المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4869


حور العين
06-28-2020, 02:17 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
معنى اسم الله التواب (06)

التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ:
لاَ يَصِحُّ أَنْ يَنْفَكَّ مِنْهَا فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ
هُمْ أَحْسَنُهُم قِيَامًا بِهَا وَبِحَقِّهَا، فَإِذَا تَخَلَّى عَنْهَا العَبْدُ صَارَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ.

قَالَ ابْنُ القيَّمِ رحمه الله: وَمَنْزِلُ (التَّوْبَةِ) أَوَّلُ المَنَازِل، وَأَوْسَطُهَا، وَآخِرُهَا،
فَلَا يُفَارِقُهُ العَبْدُ السَّالِكُ، وَلَا يَزَالُ فِيهِ إِلَى المَمَاتِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ بِهِ، وَاسْتَصْحَبَهُ
مَعَهُ وَنَزَلَ بِهِ، فَالتَّوْبَةُ هِي بِدَايَةُ العَبْدِ وَنِهَايَتُهُ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهَا فِي النَّهَايَةِ
ضَرُورِيَّةٌ، كَمَا أَنَّ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا فِي البِدَايَةِ كَذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى:

{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]،

وَهَذِهِ الآيَةُ فِي سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ، خَاطَبَ الله بِهَا أَهْلَ الإِيمَانِ وَخِيَارَ خَلْقِهِ أَنْ
يَتُوبُوا إِلَيْهِ، بَعْدَ إِيمَانِهم وَصَبْرِهِم، وَهِجْرَتِهِم وَجِهَادِهِم، ثُمَّ عَلَّقَ الفَلَاحَ
بِالتَّوْبَةِ تَعْلِيقَ المُسَبِّبِ بِسَبَبِهِ، وَأَتَى بِأَدَاةِ "لَعَلَّ" المُشِعرةَ بِالتَّرَجِّي إِيذَانًا
بِأَنَّكُم إِذَا تُبْتُمْ كُنْتُمْ عَلَى رَجَاءِ الفَلَاحِ، فَلاَ يَرْجُو الفَلَاحَ إِلَّا التَّائِبُونَ،
جَعَلَنَا الله مِنْهُم.

قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات: 11]؛ قَسَّمَ
العِبَادَ إِلَى تَائِبٍ وَظَالِمٍ وَمَا ثَمَّ قِسْمٌ ثَالِثٌ أَلْبَتَّةَ، وَأَوْقَعَ اسْمَ "الظالِمِ" عَلَى
مَنْ لَمْ يَتُبْ، وَلاَ أَظْلَمَ مِنْهُ، لِجَهْلِهِ بِرَبَّهِ وَبِحَقِّهِ، وَبِعَيْبِ نَفْسِهِ وَآفَاتِ أَعْمَالِهِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ،, تُوبُوا إِلَى
الله، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً"، وَكَانَ أَصْحَابُهُ
يَعُدُّونَ لَهُ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: "رَبّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَليَّ إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الغَفُورُ" مِائَةَ مَرَّةٍ، وَمَا صَلَّى صَلَاةً قَطُّ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [النصر: 1] إِلَى آخِرِهَا، إِلَّا قَالَ فِيهَا:

"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُم اغْفِرْ لِي"، وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه
وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُم عَمَلُهُ"، قَالَوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: "وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغمَّدَنِيَ الله بِرحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ".

فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَى أَعْلَمِ الخَلْقِ بِاللهِ وَحُقُوقِهِ، وَعَظَمَتِهِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ
جَلاَلُهُ مِنَ العُبُودِيَّةِ، وَأَعْرَفُهُم بِالعُبُودِيَّةِ وَحُقُوقِهَا وَأَقْوَمُهُم بِهَا.

فَالتَّوْبَةُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَحَدٌ حَتَّى الأَنْبِيَاءُ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهم):
لأَنَّهَا لَيْسَتْ نَقْصًا، بَلْ هِي مِنَ الكَمَالِ الذِي يُحِبُّهُ الله وَيَرْضَاهُ وَيَأمُرُ بِهِ.
وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمَيةَ رحمه الله عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:

{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ } [التوبة: 117]،

وَالتَّوْبَةُ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ شَيءٍ يَصْدُرُ مِنَ العَبْدِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
مَعْصُومٌ مِنَ الكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ؟

فَأَجَابَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ:
"الحَمْدُ لله، الأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِم مَعْصُومُونَ مِنَ الإِقْرَارِ عَلَى
الذُّنُوبِ، كِبَارِهَا وَصِغَارِهَا، وَهُمْ بِمَا أَخْبَرَ الله بِهِ عَنْهُم مِنَ التَّوْبَةِ يَرْفَعُ
دَرَجَاتِهِم، وَيُعْظِم حَسَنَاتِهِم، فَإِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ نَقْصًا، بَلْ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الكَمَالاتِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الخَلْقِ كَمَا
قَالَ تَعَالَى:

{ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }
[الأحزاب: 72، 73]،

فَغَايَةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ هِي التَّوْبَةُ، ثُمَّ التَّوْبَةُ تَتَنَوعُ كَمَا يُقَالُ: حَسَنَاتُ الأَبْرَار
ِ سَيِّئَاتُ المُقَرَّبِينَ.

وَاللهُ تَعَالَى قَدْ أخَبَر عِنْ عَامَّةِ الأَنْبِياءِ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ: عَنْ آدَمَ، وَنَوحٍ،
وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى وَغَيْرِهِم، فَقَالَ آدَمُ:

{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
[الأعراف: 23]،

وَقَالَ نوحٌ: { رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي
وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [هود: 47]،

وَقَالَ الخَلِيلُ: { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }
[إبراهيم: 41]،

وَقَالَ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ: { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 128]

وَقَالَ مُوسَى: { أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ *
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } [الأعراف: 155، 156]،

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }
[الأعراف: 143].

وَقَدْ ذَكَرَ الله سُبْحَانَهُ تَوْبَةَ داود وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَاللهُ تَعَالَى:
{ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222]،

وَفِي أَوَاخِرِ مَا أَنْزَلَ الله عَلَى نَبيِّهِ: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر: 1 - 3].

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي افْتِتَاحِ
الصَّلاَةِ: "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب،
اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالبَرَدِ وَالمَاءِ البَارِدِ".

وَفِي الصَّحِيحِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي
جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ".

وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
"اللَّهُمَّ اغْفِرِ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، عَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ".

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
خَطِيئَتِي وجَهلِي وَإِسْرافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
هَزْلِي وَجَدِّي، وَخَطئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمَتُ
وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرَتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي أَنْتَ
المُقَدّمُ، وَأَنْتَ المُؤخِّرُ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ"، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [محمد: 19]،
فَتَوْبَةُ المُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُم هُوَ مِنْ أَعْظَمِ حَسَنَاتِهِم، وَأَكْبَرِ طَاعَتِهم، وَأَجَلِّ
عِبَادَاتِهِم الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا أَجَلَّ الثَّوَابِ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا عَنْهُم مَا يَدْفَعُهُ مِنَ العِقَابِ.

فَإِذَا قَالَ القَائِلُ: أَيُّ حَاجَةٍ بِالأَنْبِيَاءِ إِلَى العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ؟ كَانَ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُم
إِنَّمَا نَالُوا مَا نَالُوهُ بِعِبَادَتِهم وَطَاعَتِهم، فَكَيْفَ يُقالُ: إِنَّهُم لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا؟!
فَهِيَ أَفْضَلُ عِبَادتِهِم وَطَاعَتِهم.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين