المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البيعه على بعضها" قصه جميله "


vip_vip
05-03-2010, 06:21 PM
المهندس فيصل شاولى



البيعة على بعضها






عقب الصلاة و قبل الخروج من المسجد أوقفني أحد المصلين


يسأل عن كيفية التعامل مع ولده المراهق كثير الأسئلة ،


و تشعَّب الحديث و طال حتى كنا آخر الخارجين ،


و عند الباب توقَّف عند بائع خضراوات متجول كان قد بقي


على سطح عربته مجموعة من الطماطم الجيدة ،


و قليل من الكوسا التالفة ، وكمية مشابهة من الباذنجان الجيدة


وكمية من الفاصوليا نصفها تالف و نصفها جيد ،


سأله صاحبي عن سعر كل صنف ، ثم قال :


و لو اشتريتها كلها بكم تبيعها ؟ فأعطاه سعراً آخر أقل ،


فأجاب معقباً ، و لكنني لا أريد الفاصوليا التالفة ، و لا الكوسا أيضاً ،


فقال الرجل و هو يحرك عربته و يهمُّ بالذهاب ،


هذا هو سعري للبيعة على بعضها ، إن أردت أن تشتري فخذها كلها ،


و إلا فاتركها كلها ، فقال : بل سآخذها كلها ،


و بعد أن ملأ البائع الخضراوات في كيس واحد ، قلت


لم فضلت شراءها كلها مع ما بها من تالف ؟


قال : لقد آثرت أخذها كلها لأني وجدت أن الطماطم وحدها تستحق


السعر الذي دفعته ، فكأنه وجد أن ما بها من حسنات يفوق


ما بها من سيئات، وأن السعر المدفوع في الجيد منها يكفي لتغطية التالف .






قلت : ليتك تعالج موضوع ولدك بالطريقة نفسها


فهو مع كثرة أسئلته التي تثير غضبك كما تقول ، يعتذر حين يخطئ


و مجتهد في مدرسته ، و يلبي لك ما تكلفه به من مسؤوليات ،


و حنون على إخوته ، و بالتالي ألا يمكن لك أن تتعامل معه


كما تعاملت مع كمية الخضراوات التي اشتريتها قبل قليل ؟





ألست معي بأنك ستستفيد من الطماطم الجيدة ، و بعض الباذنجان


و نصف الفاصوليا ، و سترمي كل التالف ؟ قال : بلى ، قلت


أنت تملك فصل الخضراوات الجيدة عن التالفة و لكنك


لا تملك فصل صفات جيدة في إنسان عن صفاته السلبية


حاول يا صاحبي أن تتعامل مع الناس بمبدأ خذ البيعة على بعضها


و تعال ننظر إلى هدي المصطفى صلى الله عليه و سلم حين وجه الزوج


في التعامل مع زوجته إذا ما وصلت الأمور بينهما إلى حد كرهه لها :


« لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ».






بكل بساطة نحن بحاجة إلى رؤية الجوانب الطيبة في كل شخص لقبوله


بدل التركيز على صفاته السيئة و من ثم رفضه ،


إضافة إلى أنَّ ما نراه سيِّئاً في شخص قد لا يكون سيِّئاً في حدِّ ذاته ،


و إنما هو سيئ بعيوننا ؛


لأننا لا نعرف كيف نوظِّف ما لديه من صفات نجد أنفسنا


قد أصدرنا الحكم على تلك الصفات باعتبارها سيئة .






افترقنا و أنا أفكر في هذا الأب و مشكلته مع ولده كثير الأسئلة ،


و لأنه لا يعرف كيف يتعامل مع هذه الأسئلة الكثيرة


حكم عليه باعتباره ( ملقوف ) - كما يقولون - مع أنَّ ابناً كهذا


لو كان عند أبوين يملكان من المعرفة ما يمكنهما من الإجابة


على أسئلته لأصبح عالماً مبدعاً ، باعتباره طفلاً يعاني من نهم


و جوع للمعرفة ، هي أهم صفات المبدعين و العلماء ،


و هو جوع يحتاج لإشباع من خلال إجابته على أسئلته


أو توجيهه لمصادر المعرفة ، أو مشاركته في البحث عن الإجابة ،


و مع ذلك فكثيرون هم الآباء والأمهات الذين يضجرون من مثل هؤلاء


الأطفال مع أنَّ الخالق أمرنا أن لا ننهر أمثالهم : حين قال


« و أما السائل فلا تنهر»


و المؤسف أننا أقنعنا أنفسنا أنَّ السائل هو فقط من يطلب الطعام


و نسينا أن جوع العقل أعظم من جوع الجسد ، و أنَّ العقل تماماً كالجسد


، إذا لم نشبعه بالمفيد فسيُملأ حتماً بغير المفيد .


د. ميسرة طاهر