المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطاب الله جل جلاله للمؤمنين 04


adnan
12-28-2012, 09:32 PM
الأخ الزميل / مصطفى آل حمد

خطاب الله جل جلاله للمؤمنين : 4

} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ{

البشر عند الله صنفان لا ثالث لهما:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا وآية اليوم:

} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ
وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ(254) {

( سورة البقرة)

لابدّ من مقدمة، هؤلاء البشر الستة آلاف مليون، أو هؤلاء البشر من آدم
إلى يوم القيامة مصنفون في مقاييس البشر بمئات التصنيفات، لكنهم
جميعاً عند الله صنفان لا ثالث لهما، صنف عرف الله فانضبط بمنهجه،
وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وصنف غفل عن الله
وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة،
ولن تجد صنفاً ثالثاً، قد يقول أحدكم ما الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما
شاء، الدليل قوله تعالى:

} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) {

( سورة الليل )

1 ـ صنف عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة:
متنوع مليون اتجاه لكنهم جميعاً يصبون في خانتين، دقق:

} فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {

( سورة الليل )
بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء،
يعيش ليعطي من كل شيء، من علمه، من ماله، من جاهه، من وقته،
من خبرته، من عضلاته:

} فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {

( سورة الليل )
واتقى أن يعصي الله، يعني استقامة وعمل صالح:

} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {

( سورة الليل )

الأقوياء قمم أهل الدنيا و الأنبياء قمم أهل الآخرة:

الآن أقول هذا الهرم البشري الستة آلاف مليون يقع على رأسهم زمرتان،
أقوياء وأنبياء، قمم أهل الدنيا الأقوياء، وقمم أهل الآخرة الأنبياء،
والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا،
ماذا ترك النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال يا رب:

(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ،
وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ
إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))

[ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان عَنْ أَنَسٍ]

كانت غرفته لا تتسع لصلاته ونوم زوجته، صغيرة جداً، أعطى ولم يأخذ،

والأقوياء الفراعنة أخذوا من الناس كل شيء، أخذوا جهدهم، أخذوا
وقتهم، هذه الأهرامات مبنية بعرق شعب بائس مسحوق فقير مضطهد،
الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأنبياء ملكوا
القلوب، اذهب إلى المدينة المنورة قف أمام المقام الشريف كم إنسان يبكي
أمامه ؟ ما التقوا معه، ما أخذوا منه شيئاً، ملكوا القلوب بكمالهم،
سيدنا الصديق له جارة يقدم لها بعض الخدمات يحلب لها الشياه،
فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الألم على هذه الجارة لأن هذه الخدمة
في ظنها توقفت، في صبيحة يوم استلام الخلافة طرق باب الجارة صاحبة
البيت قالت لابنتها: افتحي الباب يا بنيتي، ثم سألتها من الطارق ؟
قالت جاء حالب الشاة يا أماه، قالت إنه أمير المؤمنين.

هكذا ربى النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، اشتهى اللحم سيدنا عمر
قال قرقر أيها البطن أو لا تقرقر والله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية
المسلمين، ربى أصحابه ليكونوا أعلاماً في الأرض هذا الدين يا أخوان،
الدين تواضع، الدين عطاء، الدين خدمة، فلذلك: الأنبياء ملكوا القلوب،
والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء عاشوا للناس، حياتهم لخدمة البشر،
والأقوياء عاش الناس لهم.

ثمن الآخرة العمل الصالح والإنفاق على رأس العمل الصالح:

أيها الأخوة، يا من آمنتم بالآخرة، يا من آمنتم أن الدنيا من أجل الآخرة،
يا من آمنتم أن الدنيا فرصة ذهبية أتيت إليها كي تدفع ثمن الآخرة، ثمن
الآخرة العمل الصالح، يقع على رأس العمل الصالح الإنفاق، بصراحة
يقول بعض الأخوة الكرام لا نحس بشيء في الصلاة، صح، لأنك مستقيم
فقط لا تحس بشيء، مالك حلال، عملك صحيح، أديت الأمانات كلها، أنت
مرتاح، أنت في سلامة، أما السعادة لا تحتاج إلى امتناع عن المعاصي
تحتاج إلى بذل، إلى عطاء، تحتاج إلى تقديم شيء، أنت ماذا تركت في
المجتمع ؟ تركت أثراً ؟ هل زدت على الحياة شيئاً ؟ إن لم تزد على الحياة
شيئاً فأنت زائد عليها، مليارات أتوا إلى الدنيا ولدوا، وتعلموا، وكبروا،
وتزوجوا، وأنجبوا، وزوجوا بناتهم وأولادهم، وماتوا، مليارات، لا أحد
يذكرهم، هذا الرقم السهل، أنت ماذا أضفت إلى الدنيا ؟ يا أخوان سؤال
خطير، اسأل نفسك أنا إذا وقفت بين يدي الله يوم القيامة ماذا فعلت ؟

قال لي أخ والله كلامك مؤثر لكن ماذا نفعل ؟ قلت له كل نشاطاتنا ومعظم
الناس وقد أكون أنا منهم تنصب في مصلحتنا، تسافر، تأخذ وكالة، تبيع،
تشتري، طبعاً هذا بالنهاية أرباح لك، هل قدمت لله عملاً ليس لك منه
نصيب إطلاقاً ؟ هذا الذي يريده الله منك عمل صالح

الدنيا ممر و ليست مقراً أعظم ما فيها العمل الصالح:

تحضرني قصة أخ حاجب في مدرسة، يعني أقل مرتبة في وظائف الدولة
أن تكون مستخدماً لتنظيف الغرف، عنده ثمانية أولاد، معاشه أربعة آلاف،
ساكن في بيت أجرة غرفة واحدة، يعني بظرف استثنائي ورث أرضاً
قيمتها أربعة ملايين عرضها للبيع، جاء من يشتريها ليجعلها مسجداً،
فاتفق على ثلاثة ونصف مليون، جاء المحسن الكبير أعجبته الأرض وقع
شيكاً باثنين مليون قال له متى التتمة ؟ قال عند التنازل، قال أي تنازل ؟
قال تذهب إلى الأوقاف وتقدم تنازلاً عن هذه الأرض كي تصبح مسجداً،
قال له أنا أبيع أرضاً لتصبح مسجداً، قال: نعم، قال: والله أستحي من الله
أنا أولى منك أن أقدمها لله، يقول هذا المحسن الكبير بحياتي ما صغرت
أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الإنسان.

لك عمل صالح، لك خدمات، حليت مشكلة، أطعمت فقيراً، دللت إنساناً
تائهاً، رعيت يتيماً، ربيت أولادك، أنفقت مالك، ساهمت بمسجد، خدمت
بمسجد، لك عمل ترقى به عند الله ؟

} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (254) {

( سورة البقرة)

يا من آمنتم بالدار الآخرة، يا من آمنتم أن هذه الدنيا ممر وليست مقراً،
يا من آمنتم أن هذه الدنيا أعظم ما فيها العمل الصالح:
إياك أن تقول أنا فقير، أنا دخلي محدود لا يكفي مصروفي،
الإنفاق هنا واسع قال تعالى:

} أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ (254) {

( سورة البقرة )