المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمثال في القرآن - جزء سابع


حور العين
04-12-2016, 10:10 AM
من: الأخت / الملكة نــور
الأمثال في القرآن
جزء سابع

الأمثال في القرآن

للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد

الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،

اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،

ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

قال تعالى :

{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ }

[ الروم : 28 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد

وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ،

أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

حقيقة الإيمان ليس أن يقر الإنسان بوجود الله

بل أن يؤمن أنه هو الفعال :

أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في أمثال القرآن الكريم ،

والآية اليوم هي قوله تعالى :

{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ

أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

[ الروم : 28 ]

أيها الأخوة، أن تقول: أنا مؤمن

لأنني أُقر بوجود الله، إبليس اللعين قال :


{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }

[ ص : 82 ]

وقال :

{ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }

[ ص : 76 ]

وقال :

{ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

[ الأعراف : 14 ]

لكن حقيقة الإيمان ليس أن تقر بوجود الله ، أن تؤمن أنه هو الفعال ،

هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعطي ، هو المانع ، هو المعز ،

هو المذل ، الدين توحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، ألا ترى يداً تعمل

عملاً مع الله ، أن ترى أن كل شيء بيد الله ، أن كل شيء يرجع إلى الله .

{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }

[ هود : 123 ]

من ازداد إيماناً

جاءت مقاييسه مطابقة لمقاييس القرآن الكريم :

الحقيقة التوحيد كفكرة سهل ، أما أن تعيش التوحيد فهذا شيء

يحتاج إلى جهد كبير ، مثلاً :

حينما تقرأ قوله تعالى :

{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }

[ الأحزاب : 71 ]

لو أنك ممن يطيع الله مثلاً ولكنك فقير ، رأيت صديقاً لك في أعلى درجات

الغنى ، بيته فخم جداً ، مساحات واسعة ، عنده مركبتان أو ثلاث ،

دخله فلكي ، طعام ، شراب ، ثياب ، إذا تصورت أنه هو الفائز ،

وأنت مطيع لله ، وهو لا يطيع الله ، فإنك لا تعيش هذه الآية ،

قد تتحدث عن معناها ، قد تدرك معناها ، أما أن تعيشها فلا ،

فرقٌ كبير بين أن تفهم معنى الآية وبين أن تعيشها .

مرة ثانية أنت مطيع لله ، والله عز وجل يقول

{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }

[ الأحزاب : 71 ]

المعنى واضح ، سهل جداً ، سهل الإلقاء و سهل الفهم ،

لكن حينما ترى أن هذا الصديق الفاسق ، الفاجر ، الذي يملك هذه البيوت ،

وتلك المركبات ، وهذه المكانة ، وهذا الدخل الفلكي ، أن تراه هو الفائز ،

ولست أنت ، أنت لا تعيش الآية ، فالبطولة لا أن تفهم معنى الآية

أن تعيشها ، أعلى درجات الفهم لكتاب الله أن تعيش الآيات ،

لذلك قال تعالى :

{ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }

[ آل عمران : 185 ]

يا ترى أنت في حياتك اليومية ، في علاقاتك ببني البشر ،

هل ترى أن تزحزح عن النار وأن يتاح لك دخول الجنة

هذا هو الفوز العظيم؟

هذا هو الفوز ، فكلما ازداد إيمانك تأتي مقاييسك مطابقة

لمقاييس القرآن الكريم ، فإذا ضعف الإيمان تستخدم مقاييس أرضية ،

والآن الناس يُعظمون الأغنياء والأقوياء ، ومن له وسامة فائقة ،

ومن له دخل كبير ، ومن له منصب رفيع ، هذه مقاييس البشر ،

لكن عند خالق البشر الإنسان الفائز هو المطيع ولو كان ضعيفاً أو فقيراً ،

فكلما ازددت إيماناً تأتي مقاييسك مطابقة لمقاييس القرآن الكريم .

الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده

إلا بعد أن طمأنه :

لذلك الله عز وجل يضرب الأمثال ،

أنت إنسان صاحب مؤسسة تجارية كبيرة لو عندك بعملك التجاري

موظفون ، ولك شريك ،

هل يعقل أن تخاف من هذا الموظف ؟

بكلمة واحدة تصرفه من العمل ، بكلمة واحدة ، هذا موظف ،

يمكن أن يطالبك بالتأمينات ، أو يطالبك بالتعويض ،

لكن هل يستطيع هذا الموظف الذي جئت به وعينته في المؤسسة

أن يزيحك من هذه المؤسسة؟

هل يستطيع أن ينافسك في القرار؟

أن يملي عليك أمراً ؟

مستحيل ، هو موظف ، له حق عندك ، تعطيه حقه وانتهى الأمر ،

أما الشريك ، الشريك آمر ، الشريك يحاسب ، الشريك يسأل ،

أنت لم تداوم هذه السنة ، أنا داومت ، أنت لم تبذل جهداً ،

أنا بذلت ، أنت لم تدفع ، أنا دفعت

فالشريك يسأل ، أما الأجير لا يسأل

فالله عز وجل قال :

أنتم لا ترضون لأنفسكم أن يكون عندكم أجير

أن يكون شريكاً لكم في العمل، يملي عليكم ، ويتدخل في شؤونكم ،

ويأخذ قراراً ، وهو أجير وليس شريكاً، أما الشريك فممكن .

فالله عز وجل يقول :

ضرب الله مثلاً من حياتكم ، من أنفسكم ،

من معطياتكم ، مما تعيشون

{ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

[ الروم : 28 ]

أي ملكت أيمانكم من كان يعمل معكم بالمعنى المعاصر ،

{ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ }

[ الروم : 28 ]

هل يعقل أن

{ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ }

[ الروم : 28 ]

أن تخاف هذا الأجير كما تخاف الشريك ، الشريك يحاسب ،

والذي له شريك له معلم ،

هل يعقل أن تخاف هذا الأجير على أنه شريك ؟

مستحيل ، أنت لا ترضى هذا لنفسك فكيف رضيته لربك ،

كيف تقول هؤلاء آلهة اللات والعزة ، حجر إله ؟

أساساً هناك قبيلة صنعت لها إلهاً صنماً من تمر ، فلما جاعت أكلته ،

قالوا : أكلت ودٌ ربها ، أي هل من الممكن أن ترى أن قطعة حجر إله ،

الآن الناس لا يعبدون حجراً ، لكن يعبدون بعضهم بعضاً ،

أنت لمجرد أن تعصي خالقك ، وأن تطيع مخلوقاً خوفاً من هذا المخلوق

فأنت لا تعرف الله ، وأنت لا تعبده عباده حق ،

القضية خطيرة أيها الأخوة ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

لذلك الله عز وجل ، قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ،

قال لك :

{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }

[ هود : 123 ]

فاعبده ، متى أمرك أن تعبده بعد أن طمأنك .

علاقة المؤمن مع جهة واحدة هي الله عز وجل :

لذلك أخواننا الكرام ، أنت تصور موظفاً بشركة لها صاحب ،

توفي هذا الصاحب وله خمسة أولاد ، فاستلموا العمل مكان أبيهم ،

لكن هؤلاء الأولاد متشاكسون ، متخاصمون ، وأنت موظف عندهم جميعاً ،

هذا يعطيك أمراً أن اذهب إلى هذا المكان ، الثاني يسأل عنك لا يجدك يعنفك ،

حياة لا تطاق ، خمسة مدراء متشاكسون وأنت تابع لهم ،

شيء فوق طاقة البشر ، أما تصور لهذه المؤسسة مديراً واحداً ،

فأنت إذا حسنت تعاملك معه فهذه قضية سهلة .

ميزة المؤمن علاقته مع جهة واحدة ، مع الله ، اجعل الهموم هماً واحداً

يكفك الهموم كلها ، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ،

اعمل لوجه واحد يكفك الوجه كلها ، أنت حينما تؤمن أن وجودك ،

وسلامة وجودك ، وكمال وجودك ، واستمرار وجودك ، بيد الله ،

و أن رزقك بيد الله ، و أن الخير من الله ، و أن الذي يزعجك من الله ،

و أنك في قبضة الله ، لا تعبد إلا الله ، و لا تعبأ بغيره ،

الآية الكريمة فيها تحدٍّ كبير قال :

{ فَكِيدُونِي جَمِيعاً }

[ هود : 55 ]

كيدوني ، أي افعلوا ما بدا لكم :

{ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ }

[ هود : 55 ]

لا ترتدوا :

{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ

إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

[ هود : 56 ]

مثل للتقريب :

وحوش كاسرة ، ضباع ، ذئاب ، أسود ، لكنها مربوطة بحبال

وأزمة محكمة ،

أنت علاقتك مع من ؟

مع الوحوش أم مع من يقبض زمامها ؟

هذه قصة لك ، الناس ضعيفو الإيمان ، الواقعون في الشرك الخفي ،

علاقتهم مع الوحوش يخافونه ، فإذا اقترب بعض الوحوش منهم

انهاروا من الخوف ، لكن هناك إنساناً علاقته مع من يملكها ،

يرضيه ، فإذا أرضاه أبعدها عنه .

لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :

لذلك ما من حديث جامع مانع كهذا النص :

( لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه )

هناك أمراض وبيلة ، وحوش كاسرة ، أنت في خيمة هناك عقارب ،

وأفاع ، وثعابين ، و لصوص ، و قطاع طريق ، والله الحياة تصور

مليون سيف فوق رأس كل إنسان ، أي ورم خبث يجعل حياة الإنسان

جحيماً لا يطاق .

لي صديق يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا ، وقدم إلى بلده ،

وعين بمنصب رفيع جداً ، بعد حين فقد بصره ،

زاره صديق له قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف

أتكفف الناس وأن يرد لي بصري .

بصرك بيد الله ، سمعك بيده ، حركتك بيده ، عقلك بيده ، زوجتك بيده ،

أولادك بيده ، حرفتك بيده ، دخلك بيده ، مكانتك بيده ،

{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }

[ هود : 123 ]

كل شيء بيد الله عز وجل ، والله له منهج ، والتعامل معه وفق قوانين ،

فأنت إذا أرضيت الله وحده رضي الله عنك وأرضى عنك الناس ،

ودقق في هذا الحديث حيث لا يوجد أدق منه :

( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ،

ومن أسخط برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) .

أخرجه الترمذي والإمام أحمد وابن حبان عن عائشة أم المؤمنين

ومن ابتغى أمراً بمعصية ، كان أبعد ممن رجا ،

وأقرب ممن اتقى ، لذلك

{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ

أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

[ الروم : 28 ]

عندك أجير أخذ قراراً ببيع المحل ، المحل ليس له ،

من صلاحيات الأجير يبع المحل ؟

يطلب منك تعويضاً ، يطلب منك زيادة راتب ، أما يبيع المحل

وأنت لا علم لك فهذا لم يعد أجيراً صار شريكاً ،

القصة كلها كل ما سوى الله أجير ، فإذا أنت عاملتهم كشركاء

تكون وقعت في الشرك الخفي ، هذا الشرك الخفي خطير جداً ، لذلك :

( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي

أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً

ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ) .

أخرجه البزار عن عبد الرحمن بن غنم

أريد أن أقول لكم :

هل يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة ؟

نعم إنها التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

والحمد لله رب العالمين