المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدارج السالكين ( الجزء الرابع )


حور العين
12-30-2016, 02:17 PM
من:الأخت الزميلة / جِنان الورد
مدارج السالكين
( الجزء الرابع )


نبدأ باْذن الله الحلقة الرابعه
من مدارج السالكين بين منازل

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

نسخة منقحة
للإمام العلامة : إبن القيم الجوزية



الدرس الرابع
فصل : أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة


إذا عرف هذا فلا يكون العبد متحققا بـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } إلا بأصلين عظيمين :

أحدهما : متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: الإخلاص للمعبود فهذا تحقيق { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }

والناس منقسمون بحسب هذين الأصلين أيضا إلى أربعة أقسام :
●● أحدها :
أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة وهم أهل { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } :

حقيقة فأعمالهم كلها لله وأقوالهم لله وعطاؤهم لله ومنعهم لله
وحبهم لله وبغضهم لله فمعاملتهم ظاهراً وباطناً لوجه الله وحده لا يريدون
بذلك من الناس جزاء ولا شكوراً

وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله ولما يحبه ويرضاه
وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه ، وهو الذي بلا (من البلاء)
عباده بالموت والحياة لأجله

قال الله تعالى :

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }


قال الفضيل بن عياض :
العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه

قالوا :
يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟

قال:
إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل
وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل
حتى يكون خالصا صوابا
والخالص ما كان لله , والصواب ما كان على السنة

وفي الصحيح من حديث عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم

( كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ )
مردود عليه

وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعداً ،
فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالآراء والأهواء.

●● الضرب الثاني :
من لا إخلاص له ولا متابعة :

فليس عمله موافقا لشرع وليس هو خالصا للمعبود كأعمال المتزينين
للناس المرائين لهم بما لم يشرعه الله ورسوله وهؤلاء شرار الخلق
وأمقتهم إلى الله عز وجل ولهم أوفر نصيب من قوله :
{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا
فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يفرحون بما أتوا من البدعة والضلالة والشرك ويحبون أن يحمدوا
باتباع السنة والإخلاص.

●● الضرب الثالث :
من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر الشرعي :
كجهال العباد والمنتسبين إلى طريق الزهد والفقر وكل من عبد الله بغير أمره
واعتقد عبادته هذه قربة إلى الله

●● الضرب الرابع :
من أعماله على متابعة الأمر لكنها لغير الله :
كطاعة المرائين وكالرجل يقاتل رياء وحمية وشجاعة ويحج ليقال
ويقرأ القرآن ليقال فهؤلاء أعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها
لكنها غير صالحة فلا تقبل
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }

فصل : سر العبودية وغايتها وحكمتها

فاعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها إنما يطَّلِع عليها من عرف صفات الرب
عز وجل ولم يعطلها فهو الإله الحق وكل إله سواه فباطل بل أبطل الباطل
وأن حقيقة الإلهية لا تنبغي إلا له , فالعبادة هي الغاية المقصودة بالخلق
والتي لها خلقوا ولها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ولأجلها خلقت الجنة والنار؟
وإن ُفرض تعطيلها نسبة لله إلى ما لا يليق به ، خلق السماوات والأرض بالحق
ولم يخلقهما باطلا ولم يخلق الإنسان عبثا ولم يتركه سدى مهملا

قال تعالى :
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }

أي لغير شيء ولا لحكمة فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة
لكمال محبته مع الخضوع له والانقياد لأمره.

فأصل العبادة : محبة الله بل إفراده بالمحبة وأن يكون الحب كله لله
فلا يحب معه سواه وإنما يُحَب لأجله وفيه، كما يُحب أنبياءه ورسله وملائكته
وأولياءه فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبة معه
كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبه.

وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها فهي إنما تتحقق باتباع أمره
واجتناب نهيه فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة

ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله علما عليها وشاهدا لمن ادعاها

فقال تعالى :
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ }

فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله وشرطا لمحبة الله لهم



فصل: بناء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على أربع قواعد

وبنى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } على أربع قواعد :
التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من :
قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح
** فقول القلب :
هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه وعن أسمائه وصفاته
وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله.

** وقول اللسان :
الإخبار عنه بذلك والدعوة إليه والذب عنه وتبيين بطلان البدع
المخالفة له والقيام بذكره وتبليغ أوامره.

** وعمل القلب :
كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة إليه والخوف منه والرجاء له
وإخلاص الدين له والصبر على أوامره وعن نواهيه وعلى أقداره والرضى به
وعنه والموالاة فيه والمعاداة فيه والذل له والخضوع والإخبات إليه
والطمأنينة به وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضها أفرض (أهم)
من أعمال الجوارح ومستحبها أحب إلى الله من مستحب أعمال الجوارح
وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.

** وأعمال الجوارح :
كالصلاة والجهاد ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات ومساعدة العاجز
والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك.

* فـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } التزام لأحكام هذه الأربعة وإقرار بها
* و{ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } طلب للإعانة عليها والتوفيق لها
* و{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} متضمن للتعريف بالأمرين على التفصيل
وإلهام القيام بهما وسلوك طريق السالكين إلى الله بها.



فصل : دعوة جميع الرسل إلى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

وجميع الرسل إنما دعوا إلى
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم

فقال نوح عليه السلام لقومه
{ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ }

وكذلك قال هود وصالح وشعيب عليهم السلام وإبراهيم عليه السلام
قال الله تعالى :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }

وقال :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }

وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *
وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }

فصل : الله تعالى جعل العبودية وصف أكمل خلقه

والله تعالى جعل العبودية وصف أكمل خلقه وأقربهم إليه
فقال :
{ لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا }

وقال :
{ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

يعني أن الملائكة الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته يعني لا يأنفون عنها
ولا يتعاظمون ولا يستحسرون فيعيون وينقطعون , فهم في عبادة لله دائمة

وقال تعالى :
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا }...... إلى آخر السورة

وقال :
{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }

وقال :
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ }

وقال :
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ }

وقال :
{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ }

وقال عن سليمان
{ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

وقال عن المسيح
{ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ }

ووصف أكرم خلقه عليه وأعلاهم عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته
فقال تعالى :
{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }
عليه الصلاة والسلام

وقال تبارك وتعالى:
{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ }

وقال :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ }



فصل: في لزوم إياك نعبد لكل عبد إلى الموت

قال الله تعالى لرسوله :
{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

وقال أهل النار
{ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ }

واليقين هاهنا هو الموت بإجماع أهل التفسير وفي الصحيح.
ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد فهو زنديق كافر بالله وبرسوله



فصل : في منازل إياك نعبد

وهذا ما سيكون مستهل الدرس المقبل بإذن الله

إلي اللقاء مع الجزء السادس بإذن الله تعالي