المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضاء وقدر


vip_vip
05-30-2010, 11:09 AM
قضاء وقدر

﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ ،
جفَّ القلمُ ، رُفعتِ الصحفُ ، قضي الأمرُ ، كتبت المقادير ،
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ﴾ ،
ما أصابك لم يكنْ لِيُخطئِك ، وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيِبك .
إن هذه العقيدة إذا رسختْ في نفسك وقرَّت في ضميرِك
صارتْ البليةُ عطيةً ،
والمِحْنةُ مِنْحةً ، وكلُّ الوقائع جوائز وأوسمةً
((ومن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُصِبْ منه))
فلا يصيبُك قلقٌ من مرضٍ أو موتِ قريبٍ ، أو خسارةٍ ماليةٍ ،
أو احتراقِ بيتٍ ،
فإنَّ الباري قد قدَّر والقضاءُ قد حلَّ ، والاختيارُ هكذا ،
والخيرةُ للهِ ،
والأجرُ حصل ، والذنبُ كُفِّر .
هنيئاً لأهلِ المصائب صبرهم ورضاهم
عن الآخذِ ، المعطي ، القابضِ ، الباسط ،
﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ .
ولن تهدأ أعصابُك وتسكن بلابلُ نفسِك ،
وتذْهب وساوسُ صدْرِك حتى تؤمن بالقضاءِ والقدرِ ،
جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ فلا تذهبْ نفسُك حسراتٍ ،
لا تظنُّ أنه كان بوسعِك إيقافُ الجدار أن ينهار ،
وحبْسُ الماءِ أنْ ينْسكِبُ ،
ومَنْعُ الريحِ أن تهبُّ ، وحفظُ الزجاج أن ينكسر ،
هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ،
وسوف يقعُ المقدورُ ، وينْفُذُ القضاءُ ، ويحِلُّ المكتوبُ
﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ .
استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بجيش السُّخْط والتذمُّر والعويل ،
اعترفْ بالقضاءِ قبْل أن يدهمك سيْلُ النَّدمِ ،
إذاً فليهدأ بالُك إذا فعلت الأسباب ،
وبذلت الحِيل ، ثم وقع ما كنت تحذرُ ، فهذا هو الذي
كان ينبغي أن يقع ، ولا تقُلْ
((لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قُلْ :
قدَّر اللهُ وما شاء فعلْ)) .


***********************

﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾
يا إنسانُ بعد الجوع شبعٌ ، وبعْدَ الظَّمأ ريٌّ ، وبعْدَ السَّهرِ نوْمٌ ،
وبعْدَ المرض عافيةٌ ،
سوف يصلُ الغائبُ ، ويهتدي الضالُّ ، ويُفكُّ العاني ،
وينقشعُ الظلامُ
﴿ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ .
بشَّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ الجبال ،
ومسارب الأوديةِ ،
بشِّر المهمومَ بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ في سرعةِ الضَّوْءِ ،
ولمُحِ البصرِ ،
بشِّرِ المنكوب بلطف خفيٍّ ، وكفٍ حانيةٍ وادعةٍ .
إذا رأيت الصحراء تمتدُّ وتمتدُّ ،
فاعلم أنَّ وراءها رياضاً خضراء وارفةّ الظِّلالِ.
إذا رأيت الحِبْل يشتدُّ ويشتدُّ ، فاعلمْ أنه سوف يَنْقطُعِ .
مع الدمعةِ بسمةٌ ، ومع الخوفِ أمْنٌ ، ومع الفَزَعِ سكينةٌ .
النارُ لا تحرقُ إبراهيم الخليلِ ، لأنَّ الرعايةَ الربانيَّة فَتَحتْ نَافِذَةَ
﴿ بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ .
البحرُ لا يُغْرِقُ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ ، لأنَّ الصَّوْتَ القويَّ الصادق
نَطَقَ بـ
﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
المعصومُ في الغارِ بشَّرَ صاحِبهُ بأنه وحْدَهْ جلَّ في عُلاهُ معنا ؛
فنزل الأمْنُ والفتُح والسكينة .
إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ، وأرِقّاءَ ظروفِهِمُ القاتمةِ
لا يرَوْنَ إلاَّ النَّكَدَ والضِّيقَ والتَّعاسةَ ،
لأنهم لا ينظرون إلاَّ إلى جدار الغرفةِ وباب الدَّارِ فَحَسْبُ.
ألا فلْيَمُدُّوا أبصارَهُمْ وراء الحُجُبِ وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِهِمْ
إلى ما وراء الأسوارِ.
إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ ،
وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ،
الأيامُ دُولٌ ، والدهرُ قُلّبٌ ، والليالي حُبَالى ، والغيبُ مستورٌ ،
والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ ،
ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً ،
إن مع العُسْرِ يُسْراً .

من كتاب (لا تحزن) للشيخ عائض القرني غفر الله له