المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة المؤرخين (51)


حور العين
06-11-2021, 03:16 PM
من الأخت / الملكة نور
موسوعة المؤرخين (51)


ابن خلدون .. مفخرة الإسلام (الجزء الأول)
ميلاد ابن خلدون ونشأته
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي،
وُلِدَ بتونس سنة (732هـ = 1332م)، ويعود أصله إلى عائلة يمنية هاجرت
إلى إشبيلية ولعبت دورًا كبيرًا في التاريخ العربي لهذه المدينة، وشاع ذكرها
على امتداد القرن الثامن إلى أن أصبحت في القرن العاشر من أعرق العائلات
بإشبيلية. ولما تمكَّن ملوك الصليبيين من السيطرة على هذه المدينة
نزح أجداده إلى سبتة ثم إلى تونس.

وفي كتاب (التعريف) لابن خلدون، يشير إلى أنه حفظ القرآن الكريم وألمّ
بالقراءات السبع وعني بالتفسير والحديث، وتعمّق في النحو والفقه، ولم
يقتصر في تلقي هذه العلوم على أبيه محمد، بل اتصل بكبار علماء تونس،
ولم يبلغ الثامنة عشرة حتى أصبح طويل الباع في الفقه وعلوم الدين، كما
درس علم الحديث وأحاط بأصول المنطق وآراء الفلاسفة وكتبهم .

وبعد قضائه سنوات في خدمة حكّام إفريقية، ركب ابن خلدون البحر مهاجرًا
إلى أرض أجداده (الأندلس) لينزل عند سلطان غرناطة آخر الممالك
الأندلسية، وبعد سلسلة من المكايد والفتن التي حِيكت ضدّه، آثر الرجوع
إلى إفريقية، واختار قلعة ابن سلامة بالجزائر ليقيم بها، ويباشر كتابة مؤلَّفه
الشهير المعروف بتاريخ ابن خلدون، الذي قَدّم فيه نظريات جديدة
في علمي الاجتماع والتاريخ .

حياة ابن خلدون
عاش العلاّمة الكبير ابن خلدون في عصر مضطرب؛ تميز بالهزائم
والانكسارات ليس على مستوى العالم فقط بل على مستوى الشخص أيضًا،
فقد نُكِبَ غير مرة بأحبائه وأسرته، ولم يشأ له القدر أن يسكن بلدًا واحدًا،
أو أن يمتهن عملاً محددًا؛ فقد تنقَّل من الأندلس حتى بلاد الشام، وشهد
بنفسه تسليم غرناطة ودمشق.

ورأى ابن خلدون بأمِّ عينه انهيار الحضارات، وسيطرة القوي وغطرسته
عند النصر، وقد التقى ابن خلدون ملكَ قشتالة (بدرو) أثناء محاولته بسطَ
نفوذه على ما تبقَّى من مدنٍ قليلة ومنعزلة للمسلمين في الأندلس، والتقى
أيضًا (تيمور لنك) وهو يحاصر مدن الشام وينهبها، ثُمَّ يحرقها، أي أنه رأى
الانهياراتِ في شرق العالم الإسلامي وغربه، كما رأى كيف تموت الدول
وكيف تنشأ.

أمّا على المستوى الشخصي فلم يهنأ بمنصب، ولم يستَطِبْ مقامًا لكثرة
الحسّاد والواشين، لكنه ورغم هذه الحياة القاسية والمضطربة استطاع
أن يكون مثقفَ عصره، وشاهدًا عليه، واستطاع أن ينتزع وقتًا للكتابة
والتأليف، وأن يقدم للأجيال من بعده عصارة ذهنه ورحيق روحه.

وظائف ابن خلدون العلمية
عمل ابن خلدون بالتدريس في بلاد المغرب، بجامعة القرويين في (فاس)،
ثم في الجامع الأزهر في القاهرة، والمدرسة الظاهرية.. وغيرها؛ وخلال
إقامته في مصر نحوًا من ربع قرن تولَّى ابن خلدون القضاء غير مرة .

مؤلَّفات ابن خلدون
يُعتَبَر ابن خلدون واحدًا من أعظم المفكِّرين المسلمين، وأبرز من كَتَبَ
في علم التاريخ، وعنون كتابه بـ "كتاب العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر
في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"،
وينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: الأول: المقدِّمة؛ وفيها تأمُّلات عميقة
حول الحضارة الإنسانية، والثاني: يهتمّ بتاريخ الأمم الممالك، والثالث: سيرة
ابن خلدون الذاتية. وقد تُرجِمَت مقدمتُه إلى مختلف لغات العالم عدَّة مرات.

كتاب (تاريخ ابن خلدون)
(تاريخ ابن خلدون) هو الكتاب الذي رفعت مقدمتُه ابنَ خلدون إلى مصافِّ
كبار فلاسفة العالم. وهي كما قال توينبي-مستعيرًا كلمة المقريزي :
"عملٌ لم يقم بمثله إنسان في أي زمان ومكان" . وفيها أرسى قواعد فقه
التاريخ وعلم العمران، وهو علمٌ أعثره عليه اللهُ كما يقول ،
وموضوعه:(البحث في أسباب انهيار الدول وازدهارها).

وأراد أن تجد به الملوك ما يغني عن (سِرّ الأسرار) الذي ألَّفه أرسطو
للإسكندر، وأنجزه أولاً في مدة خمسة أشهر، من عام (779هـ) أثناء إقامته
عند بني العريف في قلعة بني سلامة بوهران، ثم نقَّحه بعد ذلك، وهذَّبه،
وألحق به تاريخ العرب وأخبار البربر وزناتة، وأهداه إلى المستنصر
أبي العباس، الذي تولَّى إمارة تونس من سنة (772 حتى 796هـ).

وكانت هذه النسخة موجودة حتى عام (1858م)، فلمّا ترك تونس إلى مصر
عكف على تهذيب الكتاب والزيادة عليه، زهاء عشرين سنة، فأضاف إليه
الجزء الخاص بملوك العجم، وأقسامًا أخرى ألحقها بمواضعها، وأهدى هذه
النسخة للسلطان برقوق؛ فنَحَلَه لقب: (ولي الدين)، (وفرغ منها سنة 797)
وانتسخ منها نسخة وقفها على طلبة العلم في جامع القرويين بفاس .

ومن مؤلَّفاته الأخرى: شرح قصيدة البردة، تلخيص مجموعة من كتب
ابن رشد، تلخيص محصّل الإمام فخر الدين الرازي، كتاب في الحساب،
تعريف مفيد في المنطق، لباب المحصول في أصول الدين، شرح أرجوزة
ابن الخطيب، شفاء السائل لتهذيب المسائل.