فإننا قد فتحنا لغير المسلمين بابا للضحك على عقولنا في رد
الأحاديث، بدلالة كذب الواقع له، فإن في هذه الديار المذكورة كم من
الأديان، وكم من الكنائس أيضاً، وهي مازالت معمورة من أول الإسلام
حتى عصرنا الحاضر.

ثالثاً: أن ما ذكره هذا الضال من الحديث الذي رواه الإمام مالك في
الموطأ، وما ورد أيضاً بلفظ:

( لا يبقين دينان بأرض العرب ) ،

وما رواه الإمام أحمد في (المسند) بلفظ:

( لا يترك بجزيرة العرب دينان )

، كل هذه الأحاديث إنما جاءت في سياق رواية وصية النبي
صلى الله عليه وسلم وآخر عهده في حياته، وهي تدل صراحة على أن
المراد بالحديث إنما هو النهي لا النفي كما فهمه هذا المفتون.

رابعاً: أن جميع من روى هذا الحديث من أصحاب الحديث كلهم ذكروه
بعبارات تدل على أن المراد هو النهي، لا النفي، فمن هذه الروايات
ما يلي:

1- عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب... ) .

2- عن عمر قال: (لئن عشت – إن شاء الله – لأخرجن اليهود
والنصارى من جزيرة العرب).

وهناك روايات صريحة تدل على أن هذا إنما
هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
1- عن ابن عباس: في حديث طويل قال صلى الله عليه وسلم:

( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) .

وبعد هذه الروايات الواضحة لا يقول بحمل الحديث على النفي إلا الغبي
الجاهل الذي ليس له أي مشاركة في هذا العلم الشريف. والله أعلم.

ومما اشتبه عليهم أيضاً:
3- قوله صلى الله عليه وسلم:

( إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرتكم – جزيرة العرب )

هكذا ذكره بعضهم، وقال آخر :
قوله صلى الله عليه وسلم:

( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب،
ولكن في التحريش بينهم ).

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود –رضي الله عنه-:

( إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب،
ولكن رضي منهم بما دون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات ) .

وجه الدلالة: (أن الرسول أخبر أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون
في جزيرة العرب، وفي حديث ابن مسعود: أيس الشيطان أن تعبد الأصنام
بأرض العرب، وهذا بخلاف مذهبكم؛ فإن البصرة ومن حولها والعراق من
دون دجلة الموضع فيه قبر علي وقبر الحسين –رضي الله عنهما- كذلك
اليمن كلها والحجاز كل ذلك من أرض العرب، ومذهبكم أن هذه المواضع
كلها عبد الشيطان فيها، وعبدت الأصنام، وكلهم كفار، وهذه الأحاديث
ترد مذهبكم) .

ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:
أولاً: أن الرواية الأولى لم أجدها في كتب الحديث بهذا اللفظ، وأقرب ما
وجدت مما يوافق هذه الرواية ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
( أيها الناس! إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا آخر الزمان، وقد
رضي منكم بمحقرات الأعمال، فاحذروه على دينكم )
الحديث.
والحديث ضعيف، فلا احتجاج فيه.

أما الرواية الثانية: فهي ثابتة، ولكن هل الأحاديث الصحيحة تتناقض مع
بعض؟ كلا، بل لابد أن يكون لكل واحد منها محمل غير ما للآخر، فالحديث
الذي نحن بصدده يخالف ظاهراً – لدى البعض- الأحاديث الثابتة الصحيحة
التي فيها خوف الرسول صلى الله عليه وسلم, وتحذيره من وقوع ألوان
من الشرك في هذه الأمة، والعلماء قد ذكروا لهذا الحديث عدة احتمالات،
فمما قالوا فيه:

1- إن الشيطان أيس بنفسه –ولم ييأس- لما رأى عز الإسلام في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم وإقبال القبائل على الدخول في هذا الدين الذي
أكرمهم الله به، فلما رأى ذلك يئس من أن يرجعوا إلى دين الشيطان،
وأن يعبدوا الشيطان أي: يتخذوه مطاعاً.
وهذا كما أخبر الله عن الذين كفروا في قوله:

{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ }
[المائدة: 3]

فهم يئسوا أن يراجع المسلمون مع عليه المشركون من الدين القائم
على اتخاذ الأنداد مع الله، وصرف العبودية إلى أشياء مع الله أو دونه.
فكما أن المشركين لما رأوا تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم،
هكذا الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين ودخولهم في الدين في أكثر
نواحي جزيرة العرب.

والشيطان – لعنه الله- لا يعلم الغيب، ولا يعلم أنه ستحين فرص يصد
الناس بها عن الإسلام والتوحيد، وكانت أول أموره في صرف الناس
لعبادته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أطاعه أقوام وقبائل
فارتدت عن الإسلام إما بمنع الزكاة، أو باتباع مدعي النبوة، فنشط
وكانت له جولة وصولة، ثم كبته الله.

والمقصود: أن الشيطان ييأس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به
والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حريص على أن
يصد الناس عن هذا، ولذا تمكن من هذا في فترات مختلفة، فعبده
القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة، وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده
من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة .

فالقول بأن الشرك منتف عن هذه الأمة مخالف للواقع، كما أنه
مخالف للفهم الصحيح لنصوص الشرع.

2- أو يقال: إن نبينا صلى الله عليه وسلم فصل ما بين الشرك والتوحيد
وبينه أتم بيان، وترك الدين على بيضاء ليلها كنهارها، وهذه البيضاء
هي مضمون لا إله إلا الله، وهي إفراد الله بالعبادة، وخلع الأنداد، والكفر
بما يعبد من دون الله، والبراءة من الشرك وأهله، كما فسرها أهل العلم
رحمهم الله، فإذا علم هذا يقيناً فمحال أن يكون الشرك بصورته التي نهى
الله عنها موجوداً في بلاد كثيرة، ويحكم عليها بالشرك ويوجد في الجزيرة
بصورته ولا يحكم عليها بالشرك. وهذا من التلاعب والهوى الصارخ .

3- وقال ابن رجب في شرح الحديث: إنه يئس أن يجتمعوا كلهم
على الكفر الأكبر.

وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسيره قوله تعالى:

{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ }

حيث قال: (قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني يئسوا
أن تراجعوا دينكم) .

4- ولا يبعد أن يقال: (مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
( إن الشيطان... ) أن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة
العرب، وهم المصدَقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له،
والممتثلون لأوامره، ولا شك أن من كان على هذه الصفة فهو على
بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده... ووجود مثل هذا في
جزيرة العرب لا ينافي الحديث الصحيح كما لا يخفى على من له قلب سليم
وعقل راجح، وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين.

5- ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون (أل)
للعهد وأن يراد بهم الكاملون فيها... وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث-:

( ولكن في التحريش بينهم ).

يقول الطيي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من
التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين، أي أيس أن يعبد
فيها، ولكن يطمع في التحريش... والدليل متى طرقه الاحتمال بطل به
الاستدلال) .

6- أو يقال: كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع الشرك
وحدوثه في هذه الأمة، ووقع، وحصل هذا الإخبار بما هو مشاهد عياناً،
ولا ينكره إلا من أعمى الله بصره وطمس بصيرته. هكذا أخبر الرسول
صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أناساً معلومين بأن الشيطان لا يسلط
عليهم، وهم الذين قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام:

( لا تزال طائفة من أمتي على الحق، منصورة، لا يضرهم
من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ).

7- أو يقال: إن الحديث يقول: إن الشيطان أيس أن يعبد. وظاهر لفظه:
أن أيس من أن يعبد هو نفسه، لا من أن يعبد غيره من المخلوقات
كالأنبياء والملائكة والصالحين والأشجار والأحجار، والقبور. فإن
الشيطان إن أطيع في عبادة بعض المخلوقات، وقد تضاف إليه هذه العبادة
ولكنها إضافة غير حقيقية، والعلاقة في الإضافة كونه هو الآمر بها،