المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقتباس من كتاب- النظرات و العبرات ..~


هيفولا
11-28-2012, 08:40 AM
اقتباس من كتاب- النظرات و العبرات ..~




النَّظرات و العَبَرات .. ~

أهلا بكم من جديد .. أصدقاء الكتاب

في سفري الأخير .. رافقني كتاب راائع
هو
" الـــــنـــظــــــــــرات"

* نبذة عن المؤلف :
مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي
( 1876 - 1924 ) :
هو مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي .
أديب مصري من أم تركية ، قام بالكثير
من الترجمة والاقتباس من بعض روايات الأدب الفرنسي الشهيرة بأسلوب أدبي فذ ،
و صياغة عربية في غاية الجمال والروعة.
لم يحظى بإجادة اللغة الفرنسية لذلك أستعان بأصحابه الذين
كانوا يترجمون له الروايات ومن ثم يقوم هو صياغتها وصقلها في قالب أدبي رائع.
كتاباه النظرات والعبرات يعتبران من أبلغ ما كتب بالعربية في العصر الحديث.

،،،

* محتوى الكتاب :

النظرات (ثلاث جزاء).
يضم مجموعة من مقالات
في الأدب الاجتماعي، والنقد، والسياسة، والإسلاميات،
وأيضا مجموعة من القصص القصيرة الموضوعة أو المنقولة،
جميعها كانت قد نشرت في جرائد،
وقد بدأ كتبات بها منذ العام 1907.
،،،

* وصف الكتاب ( مما قرأت ) :
إن أردت وصف هذا الكتاب بكلمتين فسأقول “دروس في الحياة”
لا تكن دقيقا وأعتبر الحرف في المنتصف, بخشيش!

مصطفى لطفي المنفلوطي
شخصية غير عادية أتهمه كثير من النقاد بالسوداوية,
وأقول دفاعاً عنه ماذا تسمى الواقع الذي نعيش فيه!,
هل من المطلوب أن يعيش الكاتب في الأحلام
أم يحاول أن يصلح ما أستطاع الوصول إليه بسلاحه الوحيد.

وهذا ما فعله المنفلوطي في كتابة الذي يتكون من ثلاث أجزاء “النظرات” .
النظرات هي مجموعة مقالات و أقاصيص و شعر
بعضها مترجم نشرت في “المؤيد”
ثم جمعت بعد ذلك فكان هذا الكتاب

.النظرات هي إحدى الحملات الأدبية ضد كل ما هو فاسد داخل مجتمعنا.

ما لفت نظري هو أن كثير من المواضيع التي
تطرق إليها المنفلوطي وكان يحاول معالجتها في عصره,
لازالت مجتماعاتنا إلى اليوم تعاني منها!.

لكن الأمر لا يتوقف عند سرد لبعض المشكلات وحلولها
بل يتعدى ذلك إلى روعة وقوة الكاتب الأدبية المبهرة
التي تجعلك تنسى أن تتنفس!
فتضطر بين الحين و الآخر إلى التوقف و استرجاع أنفاسك
و قواك و التأمل أثناء ذلك فيما قرأته
أو أن تتخيل كيف ستكون روعة الذى لم تقرأه.

أما لو كنت محظوظا و أستلم “عقلك الباطن” العملية,
فستغرق حينها في بحر بيانه
ولا منقذ لك سوى أن تتوقف وترفع رأسك,
بين الحين و الآخر و تسترجع أنفاسك!

لقد أستحق بحق لقب “أمير البيان”

،،،

إن شاء الله أنقل لكم " هنا .. بعض المقالات التي استوقفتني في الكتاب

لنتشارك روعة هذا القلم

دمتم بخير

~

هيفولا
11-28-2012, 08:43 AM
-1-
الرحمة

ان الرحمة كلمة صغيرة..ولكن بين لفظها
ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها والشمس في حقيقتها.
،
لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا مغبون ولا مهضوم
..ولاقفرت الجفون من المدامع..ولأمانت الجنوب في المضاجع
.ولمحت الرحمة الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام.
،
ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون او مفؤود فتبتسم سرورا ببكائك
..واغتباطا بدموعك،لان الدموع التي تنحدر على خديك
في مثل هذا الموقف انما هي سطور من نور..

" تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك انسان."،
ان السماء تبكي بدموع الغمام ، ويخفق قلبها بلمعان البرق ،
وتصرخ بهدير الرعد ،
وان الأرض تئن بحفيف الريح وتضج بأمواج البحر.
وما بكاء السماء ولا أنين الارض الا رحمة بالانسان
ونحن ابناء الطبيعة فلنجارها في بكائها وأنينها.
،
ان اليد التي تصون الدموع، افضل من اليد التي تريق الدماء ،
والتي تشرح الصدور أشرف من التي تبقر البطون..

أيها الانسان :
ارحم المراة التي مات عنها زوجها ،
ولم يترك لها غير صبية صغار ودموع غزار ،
ارحمها قبل أن ينال الياس منها ويعبث الهم بقلبها فتؤثر الموت على الحياة.
،
ارحم الزوجة ام ولدك ، وقعيدة بيتك، ومرآة نفسك لأنها ضعيفة ،
ولان الله قد وكل أمرها اليك، وما كان لك أن تكذب ثقته بك.
،
ارحم ولدك واحسن القيام على جسمه ونفسه
فانك الا تفعل قتلته أو اشقيته فكنت من اظلم الظالمين.
،
ارحم الجاهل ، ولا تتحين فرصة عجزه عن الانتصاف لنفسه
فتجمع عليه بين الجهل والظلم، وتتخذعقله متجرا تربح فيه ليكون من الخاسرين.
،
ارحم الحيوان لانه يحس كما تحس ، ويتألم كما تتالم ،
ويبكي بغير دموع ويتوجع ولا يكاد يبين.
.ارحمه وكذب من يقول ان الانسان طبع على ضرائب لؤم .

أيها السعداء :
احسنوا الى البائسين والفقراء ، وامسحوا دموع الاشقياء ،
وارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء..

~

هيفولا
11-28-2012, 08:46 AM
-2-
الــــغـــــد




عرفت اني فكرت ليلة أمس فيما أكتب اليوم،
وعرفت أني آخذ الساعة بقلمي بين أناملي
وأن بين يدي صحيفة بيضاء،تسود قليلا قليلا كلما أجريت القلم فيها،

ولكني لا أعلم هل يبلغ القلم مداه أو يكبو دون غايته؟
وهل أستطيع ان أتمم رسالتي هذه ،
أو يعترض عارض من عوارض الدهر في سبيلها،
لأني لا أعرف من شؤون الغد شيئا ،ولأن المستقبل بيد الله.

عرفت أني لبست أثوابي في الصباح وأنها لاتزال فوق جسمي حتى الآن،
ولكني لاأعلم هل أخلعها بيدي أم تخلعها يد الغاسل.

الغد شبح مبهم يتراءى للناظر من مكان بعيد ،
فربما كان ملكا رحيمًا،وربما كان شيطانا رجيما ،
بل ربما كان سحابة سوداء،اذا هبت عليها ريح باردة
حللت أجزاءها وفرقت ذرتاها
فأصبحت كأنما هي عدم من الأعدام التي لم يسبقها وجود .

الغد بحر خضم يعب عبابه وتصطخب امواجه ،
فما يدريك ان كان يحمل في جوفه الدر والجوهر ،أو الموت الأحمر؟

لقد غمض الغد عن العقول ودق شخصه عن الأنظار ،
حتى لو ان انسانا رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره
لا يدري أيضعها على حافة القصر ،أم على حافة القبر؟

الغد صدر مملوء يالأسرار الغزار تحوم حوله البصائر ،
وتتسقطه العقول ،وتستدرجه الانظار ،
فلا يبوح بسر من أسراره الا اذا جاءت الصخرة بالماء الزلال!

كأني بالغد وهو كامن في مكمنه رابض في مجثمه متلفع بفضل ازاره،
ينظر الى آمالنا وأمانينا نظرات الهزء والسخرية،
ويبتسم ابتسامات الاستخفاف والازدراء ،
ويقول في نفسه: لو علم هذا الجامع أنه يجمع للوارث ،
وهذا الباني أنه يبني للخراب،
وهذا الوالد أنه يلد للموت
،ماجمع الجامع ولا بنى الباني ولا ولد الوالد!

ذلل الانسان كل عقبه في هذا العالم فاتخذ نفقا في الارض وصعد بسلم الى السماء
،وعقد مابين المشرق والمغرب بأسباب من حديد وخيوط من نحاس،
وانتقل بعقله الى العالم العلوي فعاش في كواكبه وعرف أغوارها وأنجادها ،
وسهولها وبطاحها ،وعامرها وغامرها ،ورطبها ويابسها
،ووضع المقاييس لمعرفة أبعاد النجوم زمسافات الاشعة ،
والموازين لوزن كرة الرض اجمالا وتفصيلا
،وغاص في البحار فعرف أعماقها وفحص تربتها وازعج سكانها
ونبش دفائنها وسلبها كنوزها وغلبها على لآلئها وجواهرها ،

ولكنه سقط أمام باب الغد عاجزا مقهورا لا يجرؤ على فتحه،
بل لا يجسر على قرعه،لانه باب الله ،
والله لا يطلع على غيبه أحدا.

أيها الشبح الملثم بلثام الغيب ،
هل لك أن ترفع عن وجهك هذا اللثام قليلا
لنرى صفحه واحدة من صفحات وجهك المقنع،
أو لا فاقترب منا قليلا علنا نستطيع ان نستشف صورتك
من وراء هذا اللثام المسبل دوننا ،فقد طارت قلوبنا شوقا شوقا اليك ،
وذابت أكبادنا وجدا عليك؟

ايها الغد ،

ان لنا آمالا صغارا وكبارا ،وأماني حسان وغير حسان
،فحدثنا عن آمالنا اين مكانها منك، وخبرنا عن أمانينا ماذا صنعت بها؟
أأذلتها واحتقرتها ،أم كنت لها من المكرمين؟
لا،لا ّ صن سرك في صدرك ،وابق لثامك على وجهك ،
ولا تحدثنا حديثا واحدا عن آمالنا وأمانينا حتى لا تفجعنا فيها فتفجعنا في أرواحنا ونفوسنا.

وليست حياة المرء الا أمانيا ... اذا هي ضاعت فالحياة على الأثر

~