المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة


حور العين
04-08-2016, 02:58 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

في المحرم منها

توفي الأمير عمر بن شاهين صاحب بلاد البطيحة منذ أربعين سنة، تغلب
عليها وعجز عنه الأمراء والملوك والخلفاء، وبعثوا إليه الجنود والسرايا
والجيوش غير مرة، فكل ذلك يفلها ويكسرها، وكل ما له في تمكن وزيادة
وقوة، ومكث كذلك هذه المدة، ومع هذا كله مات على فراشه حتف أنفه،
فلا نامت أعين الجبناء‏.‏ ‏

وقام بالأمر من بعده ولده الحسن، فرام عضد الدولة أن ينتزع الملك
من يده، فأرسل إليه سرية حافلة من الجنود فكسرهم الحسن بن عمر
بن شاهين، وكاد أن يتلفهم بالكلية حتى أرسل إليه عضد الدولة فصالحه
على مال يحمله إليه في كل سنة، وهذا من العجائب الغريبة‏.‏

وفي صفر

قبض على الشريف أبي أحمد الحسن بن موسى الموسوي نقيب
الطالبيين، وقد كان أمير الحج مدة سنين، اُتهم بأنه يفشي الأسرار وأن
عز الدولة أودع عنده عقداً ثميناً، ووجدوا كتاباً بخطه في إفشاء الأسرار،
فأنكر أنه خطه وكان مزوراً عليه، واعترف بالعقد فأخذ منه وعزل عن
النقابة وولوا غيره، وكان مظلوماً‏.‏

وفي هذا الشهر

أيضاً عزل عضد الدولة قاضي القضاة أبا محمد بن معروف وولى غيره‏.‏

وفي شعبان منها

ورد البريد من مصر إلى عضد الدولة بمراسلات كثيرة، فرد الجواب بما
مضمونه صدق النية وحسن الطوية، ثم سأل عضد الدولة من الطائع أن
يجدد عليه الخلع والجواهر، وأن يزيد في إنشائه تاج الدولة، فأجابه إلى
ذلك، وخلع عليه من أنواع الملابس ما لم يتمكن معه من تقبيل الأرض
بين يدي الخليفة، وفوض إليه ما وراء بابه من الأمور ومصالح المسلمين
في مشارق الأرض ومغاربها، وحضر ذلك أعيان الناس، وكان
يوماً مشهوداً‏.‏

وأرسل في رمضان إلى الأعراب من بني شيبان وغيرهم فعقرهم
وكسرهم، وكان أميرهم منبه بن محمد الأسدي متحصناً بعين التمر مدة
نيف وثلاثين سنة، فأخذ ديارهم وأموالهم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة

تزوج الطائع لله بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد بحضرة الأعيان
على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان وكيل عضد الدولة الشيخ أبا علي
الحسين بن أحمد الفارسي النحوي، صاحب ‏(‏الإيضاح والتكملة‏)‏ وكان
الذي خطب خطبة العقد القاضي أبو علي الحسن بن علي التنوخي‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وفيها جدد عضد الدولة عمارة بغداد ومحاسنها، وجدد
المساجد والمشاهد، وأجرى على الفقهاء الأزراق، وعلى الأئمة من
الفقهاء والمحدثين والأطباء والحساب وغيرهم، وأطلق الصلات لأرباب
البيوتات والشرف، وألزم أصحاب الأملاك بعمارة بيوتهم ودورهم، ومهد
الطرقات وأطلق المكوس وأصلح الطريق للحجاج من بغداد إلى مكة،
وأرسل الصدقات للمجاورين بالحرمين‏.‏

قال‏:‏ وأذن لوزيره نصر بن هارون - وكان نصرانياً - بعمارة البيع
والأديرة، وأطلق الأموال لفقرائهم‏.‏

وفيها‏:‏

توفي حسنويه بن حسين الكردي، وكان قد استحوذ على نواحي بلاد
الدينور وهمدان ونهاوند مدة خمسين سنة، وكان حسن السيرة كثير
الصدقة بالحرمين وغيرهما، فلما توفي اختلف أولاده من بعده وتمزق
شملهم، وتمكن عضد الدولة من أكثر بلادهم، وقويت شوكته
في تلك الأرض‏.‏

وفيها‏:‏

‏ ركب عضد الدولة في جنود كثيفة إلى بلاد أخيه فخر الدولة، وذلك لما
بلغه من ممالأته لعز الدولة واتفاقهم عليه، فتسلم بلاد أخيه فخر الدولة
وهمدان والري وما بينهما من البلاد، وسلم ذلك إلى مؤيد الدولة – وهو
أخوه الآخر - ليكون نائبه عليها، ثم سار إلى بلاد حسنويه الكردي
فتسلمها وأخذ حواصله وذخائره، وكانت كثيرة جداً، وحبس بعض أولاده
وأسر بعضهم، وأرسل إلى الأكراد الهكارية فأخذ منهم بعض بلادهم،
وعظم شأنه وارتفع صيته، إلا أنه أصابه في هذا السفر داء الصداع،
وكان قد تقدم له بالموصل مثله، وكان يكتمه إلى أن غلب عليه كثرة
النسيان فلا يذكر الشيء إلا بعد جهد جهيد، والدنيا لا تسر بقدر ما تضر‏.‏

دار إذا ما أضحكت في يومها * أبكت غداً، بعداً لها من دار