المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4960


حور العين
10-04-2020, 03:32 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

المبادِئُ المثالِيَّةُ في الإِسلامِ

عبقريةُ الإسلامِ هي ذلك الإشراقُ الإلهيُّ الذي انبثَق من غارِ حراءٍ، فكشف
للرَّسولِ - صلوات اللهِ وسلامُه عليه - عن أطوارِ النَّفسِ البشريَّةِ في طوايا
الغيبِ، فدعا دعوتَه الخالدةَ إلى تكريمِ الإنسانِ، وتنظيمِ العُمرانِ، وتعميمِ
الخير، وتحقيقِ السعادةِ من طريقِ التَّوحيدِ والمؤاخاةِ والمساواةِ
والحُرِيَّةِ والسَّلامِ.

فالتَّوحِيدُ سبيلُ القوَّةِ، والمؤاخاةُ سبيلُ التَّعاونِ، والمساواةُ سبيلُ العدلِ،
والحُريَّةُ سبيلُ الكرامةِ، والسلامُ سبيلُ الرَّخاءِ، وتلك هي الغاياتُ التي ترجو
الإنسانيَّةُ بلوغَها عن طريقِ العلمِ والمدنِيَّةِ، فلا تَنكِشفُ أمانِيُّها بعد طولِ
السُّرَي، وفرطِ اللُّغوبِ إلَّا عن سَحابٍ خُلَّبٍ، وسَرابٍ خادعٍ.

هذه المبادئُ الإنسانِيَّةُ التي تضمَّنتْها دعوةُ الإسلامِ، معلومةٌ من القرآنِ
بالنصوصِ الصريحة، فلا موضع فيها لتأويلٍ أو تحميلٍ أو تعسُّفٍ.

فالتَّوحيدُ ركنٌ من أركانِ الدين وعنوانٌ من عناوِينه، وهو من الكلمِ الجوامعِ
التي وعَتْ جوهرَ الإصلاحِ وسرَّ النَّجاحِ لكلِّ مجتمعٍ وأمَّةٍ، وهو توحيدُ الله،
وتوحيدُ العقيدةِ، وتوحيدُ الغايةِ، وتوحيدُ اللغةِ، وتوحيدُ الحُكمِ، وتوحيدُ
التَّشريعِ، وتوحيدُ الدِّينِ والدُّنيا، وشواهدُ التَّوحيدِ مذكورةٌ في كتابِ الله،
لا يختلفُ في مدلولِها أحدٌ.

وفكرةُ الوحدةِ الإنسانيَّةِ هي مزيةُ الدعوةِ المحمديَّةِ على كل دعوةٍ، وفي
سبيلِها صدَّق الإسلام بكلِّ دينٍ أُنزل، و بكل نبيٍّ أُرسل، ودعا الذين فرَّقوا
دينَهم وكانوا شيعًا إلى خطةٍ واحدةِ وكلمةٍ سواءٍ، ثم وصل الدِّينَ بالدنيا،
وكانت اليهوديَّةُ والنصرانيَّةُ تفصلان بينهما، فالأولَى كان همُّها الصَّفقَ
والاجتراحَ، والأخرَى كان سبيلُها الرَّهبانيَّة والتَّنسُّكَ، ولكنَّ الإسلامَ جعل
الدين للدنيا كالروحِ للجسدِ، فلا تعمل إلا بوحيِهِ، ولا تسيرُ إلا بهديِهِ، ثم آخي
بين المؤمنين، ليجتمعوا على المودَّةِ، ويتعاونوا على لأواءِ العيشِ،
فلا يبغي قويٌّ، ولا يبخلُ غنيٌّ، ولا يظلم متسلطٌ.

بدأ ذلك بالتَّأليفِ بين الأوسِ والخزرجِ، والمؤاخاةِ بين الأنصار والمهاجرين،
ثم توثَّقت عُرى الإخاءِ بين المجاهدين في سبيلِ الله حتَّى صار المؤمنُ
للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضًا، وأصبح هؤلاء القلالُ الضِّعافُ في بضعِ
سنينَ أئمَّةَ النَّاسِ، وورثةً لكسرَى وقيصر.

كذلك في سبيل الوحيدةِ الإنسانية والأخوَّةِ الإسلامية فرض الإسلام الزكاة،
وشرع الحج، وأمر بالإحسانِ والبر، ثم سوَّى بين الناسِ على اختلاف
ألسنتِهم وألوانِهم في الحقوق والواجبات بمحوِ العصبية الوطنية، وقتل
النَّعرةِ الجنسية وجعلِ التَّقدِيم والتَّكريم للتقوى، فقال الرسول الكريم
في خطبة الوداع:

«إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أبَاكُمْ واحدٌ، كلُّكم لآدمَ، وآدمُ مِنْ تُرابٍ،
إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم، لا فضلَ لعربيٍّ على عَجمِيٍّ إلَّا بالتَّقوَى».

المسلمون وحدهم هم الذين يفهمون الإنسان بمعناه الصحيح، لأنَّهم أتباع
محمَّدٍ، ومحمَّدٌ وحده هو الذي أعلن حقوق الإنسان بهذا المعنى لأنه أرسله
رحمة للعالمين كافة... أرسله رحمة للذين استضعفوا في الأرض لقلَّةِ المال
"المساكين"، أو لفَقدِ العشير كـ "الموالي"، أو لضعفِ النَّصير كـ
"الأرقاء"، أو لطبيعة الخِلقةِ كـ "النساء"، فكفل الرزق للفقير بـ "الزكاة"،
وضمن العزَّ للذليل بـ "العدل"، ويسَّر الحرية للرقيق بـ "العتق"،
وأعطى الحقَّ للمرأة بـ "المساواة".

والمستضعفون الذين رحمهم الله برسالته ممن لم كونوا من جنسٍ مُبيَّنٍ
ولا من وطنٍ مُعيَّنٍ، إنما كانوا أُمَّةً من أشتاتِ الخلقِ وأنحاء الأرض، اجتمع
فيها العربي والفارسي، والرومي والتركي، والهندي والصيني، والبربري
والحبشي - على شرعٍ واحدٍ هو الإسلام، وتحت تاجٍ واحدٍ هو الخلافة،
والإسلام الذي يقولُ شارعُه العظيم:

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }
[الإسراء: 70]

لم يخصَّ بالتكريم لونًا دون لونٍ ولا طبقة دون طبقةٍ، إنما ربأ ببني آدم
جميعًا أن يسجدوا لحجرٍ أو شجرٍ أو حيوان، وأن يخضعوا مكرهين
لجبروت كاهن أو سلطان.

وفي هذه الأصولُ الإسلامية - كما ترى - أفضلُ ما في الديمقراطيةِ، وأجمل
ما في المدنيةِ، فهي حرية أن تُصْلحَ ما فسدَ من أمورِ الناسِ،
وتقيمَ ما اعوَجَّ من نظامِ الدنيا.

ولقد كانت كذلك يومَ كان لحماتِها دولةٌ ولدعاتِها صوتٌ ولمعتنقِيها يقينٌ، فلمَّا
دالتْ الدَّولةُ، وخشَع الصوتُ، وأَرابَ اليقينُ، تمزَّق المسلمونَ قُطعانًا في
فدافدِ الأرض، فلا مرعَى يجود، ولا راعٍ يذود، ولا حظيرةٍ تؤوي، ثم كانوا
بتخلُّفِهم عن ركب الحياة حُجَّةً على الإسلامِ في رأي السُّفهاءِ من مرضَى
الهوَى أو الجهلِ، فصَمُّوا عن دعائه، وعَمُوا عن ضيائه، فليتَ شعري متى
يُتاح لدعوةِ محمَّدٍ من يجِّددُ حبلها وينشرُ فضلَها، ويقول لأولئك الذين
يحاولون أن يرفعوا قواعدَ العالمِ على أساسٍ جديدٍ:

{ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ *
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[المائدة: 15، 16].


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين