المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة العيد من المسجد الحرام بعنوان : الأسلام رسالة كاملة


حور العين
09-14-2016, 06:25 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبة العيد من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله
خطبة عيد الأضحى بعنوان :
الإسلام رسالةٌ كاملةٌ

والتي تحدَّث فيها عن يوم النَّحر وفضلِه، وذكرَ أعمالَ الحَجيجِ في هذه الأيام،
مُذكِّرًا بفضلِ أيام التشريقِ، وذلك للحاجِّ والمُقيم، كما تحدَّث عن كمال دينِ الإسلام،
ووجوبِ الالتِزام به قولاً وعملاً، ففي ذلك سعادةُ البشريَّة، ونجاتُها من الفتن
والمُدلهِمَّات والخُطوبِ، ونبَّه في ثنايَا خُطبته بعضَ التنبيهات لبعضِ فِئات المُجتمع
المُؤثِّرة على سائِرِ المُجتمع؛ كالعلماء، والدُّعاة، والمُعلِّمين والمُربِّين، والإعلاميِّين،
ومن كانت له رسالةٌ تعُمُّ الناسَ مثلَهم، كما بيَّن أحكام الأضاحي والهدايا وفضلَها.

الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي بعثَ نبيَّه الخاتمَ هدايةً وحُجَّة،
وكتبَ النجاةَ لمن لزِمَ سبيلَه واقتفَى في الدينِ نهجَه، وجعلَ مكَّة والمشاعِر
مثابةً للناسِ ومحجَّة، وكعبةَ الله قبلةً للمُصلِّي حيث كان يمَّمَ شطرَها وتوجَّه،

{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }
[ الإسراء : 111 ]

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحانَ الله بُكرةً وأصيلاً.


الله أكبرُ عدد ما أحرمَ في المواقيت الحُجَّاج، والله أكبرُ عدد ما فاضَت بالحَجيج فِجاج،
الله أكبرُ عدد ما بانَ صُبحٌ بعد ليل، والله أكبرُ عدد ما لاحَ برقٌ وناحَ وَرقٌ
وعدد قَطر السَّيل، الله أكبرُ عدد ما سُحَّت مدامِعُ الحَجيج في هذه العرَصَات،
والله أكبرُ عدد ما مُحِيَت ها هنا من ذنوبٍ وأُقِيلَت من عثَرَت، الله أكبرُ عدد ما جاشَت
نفوسٌ إلى هذي الرُّبُوع، والله أكبرُ عدد ما تاقَت إليها قلوبٌ
وانسابَت على روابِيها الجُموع، الله أكبرُ عدد ما ارتفَعَت ها هنا من دعوات،
والله أكبرُ عدد ما قُرِئَت سُورٍ أو تُلِيَت في أرضِنا الآيات.

الله أكبرُ عدد ما طافُوا بالبيتِ وسعَوا، وباتُوا بمُزدلِفة ومِنى ووقفُوا بعرفات،
الله أكبرُ عدد ما نُسِكَت أضاحٍ وسِيقَ الهَدي، وعدد ما أُريقَت دماؤُها لتضحِيةٍ وفَدي،
الله أكبرُ تشدُو بها شِفاهُ المُسلمين رُكوعًا وقيامًا وسُجَّدًا،
وتترنَّمُ بها شِفاهُهم في صلواتِ النهار وهُجَّدا، الله أكبرُ تتردَّدُ بها الأنحاء،
وتُعيدُها الأصداء، الله أكبرُ عزَّةُ المُسلم وغُصَّةُ الأعداء.

أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تُسبِّح بحمدِه دائِراتُ الفلَك،
ويشهَدُ بعظمتِه هذا الملَكُوتُ وما ملَك، ويُقِرُّ بوحدانيَّته هذا الوجود،
ونحن نُقرُّ يا ربُّ لك،
وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه،
خُتِمَت به الرسالاتُ والرُّسُل، وأُكمِلَت به الشرائِعُ واستبانَت من بعدِه السُّبُل،
وصاغَه الله على متامِّ الأخلاق وأكمَل المُثُل، صلَّى الله وسلَّم وبارَك وأكرمَ
وأجزلَ وأفضلَ وأنعمَ عليه، وعلى آله كرامِ المَحتَد،
وأهلِ بيتِه ذوِي السُّؤدَد والنَّسَبِ الأمجَد.

وصلَّى على صحابتِه الذين كانوا لبِنةَ الإسلام الأولى، وغُرَّتَه المُثلَى،
كانوا أولَ جيلٍ في أكرم مدرسَة، وهم الغِراسُ الذي رعاه نبيُّنا - عليه السلام -
وغرسَه، والرُّكنُ الذي شادَه وأشادَ به وأسَّسه، حبُّهم دينٌ وإيمان،
وبُغضُهم علامةٌ على من أعمَى الله قلبَه وطمسَه، وفي مهاوِي الضلال تردَّى
واللهُ فيها أركسَه، وصلَّى الله على أتباعِ نبيِّنا وأتباعِهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

فخيرُ الوصايا وأولُها، وأتمُّها وأشملُها :
هي وصيَّةُ الله للناس بالتقوَى، فاتَّقُوا الله - عباد الله -،

{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }
[ البقرة : 197 ]

فالله لتقوَاه قد دعاكم، وفي كتابِه حثَّكم عليها وناداكم،
ورتَّب عليها فتوحات الدنيا والخيرَ في أُخراكم.

وتذكَّرُوا برُؤية هذه الحُشود يومَ المحشَر، واستعِدُّوا ليومٍ فيه الصحائِفُ تُنشَر،


{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
[ الزلزلة : 7، 8 ]

إن لكم على ربِّكم عرضًا فاتَّقُوه،

{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }
[ البقرة : 281 ]

حُجَّاج بيت الله الحرام :

أيها المُسلمون في مشارِق الأرض ومغارِبِها، وحيثُما كنتم في مناكِبِها وأطرافِها!
هنيئًا لكم هذا العيد، وبارَك الله يومَكم المَجيد. أدامَ الله عليكم السعدَ والسُّرور،
وأفاضَ عليكم بالعيدِ البهجةَ والحُبُور، تقبَّل الله منكم الطاعات،
وأدامَ عليكم المسرَّات، غفرَ الله ذنوبَكم، وأسعدَ بالخيرات قلوبَكم،
وحقَّق لكم صالحَ الآمال، ووفَّقكم لأحسن الأعمال.

أعادَ الله هذا العيدَ علينا وعليكم وعلى الأمة جَمعَاء بالخير واليُمن والسعادة،
والعِزِّ والنصر والتمكين للإسلام والمُسلمين.

العيدُ - أيها المُؤمنون - مِنحَةُ الله لكم لتسعَدُوا، وهداياهُ لتُسرُّوا وتعبُدوا.
عملٌ صالحٌ يُقبَل .. ورَحِمٌ تُوصَل .. وأيدٍ تتصافَحُ .. ونفوسٌ تتسامَح
إنه فرحٌ بلا تجاوُز، وسُرورٌ بلا طُغيان، نفرَحُ ونُؤجَر، ونأنَسُ ونُثابُ.

والحمدُ لله على كمالِ الدين ويُسرِه، إنه شعيرةٌ من شعائِر الله فيها ذِكرُه وشُكرُه،
والفرحُ بنعمتِه؛ فاهنَؤُوا بعيدِكم - أيها المسلمون


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


حُجَّاج بيت الله الحرام :

أنتُم اليوم تقِفُون على ثرَى وقفَ عليه رُسُلٌ وأنبياء،
وتنزَّلَت من عليائِها إليه ملائِكٌ من السماء، فهذا بيتُ الله وهذه قِبلةُ المُسلمين،
وهذه الآياتُ البيِّناتُ ومقامُ إبراهيم.

من هنا شعَّ الإسلامُ وهذا مركزُه، ومن هنا ابتدَأ وإليها عودتُه ومأرِزُه،
تنزَّلَ الوحي في هذه العرَصَات، وشهِدَت سماؤُه جبريلَ يُرتِّلُ الآيات.
سمِعَت سُفوحُها إبراهيم الخليل وهو يستودِعُ الله ذُريَّتَه،
وانبجَسَت من صُخورِها ماءُ زمزم الذي بارَكَ الله شربَتَه،
وقامَ هنا أولُ بيتٍ لله على الأرض.

هنا نادَى الخليلُ بتوحيدِ الله، وأذَّنَ في الناسِ بالحجِّ
وهنا جدَّد حفيدُه النداءَ، فجاؤُوا من كل فجٍّ. هذه المرابِعُ هي رحِمُ الإسلام،
ومنها ساحَ إلى كل العوالِم.

ها أنتم قد نزلتُم مِنَى، ووردتُم بيتَ الله، ومن قبلُ وقفتُم في عرفات،
ثم ازدَلفتُم عند المشعَر الحرام، وتقلَّبتُم في رُبوعٍ لا يُلهَجُ فيها إلا بالتلبِيةِ والتكبير،
ولا إعلانَ فيها إلا بالوَحدة والتوحيد.

عرَصَاتٌ يُذكرُ فيها اسمُ الله ويُعظَّم، ويُغفَرُ للحاجِّ المُوفَّق ويُكرَم.
معالِمُ وشعائِر راسِخةٌ في هذا المكان، شامِخةٌ رغم تطاوُل الأزمان،
تصِلُ آخر الأمة بأوَّلها، وحاضِرها بأصلِها.

تاريخٌ له في نفسِ المُؤمن ألَق، وذِكرَى لها في الرُّوح عبَق.
على هذي الرُّبَى تُغسَلُ الخطايا، ويعودُ الحاجُّ نقيًّا كما ولدَتْه أمُّه،
وليس مكانٌ في الدنيا له ميزةٌ كهذا المكان.

فاقدُروا للبيتِ حُرمتَه، وتلمَّسُوا من الزمانِ والمكانِ بركَتَه؛


فنبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - يقول:

( من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه )
متفق عليه.


وفي "الصحيحين" أيضًا:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( والحجُّ المبرُورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة )


تقبَّل الله منكم الطاعات، وغفرَ الخطيئات، وأتمَّ لكم النُّسُك.


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


معاشِر الحَجيج :

إن يومَكم هذا يومٌ مُبارَك، رفعَ الله قدرَه، وأعلى ذِكرَه،
وسمَّاه "يوم الحجِّ الأكبر"، وجعلَه عيدًا للمُسلمين حُجَّاجًا ومُقيمين.

في هذا اليوم الأغَرِّ يتوجَّهُ الحُجَّاجُ إلى مِنَى لرَميِ جَمرة العقَبَة بسبعِ حصَيَاتٍ،
ثم يذبَحُ هديَه إن كان مُتمتِّعًا أو قارِنًا، ويحلِقُ رأسَه، وبهذا يتحلَّلُ التحلُّلَ الأول،
ويُباحُ له ما كان مُحرَّمًا بالإحرام إلا الجِماع.

ثم يتوجَّهُ الحاجُّ إلى مكَّة ليطُوفَ طوافَ الإفاضة،