المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5659


حور العين
10-24-2022, 09:19 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم


كلام القلب

كلما قرأت هذه الآيات:
﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]
أسألُ ما أسرار فعل "يعلم" بين الفعل يشهد مرتين!

الله يعلم فهو المُرسل ولا يحتاج إلى شهادة أحد، لكن المنافقين حين تحدثوا
أرادوا صريح العلم والتأكيد عليه فقالوا: "نشهد". فالشهادة أعلى من العلم
فقط، بل قال بعض المفسرين أن "نشهد" تتضمن القسم
أي نقسم إنك لرسول الله.

لكن لماذا كل هذا التأكيد؟ لدفع التهمة عنهم،
لذا فضحهم الله وكذَّبهم وشهد بنفاقهم.

ومن هنا كان من اللازم التفريق بين دعوى الإنسان وسلوكه، فالكل يستطيع
ادعاء الأمر، لكن سلوكه يظهر حقيقة هذا الادعاء وكذبه، والعاقل هو الذي
لا يعتمد على اللفظ الظاهري للعبد وإنما يتمحص وينظر ويتأمل في سلوكه
ويقارنه مع دعواه فيدرك صدقه من كذبه.

لقد وقعنا ضحايا للعديد من المجيدين لفن العرض اللفظي وسحر الكلام
البياني ودغدغة مشاعرنا وأحلامنا ولم نلتفت أو نراجع سلوكيات ذلك
المدعي وحقيقة كلامه وربما شهادته، وأخطره حتى يكون التلبس بالدين
واستغلال عاطفة المقابل ليكون جسرًا لتحقيق أهداف ذلك المدعي (الكاذب).

لست بصدد مناقشة لماذا يكذب ويشهد وربما يحلف، فهذا بحرٌ بل محيطٌ
لا ساحل له، لكني بصدد إزاحة الستار عن عقولنا وقلوبنا لتنظر بعين
البصيرة والبصر فلا تنجرف لكلمات رقيقة وعباراتٍ منمقة وربما مظاهر
خادعة، بل تسمع وترى وتختبر قبل أن تقرر.

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المؤسسات والتجمعات بل وحتى الدول
وخاصة مع عجلة الإعلام الضخمة وآلياتها المفزعة وقدراته الهائلة، فليس
كل ما يُقال صحيح وإن تلون وتجمل، ومن جميل شعر أحمد شوقي
-رحمه الله- قصيدة الثعلب والديك ففي بدايتها:
بَرَزَ الثعْلَبُ يومًا
في شِعار الواعِظينا
فَمَشى في الأرضِ يَهْدي
ويَسُبُّ الماكرينا

وفي نهايتها:
مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـًا *** أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـنا

وما أحسن تعبير الامام القرطبي -رحمه الله - عند تفسيره لآيات سورة
المنافقين فقد قال: "إنَّ الكلام الحقيقي كلام القلب"، وأقول: كلام القلب
الذي ينبع من القلب فينطبع على السلوك قبل اللسان.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين