المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تحزن ( الجزء الثاني– 02 )


حور العين
11-16-2016, 02:51 PM
من: الأخت / الملكة نــور
لا تحزن ... للشيخ عائض القرني
( الجزء الثاني– 02 )

السلامةُ مع الرِّضا :

والرضا يفتحُ له باب السلامةِ ، فيجعلُ قلبهُ سليماً ، نقيّاً من الغشِّ والدَّغلِ والغلِّ ،
ولا ينجو منْ عذابِ اللهِ إلا منْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ ، وهو السَّالِمُ من الشُّبهِ ،
والشَّكِّ والشِّركِ ، وتلبُّسِ إبليس وجُندِه ، وتخذيلِهِ وتسويفِهِ، ووعْدِه ووعيدِه ،
فهذا القلبُ ليس فيهِ إلا اللهُ :

{ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }
[ الأنعام : 91 ]

وكذلك تستحيلُ سلامةُ القلبِ من السُّخطِ وعدمِ الرضا ، وكلَّما كان العبدُ أشدَّ رضاً ،
كان قلبُه أسْلَمَ . فالخبثُ والدَّغَلُ والغشُّ : قرينُ السُّخطِ .

وسلامةُ القلبِ وبرُّه ونُصحُه : قرينُ الرضا . وكذلك الحسدُ هو منْ ثمراتِ السخطِ .
وسلامةُ القلبِ منهُ : منْ ثمراتِ الرضا . فالرضا شجرةٌ طيِّبة ،
تُسقى بماءِ الإخلاصِ في بستانِ التوحيدِ ، أصلُها الإيمانُ ، وأغصانُها الأعمالُ الصالحةُ ،
ولها ثمرةٌ يانِعةٌ حلاوتُها .

في الحديثِ :

( ذاق طعْم الإيمانِ منْ رضي باللهِ ربّاً ، وبالإسلام ديِناً ،
وبحمدٍ نبياً )

وفي الحديث أيضاً :

( ثلاثٌ منْ كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمانِ .... )

السُّخْطُ بابُ الشَّكِّ :

والسُّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشَّكِّ في اللهِ ، وقضائه ، وقدرِه ، وحكمتِهِ وعلمِهِ ،
فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه ، ويتغلغلُ فيه ، وإنْ كان لا يشعرُ به ،
فلوْ فتَّش نفسه غاية التفتيشِ ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً ،
فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ ،

وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ :

( إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ ، فافعل .
فإن لم تستطع ، فإن في الصبر على ما تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً ) .

فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ ، غاضبِون ولوْ لمْ يتكلمَّوا ،
عندهم إشكالاتٌ وأسئلةٌ ، مفادُها :
لِم هذا ؟ وكيف يكونُ هذا ؟ ولماذا وقع هذا ؟


الرِّضا غِنىً وأمْنٌ :

ومنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر ، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً ،
وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه ، والتَّوكُّلِ عليه . ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا ،
امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك ، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه .

فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ ، والسخطُ يفرِّغُ القلب من اللهِ ، ولا عيش لساخِطٍ ،
ولا قرار لناقِمٍ ، فهو في أمر مريجٍ ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ ، وحظَّهُ باخِسٌ ،
وعطيَّتهُ زهيدةٌ ، ومصائبهُ جمَّةٌ ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا ،
وأرفع وأجلَّ ، لكنّ ربَّه – في نظرِهِ – بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه ،
وأضناهُ وأرهَقَه ، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح ، وكيف يحيا ؟

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } .
[ محمد : 28 ]

ثمرةُ الرِّضا الشُّكْرُ :

والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ الإيمانِ ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ .
فإنَّ غاية المنازلِ شكرِ المولى ، ولا يشكُرُ اللهُ منْ يرضى بمواهبه وأحكامِه ،
وصُنعِه وتدبيرِه ، وأخذِه وعطائِه ، فالشاكرُ أنْعمُ الناسِ بالاً ، وأحسنُهم حالاً .




ثمرةُ السُّخطِ الكفرُ :

والسخطُ يُثمِر ضدَّه ، وهو كُفْرُ النِّعمِ ، وربما أثمر له كُفْر المنعِم .
فإذا رضي العبدُ عن ربِّه في جميعِ الحالاتِ ، أوجب له لذلك شُكره ،
فيكونُ من الراضين الشاكرين . وإذا فاتهُ الرضا ، كان من الساخطين ،
وسلك سُبُل الكافرين .

وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من العبيدِ
يريدون أن يكونوا أرباباً ، بلْ يقترحون على ربِّهم ، ويُحِلُّون على مولاهم ما يريدون:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ }
[ الحجرات : 1 ]




السُّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ :

والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند السخطِ والشهوةِ ، فهناك يصطادُه ،
ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه ، فإنهُ يقولُ ما لا يُرضي الرَّبَّ ، ويفعلُ ما لا يُرضيه ،
وينوي ما لا يُرضيهِ ،

ولهذا قال النبيَّ صلي الله عليه وسلم عند موت ابنهِ إبراهيم :

( يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا )

فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ ،
فأخبرَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم أنهُ لا يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ
الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي الله ، ويفعلون ما لا يرضيه
إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى .

ولو لمح العبدُ في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ ،
لهان عليه المصابُ .
أوَّلها :
علمُه بحكمةِ المقدِّرِ جلَّ في علاه ، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه .

ثانيها :
أنْ ينظر للأجرِ العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ .

ثالثُها :
أن الحُكم والأمر للرَّبِّ ، والتسليم والإذعان للعبدِ :

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } .
[ الزخرف : 32 ]



الرِّضا يُخرجُ الهوى :

والرضا يُخرجُ الهوى من القلبِ ، فالراضي هواهُ تبعٌ لمرادِ ربِّه منه ،
أعني المراد الذي يحبُّه ربُّه ويرضاهُ ، فلا يجتمعُ الرضا واتِّباعُ الهوى في القلبِ أبداً ،
وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا ، وشعبةٌ منْ هذا ، فهو للغالِب عليه منهما .

إنْ كان رضاكُم في سهري فسلامُ اللهِ على وَسَنِي

{ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }
[ طه : 84 ]

إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسِدُنا فما لجرْجٍ إذا أرضاكمو ألمُ

تم بحمد الله تعالي