المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5590


حور العين
08-17-2022, 06:09 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

ليلة الهِجرَةِ: مَشاعر وأحداث (03)



واشتدّ بحث المُشركين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه في كلّ اتّجاه،

حتّى وصل المُطاردون إلى باب الغار، ولكنّ الله غالب على أمره،

وقد تحدّاهم سبحانه أن يبطل كيدهم..



روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

في الغار فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم

طأطأ بصره رآنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله

ثالثهما.. وفيه نزل قول الله تعالى:

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ

إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ

لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا

وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].



ولا بدّ أن تعُود بنا الذاكرة اليوم، وفي هذه الساعات الحاسمة إلى أوّل العهد

بالوحي الإلهيّ، يوم أن طمأن وَرَقَةُ بن نوفل النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ

ما جاءهُ هوَ الوحي من عند الله تعالى بلا شكّ ولا ارتياب، ولكنّه قَالَ لَهُ:

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا، إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتعجّباً: « أَو مخرجى هُمْ ؟! »، فَقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ

بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا كُذّب وعُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا..

وها هم اليوم يخرجونه.. وتلكَ سُنّة الله جلّ وعلا في الَّذِين خلوا من قبل..



وفي اللحظات الأخيرة من عهد النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأرض مكّة. يطلق

نظرة وداع حزينة، وهو يخلّف وراءه ربوعها، ومعهد نشأته فيها، وذكريات

رسَالته ودعوته، ويقول كلمات مفعمات بالحبّ والحنين:

« وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى اللَّهِ،

وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ.. ».



تلك الكلمات التي تصوّر عُمق جرح الإنسان، الذي يهجّر من وطنه، وشناعة

الجريمة التي ترتكب بحقّ إنسانيّته وكرامته. فكيف إذا كان الوطن مكّة،

حرم الله الآمن؟



هكذا هي الهجرة في حقيقتها، وهكذا هي دائماً، إذا كانت في سبيل الله:

إنّها تاج عزّ وفخار على رؤوس الذين يضحّون في سبيل عقيدتهم ومبادئهم

بكلّ شيء، ولا يؤثرون عليها وطناً أو أهلاً أو مالاً.. وهي وصمة خزي وعار

على رؤوس أولئك الطغاة الظالمِين، المُفسدين في الأرض، الذين يريدون

حرمان الإنسان من حرّيّته وكرامته، أهمّ حقوق إنسانيّته، ويريدون

استعباده وتسخيره لشهواتهم ومآربهم..



وتلك أوضح صورة، وأقدم صورة للصراع بين الحقّ والباطل، والظلم

والعدل، والخير والشرّ.. وإنّ للمُؤمنين في كلّ زمان ومكان لعبرة حاضرة

ماثلة من هجرة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وممّا جرى للمُؤمنين

عبر القرون من ذلك، ويكفيهم ذلك عزاءً عمّا يلاقون من كيد الكائدين، وظلم

الظالمِين، وما سجّله القرآن الكريم من الوعد الكريم للمُهاجرين الصادقين:

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً

عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ

لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} [التوبة:20ــ21].



وعَنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

« اللّهُمَّ أَمْضِ لأصحابي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ». رواه البخاريّ.



ولقد كان الخليفة المُلهم الراشد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، يدرك وزن

الهجرة، في الصراع بين الحقّ والباطل، وأبعادها العقديّة والدعويّة، فخلّد

ذكرها، إذ جعلها مبتدأ التاريخ الإسلاميّ، ولم يبتدئه بالمَولد النبويّ

ولا البعثة، وتلك عبقريّة من عبقريّاته رضي الله عنه.



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين