المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وداعاً يا شهر محرم


حور العين
10-12-2019, 12:57 PM
الأخ الدكتور / عبدالله بن مراد العطرجي

عضو جمعية الكُتَّاب ببيت عطاء الخير


وداعاً يا شهر محرم



قد تكون هذه الرسالة غريبة نوعا ما، فشهر محرم هو أول شهور السنة

القمرية، وهو أحد الشهور الحرم الأربعة التي لا يستحل فيها القتال

للمسلمين، وقد عظمها الله تعالى وذكرها في كتابه فقال سبحانه وتعالى:



{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ

يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ

ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }

(التوبة - 36).



كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم الله تعالى لهذه الأشهر الحرم

لما رواه أَبو بكر رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:



(إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ

اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ

وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)

متفق عليه.



وقد جعل الله تعالى لكل شهر منها مزية من المزايا،

وفضل بعضها على بعض.



وشهر محرم كان يسمى في الجاهلية شهر المؤتمر، وقيل صفر الأول، فلما

جاء الإسلام سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم شهرَ الله المحرم، وشهر محرم

ليس بينه وبين هجرة رسول الله صلى اله عليه وسلم التي قام بها إلى يثرب

علاقة أو ارتباط.



وقد شرف الله تعالى هذا الشهر من بين سائر الشهور فسمي بشهر الله

المحرم فأضافه إلى نفسه تشريفاً له، وليس لأحد من الخلق تحليله.



وقد رجح طائفة من العلماء أن محرم أفضل الأشهر الحرم، ويدل على

هذا ما أخرجه النسائي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال:



(سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال:

خير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم).



وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رواية مسلم:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



(أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ

الْمُحَرَّمُ وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).



وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميز هذا الشهر الحرام بكثرة

الصيام فيه، كما خص صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء بالصوم والفضيلة

دون غيره من الأيام، فلما دخل صلى الله عليه وسلم للمدينة مهاجراً رأى

اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن سبب صيامهم وتعظيمهم لهذا

اليوم؟ فقالوا إنه يوم أنجى الله تعالى فيه موسى وقومه وأهلك فرعون

وقومه فنحن نصومه شكراً لله، فقال عليه الصلاة والسلام



( نحن أحق بموسى منكم )



ثم أمر صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء، وكان عليه الصلاة

والسلام حريصاً على مخالفة اليهود، فقال



( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر).



فهنيئاً لمن عظم هذا الشهر الكريم بالتقرب إلى الله بفعل الصالحات،

ولعل من أعظمها التطوع بالصيام، فقد جاء في الحديث القدسي:



(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)

[رواه الإمام البخاري في صحيحه].



هنيئاً لمن صام يوم عاشوراء.



هنيئاً لمن صام يوم عاشوراء ويوماً قبله.



هنيئاً لمن صام يوم عاشوراء ويوماً بعده.



هنيئاً لمن صام إيام الاثنين والخميس من شهر الله محرم الحرام.



هنيئاً لمن صام الأيام البيض من شهر الله محرم الحرام.



هنيئاً لمن صام صيام داوود عليه السلام في شهر الله محرم الحرام.



هنيئاً لمن أكثر الصيام في شهر الله محرم الحرام.



هنيئاً لمن صام كامل شهر الله محرم الحرام.



ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.



إلهنا وخالقنا إن كنا سنبقى لمحرم القادم فثبتا على الطاعة وحسن العبادة.

وإن كان الموت حائلاً بيننا وبين بلوغه في العام القادم فاجعل اللهم ثوب نيتنا

يصلنا ونحن في القبور بفضلك وجودك يا عزيز يا غفور.



وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا سيدنا محمد وعلى آله

وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.