المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة المؤرخين (103)


حور العين
08-09-2021, 05:39 PM
من الأخت / الملكة نور
موسوعة المؤرخين (103)


عمر فروخ وجهوده في خدمة التاريخ الإسلامي (06)


*** - مسوغات تجديد التاريخ:

*** وتتعدَّد المسوِّغات لتجديد التاريخ عند عمر فرُّوخ رحمه الله،

*إلَّا أنَّ من أهمِّها أنَّ الوقائع تتوالى بتوالي الأيَّام؛ فكلُّ يومٍ جديدٍ يأتي

بوقائع جديدة يجب أن تُدوَّن وتُضاف إلى سلسلة التاريخ التي لا تنتهي،

*ثم إنَّ عددًا من الوقائع تنكشف لها مع الأيَّام تفاصيل جديدة، وتختلف

الأحوال باختلاف الأزمان، فيحتاج المؤرِّخ إلى عرض الوقائع القديمة

عرضًا جديدًا، لفهم تلك الأحوال فهمًا أدقَّ وأصحَّ وأحسن.

*

*** ومنها أنَّه تحدث في العالم أحداث: من الحروب العامَّة، والثورات

المحلِّيَّة، والنهضات الاجتماعيَّة، والكشوف العلميَّة، فتبرز في الحياة

العامَّة عناصر جديدة من السياسة والاقتصاد والدين، ومن الحرِّيَّة أو

الاستبداد، ومن الانتصار أو الهزيمة، ومن الرقيِّ أو التقهقر .. وسوى

ذلك، فيرجع نفرٌ من المؤرِّخين إلى التاريخ؛ يُريدون أن يُفسِّروا به ما

حدث من التغيير في بيئتهم الاجتماعيَّة الخاصَّة أو في الحياة العالميَّة

العامَّة، لاعتقادهم أنَّ هذا الذي حدث لم يكن ابن ساعته، ولكنَّه نتيجة

أسبابٍ كثيرةٍ ونهاية تطوُّرٍ طويل؛ فيُعيدون تدوين عددٍ من فصول التاريخ

من جديد، ليُؤكِّدوا جانب العوامل الجديدة التي كانت قد برزت في بيئةٍ

من البيئات الاجتماعيَّة أو في الحياة العامَّة منذ زمنٍ قريب.

*

*** ويربط عمر فروخ رحمه الله تجديد التاريخ بالعـدالة (بالعلـم والأمانة

والخلق)؛ إذ ليس تجـديد التاريخ إلغاءً لِمَا سبق من الوقائع التي يُخالف

*بعض الناس فيها بعضًا من الرأي السـياسي، أو الديني، أو الاجتماعي

، أو الشخصي؛ فبعض الأمراء أو الثُّوَّار أو السياسيِّين المستبدِّين إذا هم

وصلوا إلى الحكم أشاروا بطمس آثار من سبقهم وإبراز آثارهم هم، وربَّما

رجع بعض هؤلاء إلى التاريخ المدوَّن فأمر بتبديله أو تشويهه، حتى يكون

اسمه هو بارزًا بين الأسمـاء، أو عاليًا فوق الأسماء، وربَّـما كان بعض

هؤلاء مخلصًا فاعتقد أنَّ الحياة الماضية كانت خاطـئة، فعلى المجموع أن

يبدأ حياةً جديدةً بتاريخٍ جديد، وفي مثل هذه الحال الثانية يقع التنبيه على

ما حَسُن من الحياة الماضية "والحثُّ على الاحتفاظ به"، والتنبيه على ما

ساء منها، "والحثُّ على إهماله وتناسيه".

*

*** ثم إنَّ عمر فروخ رحمه الله أدرك أثر الكوارث التي نزلت بالمسلمين

منذ بدء حركة الاستعمار، فدعا إلى تجديد كتابة تاريخنا الحديث،

وعزا ذلك إلى سببين:

*

*** الأول: أنَّ المستعمر كتب لنا تاريخًا مصنوعًا، يُبرز فضل استعماره

بلادنا، فجاء كثيرٌ منَّا فاعتمدوا هذا التاريخ المصنوع، عفوًا وغفلةً

أو قصدًا واستنامة، فأصبح هذا التاريخ يُمثِّل جانبًا من ماضينا الضعيف

المخزي، ثـم لا يدلُّ على وعينا الحاضر ولا يُوافق أملنا في الوثوب

إلى مستقبلٍ أليق بنا.


*** والآخر: حاجتنا إلى أن نعرف تلك العوامل التي جعلت منَّا في الماضي

القريب شعوبًا تخضع للاستعمار والاستعباد، ثم تصبر عليه هذه

*المدَّة الطويلة.
* **