المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ممن توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة


حور العين
07-14-2016, 05:35 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ممن توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

ذكر من توفي فيها من الأعيان
أحمد بن عبد الله بن أحمد
أبو الحسن الواعظ، المعروف بان اكرات، صاحب كرامات ومعاملات،
كان من أهل الجزيرة فسكن دمشق، وكان يعظ الناس بالرفادة القيلية،
حيث كان يجلس القصاص‏.‏
قاله ابن عساكر‏.‏

قال‏:‏ وصنف كتباً في الوعظ، وحكى حكايات كثيرة، ثم قال‏:‏ سمعت
أبا الحسن أحمد بن عبد الله اكرات الواعظ ينشد أبياتاً‏:‏

أنا ما أصنع باللذا * ت شغلي بالذنوب

إنما العيد لمن فا * ز بوصل من حبيب

أصبح الناس على رو * ح وريحان وطيب

ثم أصبحت على نوح * وحزن ونحيب

فرحوا حين أهلّوا * شهرهم بعد المغيب

وهلالي متوار * من ورا حجب الغيوب

فلهذا قلت للذا * ت غيبي ثم غيبي

وجلعت الهم والحز * ن من الدنيا نصيبي

يا حياتي ومماتي * وشقائي وطبيبي

جد لنفس تتلظّى * منك بالرحب الرحيب

الحسين بن محمد الخليع
الشاعر، له ديوان شعر حسن، عمر طويلاً، وتوفي في هذه السنة‏.‏

الملك الكبير العادل
محمود بن سبكتكين، أبو القاسم الملقب يمين الدولة، وأمين الملة،
وصاحب بلاد غزنة، وما والاها، وجيشه يقال لهم‏:‏ السامانية، لأن أباه
كان قد تملك عليهم، وتوفي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، فتملك عليهم
بعده ولده محمود هذا، فسار فيهم وفي سائر رعاياه سيرة عادلة، وقام
في نصر الإسلام قياماً تاماً، وفتح فتوحات كثيرة في بلاد الهند وغيرها،
وعظم شأنه، واتسعت مملكته، وامتدت رعاياه، وطالت أيامه لعدله
وجهاده، وما أعطاه الله إياه، وكان يخطب في سائر ممالكه للخليفة القادر
بالله، وكانت رسل الفاطميين من مصر تفد إليه بالكتب والهدايا لأجل أن
يكون من جهتهم، فيحرق بهم ويحرق كتبهم وهداياهم، وفتح في بلاد
الكفار من الهند فتوحات هائلة، لم يتفق لغيره من الملوك، لا قبله ولا
بعده، وغنم مغانم كثيرة منهم لا تنحصر ولا تنضبط، من الذهب واللآلئ،
والسبي وكسر من أصنامهم شيئاً كثيراً، وأخذ من حليتها‏.‏

وقد تقدم ذلك مفصلاً متفرقاً في السنين المتقدمة من أيامه، ومن جملة ما
كسر من أصنامهم صنم يقال له‏:‏ سومنان، بلغ ما تحصل من حليته من
الذهب عشرين ألف ألف دينار، وكسر ملك الهند الأكبر الذي يقال له‏:‏
صينال، وقهر ملك الترك الأعظم الذي يقال له‏:‏ إيلك الخان وأباد ملك
السامانية، وقد ملكوا العالم في بلاد سمرقند وما حولها، ثم هلكوا‏.‏

وبنى على جيحون جسراً تعجز الملوك والخلفاء عنه، غرم عليه ألفي ألف
دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره، وكان في جيشه أربعمائة فيل تقاتل،
وهذا شيء عظيم هائل، وجرت له فصول يطول تفصيلها، وكان مع هذا
في غاية الديانة والصيانة وكراهة المعاصي وأهلها، لا يحب منها شيئاً
ولا يألفه، ولا أن يسمع بها، ولا يجسر أحداً أن يظهر معصية ولا خمراً
في مملكته، ولا غير ذلك، ولا يحب الملاهي ولا أهلها، وكان يحب العلماء
والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم، ويحب أهل الخير والدين
والصلاح ويحسن إليهم‏.‏

وكان حنفياً ثم صار شافعياً على يدي أبي بكر القفال الصغير على ما ذكره
إمام الحرمين وغيره، وكان على مذهب الكرامية في الاعتقاد، وكان من
جملة من يجالسه منهم محمد بن الهيضم، وقد جرى بينه وبين أبى بكر
بن فورك مناظرات بين يدي السلطان محمود في مسألة العرش، ذكرها
ابن الهيضم في مصنف له، فمال السلطان محمود إلى قول ابن الهيضم،
ونقم على ابن فورك كلامه، وأمر بطرده وإخراجه، لموافقته
لرأي الجهمية‏.‏

وكان عادلاً جيداً، اشتكى إليه رجل أن ابن أخت الملك يهجم عليه في داره
وعلى أهله في كل وقت، فيخرجه من البيت ويختلي بامرأته، وقد حار في
أمره، وكلما اشتكاه لأحد من أولي الأمر لا يجسر أحد عليه خوفاً
وهيبة للملك‏.‏

فلما سمع الملك ذلك غضب غضباً شديداً، وقال للرجل‏:‏ ويحك متى جاءك
فائتني فأعلمني، ولا تسمعن من أحد منعك من الوصول إليّ، ولو جاءك
في الليل فائتني فأعلمني‏.‏

ثم إن الملك تقدم إلى الحجبة وقال لهم‏:‏ إن هذا الرجل متى جاءني لا يمنعه
أحد من الوصول إليّ من ليل أو نهار، فذهب الرجل مسروراً داعياً، فما
كان إلا ليلة أو ليلتان حتى هجم عليه ذلك الشاب فأخرجه من البيت
واختلى بأهله، فذهب باكياً إلى دار الملك فقيل له‏:‏ إن الملك نائم‏.‏

فقال‏:‏ قد تقدم إليكم أن لا أمنع منه ليلاً ولا نهاراً، فنبهوا الملك فخرج معه
بنفسه وليس معه أحد، حتى جاء إلى منزل الرجل فنظر إلى الغلام وهو
مع المرأة في فراش واحد، وعندهما شمعة تقد، فتقدم الملك فأطفأ
الضوء ثم جاء فاحتز رأس الغلام وقال للرجل‏:‏ ويحك الحقني بشربة ماء،
فأتاه بها فشرب ثم انطلق الملك ليذهب، فقال له الرجل‏:‏ بالله
لم أطفأت الشمعة ‏؟‏

قال‏:‏ ويحك إنه ابن أختي، وإني كرهت أن أشاهده حال الذبح‏.‏

فقال‏:‏ ولم طلبت الماء سريعاً ‏؟‏

فقال الملك‏:‏ إني آليت على نفسي منذ أخبرتني أن لا أطعم طعاماً ولا أشرب
شراباً حتى أنصرك، وأقوم بحقك، فكنت عطشاناً هذه الأيام كلها، حتى
كان ما كان مما رأيت‏.‏

فدعا له الرجل وانصرف الملك راجعاً إلى منزله ولم يشعر بذلك أحد‏.‏

وكان مرض الملك محمود هذا بسوء المزاج، اعتراه مع انطلاق البطن
سنتين، فكان فيهما لا يضطجع على فراش، ولا يتكئ على شيء، لقوة
بأسه وسوء مزاجه، وكان يستند على مخاد توضع له ويحضر مجلس
الملك، ويفصل على عادته بين الناس، حتى مات كذلك في يوم الخميس
لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة عن ثلاث وستين سنة، ملكه
منها ثلاث وثلاثون سنة، وخلف من الأموال شيئاً كثيراً، من ذلك سبعون
رطلاً من جوهر، الجوهرة منه لها قيمة عظيمة سامحه الله‏.‏

وقام بالأمر من بعده ولده محمد، ثم صار الملك إلى ولده الآخر مسعود
بن محمود فأشبه أباه، وقد صنف بعض العلماء مصنفاً في سيرته
وأيامه وفتوحاته وممالكه‏.‏