المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة المؤرخين (106)


حور العين
08-12-2021, 05:12 PM
من الأخت / الملكة نور

موسوعة المؤرخين (106)



عمر فروخ وجهوده في خدمة التاريخ الإسلامي (09)

*** - إنصاف عمر فروخ للحجاج بن يوسف:

*** يَعْجَبُ عمر فروخ رحمه الله ممَّا رسخ في أذهان الناس من أنَّ الحجَّاج

بن يوسف سفَّاكٌ للدماء، جبَّار، ظالم، هدم الكعبة؛ وأُطْلِقت عليه نعوت القسوة، والظـلم،**

*والجبروت، ما جعـل النفوس تتقزَّز من ذكره، وتشمئزُّ

ممَّا نُسِب إليه، مع أنَّ الإنصاف يقضي أن نكتب ما له وما عليه، وعلَّة هذا

أنَّ علماءنا لم يعنوا بنقل التاريخ عنايتهم بنقل السنة، ولم يُتعبوا أنفسهم

في تصحيح إسناده وتمحيص رواياته كما أتعبوا أنفسهم فيها، وأنَّ

التاريخ دُوِّن في عهد العباسيِّين، فكان فيه من التحامل على "بني أميَّة"

شيءٌ كثير، وقد امتدَّ ذلك إلى عصرنا هذا؛ إذ نجد العلماء يتشدَّدون

في قبول الحديث، ويُحاكمون متنه، ويرفضونه إذا خالف العقل والمنطق،

ويتساهلون في قبول الروايات الضعيفة والموضوعة، ولا أبالغ إذا قلت:

الخرافات التاريخيَّة.

*

*** إنَّك تسمع وتقرأ لمن يُحدِّثك عن الحضارة الإسلاميَّة وفضلها على

الحضارات الأخرى، ولا يستطيعون تقديم الإسلام السياسي؛ لأنَّهم يُقدِّمونه

*مشوَّهًا، ويُبرزون سلفنا الأوَّل أقزامًا ملتاثين، أو سباعًا تتهاوش على

أعراض الدنيا ومآربها الخسيسة، وبهذا المنطق "الصبياني" لا يبقى

في تاريخ المسلمين رجلٌ موضع ثقة.

*

*** أو ليس عجيبًا أنَّ القوم -من غير المسلمين- إن رأوا من عظمائهم

خيرًا أذاعوه، وإن رأوا شرًّا دفنوه؟ لقد أُلِّفت عشرات الكتب عن

"نابليون" تُنوِّه بأمجاده، وتتواصى بالسكوت عن استبداده وفساده

وغدره وشذوذه وخسَّته، أمَّا نحن فمبدعون في تضخيم الآفات إن وُجِدَت،

واخـتلاقها إن لم يكن لـها وجود، والنتيجة أنَّه لن يكون لنا تاريـخ، إنَّنا

نحن وحدنا الذين نعرض تاريخنا بالصورة الشوهاء الممزَّقة، ونُطيل

الوقوف عند مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، و(الجمل)، و(صفين)،

و(مهزلة التحكيم)، و(هرقليَّة معاوية)، و(كلاب يزيد وقروده)،

و(كربلاء)، و(الحرَّة)، و(ضرب الكعبة بالمنجنيق)، و(الحجَّاج)،

و(الظلام التركي)، و(الجهل المملوكي)، مع كلِّ ما في كلِّ ذلك من أكاذيب

وافتراءات، أمَّا قرن الاستعمار الذي ديست فيه ديار الإسلام بأحذية العدوِّ

الثقيلة، فهو بدء النهضة وعصر التنوير!!

*** يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "إنَّ الجهود المجنونة التي

تستبيح قادتنا وكبراءنا في ميدان العلم والأدب والفلسفة، لها غايةٌ يجب

فضحها والتحذير من مغبَّتها، إنَّها تُريد القضاء على تاريخ أمَّة، وعندما

تكون أمَّتنا بلا تاريخٍ فلن تكون أمَّـة .. ما قيمـة أمَّةٍ ليس لها رجـال؟

وما قيمة دينٍ لم يصنع رجالًا على تراخي العصور؟!".