المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5589


حور العين
08-16-2022, 06:57 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

ليلة الهِجرَةِ: مَشاعر وأحداث (02)



وفي الطرف الآخر من المَشهد كان بيت النبوّة هادئاً وادعاً مطمئنّاً،

تسيّره يَد القدر الغالبة المُتحدّية، التي لها الكلمة العليا في كلّ شأن.



وتصوّر المَشهد تلك الفتاة الذكيّة الواعية، الصدّيقة بنت الصدّيق

عَائِشَةُ فتقول:



«... فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ

لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا

فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبي وأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ

إِلَّا أَمْرٌ! قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَتْ عائشة: ف

َقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي

فِي الخُرُوجِ. فَقَالَ أَبُو بكر: الصُّحْبَةَ بأبي أَنْت وأُمِّي! قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

نَعَمْ. قَالَ أَبُو بكر: فَخذ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ..

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثّمن».



ولم يذكر لنا تاريخ السيرة النبوِيّة تفصيلاً أكثر عمّا دار في هذا اللقاء الخاصّ

جدّاً، الذي جرى في بيت الصدّيق، ولكنّ الأحداث التي جرت بعد تدلّ عليه،

بما يوحي من تنظيم وإحكام، أخذَ به النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه

في ترتيب هذه الهجرة مع توْجيه الوَحيِ، وتسديده وإرشاده.



قَالَتْ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها:

« فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجَهَازِ (أي: أسرعه، وتروى: أحبّ الجهاز)، فَصَنَعْنَا

لَهُمَا سُفْرَةً (أي: زاداً) فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بكر قِطْعَة

من نطاقها بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.. ».



قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ،

فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ

لَقِنٌ (أي: حاذق، ولقن أي: سريع الفَهم)، فَيَدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ

مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، لَا يسمع أمراً يكادان بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ

ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً

مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العَشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ،

وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ،

يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ.



وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عيله وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ،

وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا. وَالخِرِّيتُ: المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ. قَدْ

غَمَسَ حِلْفًا (أي: عقده. وَكَانُوا يغمسون أَيْديهم فِي جَفْنَة توكيدًا للحلف)

فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا

إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثِ لَيَالٍ.



وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.



وليلة الهجرة.. جاء جبريل عليه السلام فأخبر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بما

تآمر القوم، وأمره ألاّ ينام في مضجعه تلك الليلة، وأمر عليّاً أن يبيت

تلك الليلة على فراشه.



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلّي بن أبي طالب رضي اللَّهُ عنه:

« نم على فراشي، وتسَجّ ببردي هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه، فإنّه لن

يخلص إليك شيء تكرهه منهم »، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام

في برده ذلك إذا نام ». كما في سيرة ابن هشام 1/482



واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب (أي: شق الباب) ويرصدونه

يريدون بياته.. فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليهم. فأخذ حفنة

من البطحاء فذرّها على رؤوسهم، وهو يتلو:

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}

[يس:9]، وأنزل اللَّه تعالى:

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ

وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [الأنفال:30].



ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيت أبي بكر؛ فخرجا من خوخة

في بيت أبي بكر ليلاً، فجاء رجل فرأى القوم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا:

محمّداً. قال: خبتم وخسرتم، قد واللَّه مرّ بكم، وذرّ على رؤوسكم التراب.

قالوا: واللَّه ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.



فلمّا أصبحوا: قام علي رضي اللَّه عنه عن الفراش، فسألوه عن محمّد؟ فقال:

لا علم لي به، ومضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر

إلى غار ثور

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين