المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم4895


حور العين
07-24-2020, 03:29 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
درس اليوم

شرح اسم الباطن (08)

3- اسْتِشْعَارُ قُرْبِ اللهِ مِنْك:
وأَمَّا (القُرْبُ) المَذْكُورُ في القُرْآنِ والسُّنَّةِ فَقُرْبٌ خَاصٌّ مِنْ عَابِدِيهِ وسَائِلِيهِ
ودَاعِيهِ، وَهُوَ مِنْ ثَمَرَةِ التَّعَبُّدِ باسْمِهِ (البَاطِنِ)، قَالَ تَعَالَى:

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } [البقرة: 186]،
فَهَذَا قُرْبُهُ مِنْ دَاعِيهِ، وقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }
[الأعراف: 56]، فَذَكَرَ الخَبَرَ وَهُوَ (قَرِيبٌ) عَنْ لَفْظِ "الرَّحْمَةِ"
وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ إيذَانًا بِقُرْبِهِ تَعَالَى مِنَ المُحْسِنِينَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ اللهَ بِرَحْمَتِهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ.

وفي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، و
"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ في جَوْفِ اللَّيْلِ"،
فَهَذَا قُرْبٌ خَاصٌّ غَيْرُ قُرْبِ الإحَاطَةِ وقُرْبِ البُطُونِ.

وفي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أبي مُوسَى؛ أَنَّهم كَانُوا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
في سَفَرٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهم بالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ:
"أيُّها النَّاسُ ارْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم فَإنَّكم لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولَا غَائِبًا، إنَّ الذِي
تَدْعُونَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، أَقْرَبُ إلى أَحَدِكم مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ"، فَهَذَا قُرْبُهُ
مِنْ دَاعِيهِ وذَاكِرِهِ، يَعْنِي فَأَيُ حَاجَةٍ بِكُم إلى رَفْعِ الأَصْوَاتِ وَهُوَ لِقُرْبِهِ
يَسْمَعُها وإنْ خُفِضَتْ، كَمَا يَسْمَعُها إذا رُفِعَتْ، فإنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ.

وهَذَا القُرْبُ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ المَحَبَّةِ، فَكُلَّمَا كَانَ الحُبُّ أَعْظَمَ كَانَ القُربُ أَكْثَرَ،
وقَدِ اسْتَوْلَتْ مَحَبَّةُ المَحْبُوبِ عَلَى قَلْبِ مُحِبِّهِ بِحَيْثُ يَفْنَى بِها عَنْ غَيْرِها،
ويَغْلِبُ مَحْبُوبُهُ عَلَى قَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ ويُشَاهِدُهُ، فإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ
صَحِيحَةٌ باللهِ ومَا يَجِبُ لَهُ ومَا يَسْتَحِيلُ عَلَيهِ، وإلَّا طَرَقَ بَابَ الحُلُولِ إنْ لَمْ
يَلِجْهُ، وسَبَبُهُ ضَعْفُ تَمْيِيزِهِ، وقُوَّةُ سُلْطَانِ المَحَبَّةِ، واسْتِيلَاءُ المَحْبُوبِ عَلَى
قَلْبِهِ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنْ مُلَاحَظَةِ مَا سِوَاهُ، وفي مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ يَقُولُ:
سُبْحَانِي! أَوْ: مَا في الجُبَّةِ إلَّا اللهُ!! ونَحْوَ هَذَا مِنَ الشَّطَحَاتِ التي نِهَايَتُها
أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَيُعْذَرَ لِسُكْرِهِ وعَدَمِ تَمْيِيزِهِ في تِلْكَ الأَحْوَالِ.

فالتَّعَبُّدُ بِهَذَا الاسْمِ هُوَ التَّعَبُّدُ بِخَالِصِ المَحَبَّةِ وصَفْوِ الوِدَادِ، وأَنْ يَكُونَ الإلَهُ
أَقْرَبَ إليهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وأَقْرَبَ إليهِ مِنْ نَفْسِهِ، مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا لَيْسَ فَوْقَهُ
شَيْءٌ، ومَنْ كَثُفَ ذِهْنُهُ وغَلُظَ طَبْعُهُ عَنْ فَهْمِ هَذَا، فَلْيَضْرِبْ عَنْهُ صَفْحًا
إلى مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ، فَقَدْ قِيلَ:
إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ♦♦♦ وَجَـاوِزْهُ إلى مَا تَسْتَطِيعُ

فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَوْقٌ مِنْ قُرْبِ المَحَبَّةِ، ومَعْرِفَة بْقُرْبِ المَحْبُوبِ مِنْ مُحِبِّهِ غَايَة
القُرْبِ وإنْ كَانَ بَيْنَهما غَايَةُ المَسَافَةِ - ولَا سِيَّمَا إذَا كَانَتِ المَحَبَّةُ مِنَ
الطَّرَفَينِ، وهِيَ مَحَبَّةٌ بَرِيئَةٌ مِنَ العِلَلِ والشَّوائِبِ والأَعْرَاضِ القَادِحَةِ فِيها –
فإنَّ المُحِبَّ كَثِيرًا مَا يَسْتَوْلِي مَحْبُوبُهُ عَلَى قَلْبِهِ وذِكْرِهِ، ويَفْنَى عَنْ غَيْرِهِ
ويَرِّقُ قَلْبُهُ وتَتَجَرَّدُ نَفْسُهُ، فَيُشَاهِدُ مَحْبُوبَهُ كَالْحَاضِرِ مَعَهُ القَرِيبِ إليهِ وبَيْنَهما
مِنَ البُعْدِ مَا بَيْنَهما، وفي هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ في قَلْبِهِ وُجُودُهُ العِلْمِي، وفي لِسَانِهِ
وُجُودُهُ اللَّفْظِيُّ، فَيَسْتَوْلِي هَذَا الشُّهُودُ عَلَيهِ ويَغِيبُ بِهِ، فَيَظُنُّ أَنَّ في عَيْنِهِ
وُجُودَهُ الخَارِجِيَّ لِغَلَبَةِ حُكْمِ القَلْبِ والرُّوحِ، كَمَا قِيلَ:
خَيَالُكَ في عَيْنَي وذِكْرُكَ في فَمِي ♦♦♦ ومَثْوَاكَ في قَلْبِي فَأَيْنَ تَغِيبُ

هَذَا ويَكُونُ ذَلِكَ المَحْبُوبُ بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ عَدُوِّهِ ومَا بَيْنَهُمَا مِنَ البُعْدِ وإنْ
قَرُبَتِ الأَبْدَانُ وتَلَاصَقَتِ الدِّيَارُ، والمَقْصُودُ أَنَّ المِثَالَ العِلْمِيَّ غَيْرُ الحَقِيقَةِ
الخَارِجِيَّةِ وإنْ كَانَ مُطَابِقًا لَهَا، لَكِنَّ المِثَالَ العِلْمِي مَحِلُّهُ القَلْبُ، والحَقِيقَةُ
الخَارِجِيَّةُ مَحِلُّها الخَارِجُ، فَمَعْرِفَةُ الأَسْمَاءِ الأرْبَعَةِ وَهِيَ: الأَوَّلُ والآخِرُ،
والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهِيَ أَرْكَانُ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ، فَحَقِيقٌ بالْعَبْدِ أَنْ يَبْلُغَ
في مَعْرِفَتِها إلى حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ قُوَاهُ وفَهْمُهُ.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين