المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4912


حور العين
08-16-2020, 02:25 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
شرح اسم الباطن (12)

7- الطَّرِيقُ إلى مَعْرِفَةِ اللهِ:
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ الأَسْمَاءُ الأَرْبَعَةُ جِمَاعَ المعْرِفَةِ باللهِ، وجِمَاعَ العُبُودِيَّةِ
لَهُ، فَهُنَا وَقَفَتْ شَهَادَةُ العَبْدِ مَعَ فَضْلِ خَالِقِهِ ومِنَّتِهِ، فَلَا يَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئًا إلَّا بِهِ
وبِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَغَابَ بِفَضْلِ مَوْلَاهُ الحَقِّ عَنْ جَمِيعِ مَا مِنْهُ هُوَ مِمَّا كَانَ
يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، أَوْ يَتَحَلَّى بِهِ، أَوْ يَتَخِذُهُ عُقْدَةً، أَوْ يَرَاهُ لِيَوْمِ فَاقَتِهِ، أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَيهِ
في مُهِّمٍ مِنْ مُهِمَّاتِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ قُصُورِ نَظَرِهِ وانْعِكَاسِهِ عَنِ الحَقَائِقِ
والأُصُولِ إلى الأَسْبَابِ والفُرُوعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الطَّبِيعَةِ والهَوَى،
ومُوجِبُ الظُّلْمِ والجَهْلِ، والإنْسَانُ ظَلُومٌ جَهُولٌ.

فَمَنْ جَلَى اللهُ سُبْحَانَهُ صَدَأَ بَصِيرَتِهِ، وكَمَّلَ فِطْرَتَهُ، وأَوْقَفَهُ عَلَى مَبَادِئِ الأُمُورِ
وغَايَاتِها ومَنَاطِها ومَصَادِرِها ومَوَارِدِها، أَصْبَحَ كَالمُفْلِسِ حَقًّا مِنْ عُلُومِهِ
وأَعْمَالِهِ وأَحْوَالِهِ وأَذْواقِهِ، يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ عِلْمِي ومِنْ عَمَلِي؛ أَيْ:
مِنَ انْتِسَابِي إلَيْهِمَا وغَيْبَتِي بِهِمَا عَنْ فَضْلِ مَنْ ذَكَرَنِي بِهِمَا، وابْتَدَأَنِي
بإعْطَائِهما مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ مِني يُوجِبُ ذَلِكَ، فَهُوَ لَا يَشْهَدُ غَيْرَ فَضْلِ
مَوْلَاهُ، وسَبْقَ مِنَّتِهِ ودَوَامِهِ، فَيُثِيبُهُ مَوْلَاهُ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ العَالِيَةِ بِحَقِيقَةِ
الفَقْرِ الأَوْسَطِ بَيْنَ الفَقْرَينِ الأَدْنَى والأَعْلَى ثَوَابَينِ:
أَحَدُهما: الخَلَاصُ مِنْ رُؤْيَةِ الأَعْمَالِ حَيْثُ كَانَ يَرَاهَا ويَتَمَدَّحُ بِهَا
ويَسْتَكْثِرُها، فَيَسْتَغْرِقُ بِمُطَالَعَةِ الفَضْلِ غَائِبًا عَنْها، فَانِيًا عَنْ رُؤْيَتِها.

الثَّوَابُ الثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ شُهُودِ الأَحْوَالِ - أَيْ: عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ فِيها
مُتَكَثِّرَةً بِهَا - فَإنَّ الحَالَ مَحِلُّهُ الصَّدْرُ، والصَّدْرُ بَيْتُ القَلْبِ والنَّفْسِ، فَإِذَا نَزَلَ
العَطَاءُ في الصَّدْرِ للقَلْبِ، ثَبَتَتِ النَّفْسُ لِتَأْخُذَ نَصِيبَها مِنَ العَطَاءِ، فَتَتَمَدَّحَ بِهِ،
وتَدُلَّ بِهِ، وتَزْهُوَ وتَسْتَطِيلَ، وتُقَرِّرَ إنْيَتَها؛ لأَنَّها جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ،
وهَذَا مُقْتَضَى الجَهْلِ والظُّلْمِ.

فَإِذا وَصَلَ إلى القَلْبِ نُورُ صِفَةِ المِنَّةِ، وشَهِدَ مَعْنَى اسْمِهِ (المَنَّانِ) وتَجَلَّى
سُبْحَانَهُ عَلَى قَلْبِ عَبْدِهِ بِهَذَا الاسْمِ مَعَ اسْمِهِ (الأَوَّلِ) ذَهَلَ القَلْبُ والنَّفْسُ بِهِ،
وصَارَ العَبْدُ فَقِيرًا إلى مَوْلَاهُ بِمُطَالَعِةِ سَبْقِ فَضْلِهِ الأَوَّلِ، فَصَارَ مَقْطُوعًا عَنْ
شُهُودِ أَمْرٍ أَوْ حَالٍ يَنْسِبُهُ إلى نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بِشَهَادَتِهِ لِحَالِهِ مَفْصُومًا
مَقْطُوعًا عَنْ رُؤْيَةِ عِزَّةِ مَوْلَاهُ وفَاطِرِهِ، ومُلَاحَظَةِ صِفَاتِهِ، فَصَاحِبُ شُهُودِ
الأَحْوالِ مُنْقَطِعٌ عَنْ رُؤْيَةِ مِنَّةِ خَالِقِهِ وفَضْلِهِ، ومُشَاهَدَةِ سَبْقِ الأَوَّلِيِّةِ للأَسْبَابِ
كُلِّها، وغَائِبٌ بمُشَاهَدَةِ عِزَّةِ نَفْسِهِ عَنْ عِزَّةِ مَوْلَاهُ، فَيَنْعَكِسُ هَذَا الأَمْرُ في حَقِّ
هَذَا العَبْدِ الفَقِيرِ، وتَشْغَلُهُ رُؤْيَةُ عِزَّةِ مَوْلَاهُ ومِنَّتِهِ، ومُشَاهَدَةِ سَبْقِهِ بالأَوَّلِيِّةِ
عَنْ حَالٍ يَعْتَزُّ بِها العَبْدُ أَوْ يَشْرُفُ بِهَا.

وكَذَلِكَ الرُّجُوعُ إلى السَّبْقِ بِمُطَالَعَةِ الفَضْلِ يُمَحِّصُ مِنْ أَدْنَاسِ مُطَالَعَاتِ
المَقَامَاتِ، فالمَقَامُ مَا كَانَ راسِخًا فِيهِ، والحَالُ مَا كَانَ عَارِضًا لَا يَدُومُ،
فَمُطَالَعَاتُ المَقَامَةِ، وتَشَوُّفُه بِهَا، وكَوْنُهُ يَرَى نَفْسَهُ صَاحِبَ مَقَامٍ قَدْ حَقَقَّهُ
وكَمَّلَهُ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُنْسَبَ إليهِ ويُوصَفَ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: زَاهِدٌ صَابِرٌ خَائِفٌ
رَاجٍ مُحِبٌّ رَاضٍ، فَكَوْنُهُ يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَحِقًّا بأَنْ تُضَافَ المَقَامَاتُ إليهِ، وبِأَنْ
يُوصَفَ بِهَا - عَلَى وَجْهِ الاسْتِحْقَاقِ لَهَا - خُرُوجٌ عَنِ الفَقْرِ إلى الغِنَى، وتَعَبُّدٌ
لطَوْرِ العُبُودِيَّةِ، وجَهْلٌ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، فَالرُّجُوعُ إلى السَّبْقِ بِمُطَالَعَةِ الفَضْلِ
يَسْتَغْرِقُ هِمَّةَ العَبْدِ ويُمَحِّصُهُ ويُطَهِّرُهُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَدْنَاسِ، فَيَصِيرُ
مَصَفًّى بِنُورِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَنْ رَذَائِلِ هَذِهِ الأَرْجَاسِ.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين