المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5821


حور العين
04-03-2023, 08:53 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
ماذا يعني بلوغك شهر رمضان ؟

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وبعد :
فها قد بلغت شهر رمضان ، وهاهي أيامه تتصرَّم ، فماذا يعني

بلوغك هذا الشهر ؟.

إن لذلك من المعاني والدلالات الشيء الكثير . إنها حياةٌ جديدة ،

بكل دلالات ومعاني الحياة الجديدة .

فرمضان فرصة لتزكية النفس والترفع بها عن أوضارها المكبِّلِة لها ،
لتنطلق إلى آفاقٍ رحبة في عالم السعادة والأُنس والطمأنينة ، إنه عالم

الصِّلات الكريمة والوَلاية الجليلة من ربِّ العالمين.

لقد كان شهر رمضان خطاً فاصلاً ومنطلقاً عظيماً للتحول في حياة كثير من

الناس ، بل في حياة الإنسانية جمعاء .

وإنما كان ذلك بما جعل في شهر رمضان من الخصائص والمزايا الكونية
والشرعية ، والتي جاء بيانها في القرآن والسنة ، فالله يجعل بحكمته
للأزمنة والأمكنة من المزايا والخصائص ما لا تدركه العقول ،
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) [القصص : 68] فاختص الله شهر رمضان

بمزايا وخيرات ليست فيما سواه من الشهور .

وجعل الله من مزايا رمضان تلك الخيرات الوفيرة والبركات الجليلة التي

شهدتها وتشهدها أيامه ولياليه .

فكما أن في رمضان كان تنَزُّل الفرقان :
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) [البقرة : 185] .

وكما أن في رمضان كان يوم الفرقان :

( إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ )

[الأنفال : 41].

فرمضان أيضاً فرصةٌ لأن يكون فرقاناً في حياة كل مسلم ومسلمة ، ذلك أن

حكمة فرض الصيام تحصيل التقوى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ

مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة : 183].

والتقوى سبيلٌ لنيل الفرقان ، قال الله تعالى :
( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً

وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )[الأنفال : 29].

لقد هيأ الله أسباباً كونيةً حافزةً على بدء حياة جديدة في رمضان ، ولذلك فإن
المخلوقات الأخرى تشعر بالتصريفات الكونية والتغيرات الملكوتية التي

تكون في رمضان ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ،

عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :

; إذا دخل رمضان فُتِّحت أبواب السماء ، و غُلِّقت أبواب جهنم ، و سُلْسِلَت
الشياطين ، ولمسلم : ; فُتِّحت أبواب الرحمة; وله أيضاً عن أبي هريرة

رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

; إذا جاء رمضان فُتِّحَت أبوابُ الجنة ، و أُغلقت أبواب النار ، و صُفِّدت
الشياطين ; . و للترمذي و ابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال :; إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين و مَرَدَةُ الجن ،
وغُلِّقَت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب ، و فُتِّحَت أبواب الجنة ، فلم يغلق
منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أَقْبِل، و يا باغي الشَّرِّ أَقْصِرْ ،

و لله عُتَقَاءُ من النار ، و ذلك كُلَّ ليلة;.

فهذه التصريفات الإلهية في بعض أرجاء الكون مثل فتح أبواب الجنة ،
وغلق أبواب النار ، وتصفيد الشياطين ، ومنعهم من التسلط على المؤمنين ،
إنَّ كُلَّ ذلك وما يتبعه من تَنَزُّل الملائكة في ليالي رمضان ، وخاصةً ليلة القدر
، بأعدادٍ لا يَنْزِلون بمثلها في غيرها ، إن ذلك ليدفع المؤمن لأن يكون مهيئاً
لنيل بركات ربه جل وعلا ، وألا ينقضي رمضان إلا وقد كتب

في الفائزين المفلحين .

قال بعض أهل العلم : فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد

فعل الصائمين ، وأنه من الله بمنزلةٍ عظيمة ، ومن فوائد ذلك : أنه إذا علم
المكلَّف بهذا التصريف بإخبار الصادق المصدوق زاد في نشاطه

وتلقى العبادات بأريحية وقبولٍ ومسابقة .

وقال بعضهم : في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف
، كأنه يقال له : قد كُفَّت الشياطين عنك ، فلا تتعلل بهم في ترك الطاعة

ولا فعل المعصية .

وهكذا الأسباب الشرعية المقتضية للمنافسة في فعل الخيرات والاستباق
بالطاعات ، فإن في شهر رمضان من الفرص ما هو عظيم وجليل ، حيث
تجتمع فيه أصول عبادات الإسلام من التوحيد والصلاة والزكاة

والصيام وزيارة البيت العتيق .

فالمسلم الموحد لله السالم من رجز الشرك أنعم الله عليه بمزيد من الصلوات
الواصلة له بربِّه جل وعلا ، وهي صلاة التراويح وقيام رمضان ، ووعد
من حافظ عليها بمغفرة ذنوبه كلها ، ففي الصحيحين أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : من قام رمضان إيماناً واحتساباً

غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ، حياةٌ جديدة .

وفي هذه الصلاة الوتر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :
" إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حُمْرِ النَّعم ، وهي الوتر ، فجَعَلَها

لكم فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ; رواه أبو داود والترمذي
وابن ماجة من حديث خارجة بن حذافة العدوي رضي الله عنه .

وفي رمضان من أبواب تزكية النفس بالمال ما هو معلوم ومشهود ،
والأسوة في ذلك سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين
عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ،
وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة
من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ

بالخير من الريح المرسلة .

وفي رمضان الصيام ، الذي هو من أحب الأعمال وأزكاها عند الله ، وفيه
تدريب للنفس على ترك محبوباتها ومشتهياتها من أَجْلِ أَحَبِّ محبوب ،
الله رب العالمين ، فبالصيام تظهر أمانة العبد مع ربه وحبه

ومراقبته له جل وعلا .

وبالصيام المخلَص لله تتحقق الحياة الجديدة :

; من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ; متفقٌ عليه .

وفي رمضان من زيارة البيت العتيق ، وتجديد الشوق إليه ما يجعل المسلم
مُتَلَهِّفاً لهذه الزيارة العظيمة ، حتى إنه عليه الصلاة والسلام قال لامرأةٍ
سمعها تتحسَّر على عدم حجها معه حجة الوداع ، قال مطيباً خاطرها :

; إذا جاء رمضان فاعتمري ، فإن عمرةً فيه تعدل حجة ;
أو قال : حجةً معي ; رواه البخاري ومسلم .

وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :

; مَنْ أتى هذا البيت فلم يرفُث ولم يَفْسُق رجع كما ولدته أمه
وهذا عام فيشمل من أتى البيت حاجاً أو معتمراً . إنها حياةٌ جديدة .

وهكذا أنواع العبادات والقُرُبَات التي تهيأت لها النفوس ، حتى إن المجتمعات
الإسلامية لتظهر في نمط واحد وكأنها باتجاهاتها تلك على قلبٍ واحد ،

بما يُلْمِحُ إلى لُحْمَتِها ووحدتها إن هي أرادت ذلك.

فإذا استشعرنا كل هذه المحفزات وكل تلك الأساليب من المرغبات التي تتعدى
محيط الإنسان وإدراكه إلى عوالم أخرى لا يحيط بها ، ثم يوجد من بين
المسلمين من لا يرفع بذلك رأساً ولا يقتطف حظَّه من تلك الغنائم ، فهو
الخاسر الذي وصل إلى حالةٍ من الإعراض والتشبث بالآثام والتباعد عن
الفضائل والحسنات بما يجعله شبه ميئوس منه ، جراء إعراضه ،

إلا أن يتداركه الله بفضل منه ورحمة.

ولأهمية هذا التصور فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابةَ يوماً وبين

لهم فيه بياناً شافياً ، فعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال

: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

; احضُروا المنبر ; فحَضَرْنا ، فلما ارتقى درجةً قال : ; آمين ; فلما ارتقى
الدرجة الثانية قال : ; آمين ; ، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال :; آمين ;
، فلما نزل قلنا : يارسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه ؟! قال
: ; إنَّ جبريل عليه الصلاة والسلام عَرَضَ لي فقال : بُعْداً لمن أدرك
رمضان فلم يُغْفَر له ، قلت : آمين ، فلما رقيت الثانية قال : بُعْداً لمن ذُكِرْتَ
عنده فلم يُصَلِّ عليك ، قلت : آمين ، فلما رقيت الثالثة قال : بُعْداً لمن أدرك
أبواه الكبرَ عنده أو أحدُهما فلم يُدخلاه الجنة ، قلت :; آمين ;

. رواه الحاكم وصححه ابن حبان .

وبعد : فإن بلوغ شهر رمضان يعتبر في نظر الموفقين حياةً جديدة ،
جعلني وإياكم من السعداء في الدارين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين