المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدارج السالكين ( الجزء الثالث - 04 )


حور العين
08-08-2016, 03:52 PM
من:الأخت الزميلة / جِنان الورد
مدارج السالكين
( الجزء الثالث - 04 )

نبدأ باْذن الله الحلقة الثانية
من مدارج السالكين بين منازل

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

نسخة منقحة
للإمام العلامة : إبن القيم الجوزية

الدرس الثاني

فصل : الصراط المستقيم

وذكر الصراط المستقيم مفردا معرفا تعريفين:
* تعريفا باللام
* وتعريفا بالإضافة

وذلك يفيد تعينه واختصاصه وأنه صراط واحد
وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها

كقوله :

{ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }
[ الأنعام : 153 ]

فوحد لفظ الصراط وسبيله وجمع السبل المخالفة له

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :

( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً خطا
ثم قال : هذا سبيل الله ,
ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله،
ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ).

ثم تلا قول الله تعالى :

{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[ الأنعام : 153 ]
صححه الألباني

وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد وهو ما بعث به رسله
وأنزل به كتبه لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق ولو أتى الناس
من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم مسدودة
والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله
موصل إلى الله

قال الله تعالى :

{ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ }

فصل : علّم الله عباده
كيفية سؤاله الهداية إلى الصراط المستقيم

ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب
ونيله أشرف المواهب: علّم الله عباده كيفية سؤاله
وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده
ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم توسل إليه
بأسمائه وصفاته وتوسل إليه بعبوديته
وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء

وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين وهما التوسل بالحمد والثناء عليه
وتمجيده والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ثم جاء سؤال أهم المطالب
وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين فالداعي به حقيق بالإجابة.

ونظير هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به
إذا قام يصلي من الليل رواه البخاري
في صحيحه من حديث ابن عباس :

( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن
ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن
ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق
والنار حق والنبيون حق والساعة حق ومحمد حق
اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت
ولك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت
وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت )

فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه
وبعبوديته له ثم سأله المغفرة.

فصل : اشتمال الفاتحة على أنواع التوحيد
(بتصرف)

في اشتمال هذه السورة على أنواع التوحيد الثلاثة
التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم :

1 - توحيد الربوبية :
فاعترفنا بأنه الله رب العالمين وهو مالك يوم الدين وحده

2 - وتوحيد الألهة :

في { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

3 - توحيد الأسماء والصفات :
ففيها أسماء الله والرحمن والرحيم والملك والرب سبحانه
فجمعت الأنواع الثلاثة للتوحيد .

فَصْلٌ : فِي بَيَانِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ

عَلَى الْشِفَاءَيْنِ شِفَاءِ الْقُلُوبِ وَشِفَاءِ الْأَبْدَانِ

** اشتمالها على شفاء القلوب

فأما اشتمالها على شفاء القلوب بفاتحة الكتاب:

فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال فإن مدار اعتلال القلوب
وأسقامها على أصلين:
- فساد العلم
- وفساد القصد.

ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما :
- الضلال
- والغضب

فالضلال نتيجة فساد العلم ،
والغضب نتيجة فساد القصد ،
وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها

* فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال
ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد
وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة لشدة ضرورته
وفاقته إلى الهداية المطلوبة ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه.

ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }.

* فإن هذا الدواء مركب من ستة أجزاء:
1- عبودية الله لا غيره.
2- بأمره وشرعه.
3- لا بالهوى.
4- ولا بآراء الرجال وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم.
5- بالاستعانة على عبوديته به.
6- لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره.

فهذه هي أجزاء { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

فإذا ركبها الطبيب اللطيف العالم بالمرض واستعملها المريض
حصل بها الشفاء التام وما نقص من الشفاء فهو لفوات جزء
من أجزائها أو اثنين أو أكثر.

ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد
تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر

* فدواء الرياء بـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }
ودواء الكبر بـ { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } تدفع الرياء { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } تدفع الكبرياء.

فإذا عوفي من مرض الرياء بـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }
ومن مرض الكبرياء والعجب بـ { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
ومن مرض الضلال والجهل بـ{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
عوفي من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية
وتمت عليه النعمة , وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم
وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين
وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.

وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين
أن يستشفى بها من كل مرض

** تضمنها لشفاء الأبدان

وأما تضمنها لشفاء الأبدان :
الرقية بفاتحة الكتاب فنذكر منه ما جاءت به السنة
وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة.

ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :

( أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب،
فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي،
فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء،
فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم،
لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط،
إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء،
فهل عند أحد منكم شيء؟
فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا،
فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم،
فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين
حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة،
قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه،
فقال بعضهم: اقسموا،
فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا،
فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له،
فقال: وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم )
صححه الألباني

فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه
فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء.

هذا مع كون المحل غير قابل إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين
أو أهل بخل ولؤم

فكيف إذا كان المحل قابلا ؟

وصلى اللهم وبارك
على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم

إلي اللقاء مع الجزء الرابع والأخير بإذن الله تعالي