المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات فى الدعوة


adnan
01-13-2013, 04:42 PM
الأخت / الملكة نــــــــور


وقفات فى الدعوة

فضيلة الشيخ / عائض بن عبد الله القرني


الوقفة السادسة

6 – عدم اليأس من رحمة الله
يجب على الداعية ألاّ يغضب إن طَرح عليه شاب مشكلته ،
وأنه وقع في معصية ، فقد أُتىَ الرسول صلى الله عليه وسلم برجل
شرب الخمر وهو من الصحابة أكثر من خمسين مرة !!
ثبت في الصحيح :

( فقال رجلٌ مِنَ القَومِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ ؟
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا
أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه )
أخرجه البخاري
فما أحسن الحكمة ، وما أعظم التوجيه !!
لذلك نقول دائماً : لا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي
والمخالفات والأخطاء ، واعتبر أنهم أمل هذه الأمة ،
وأنهم في يوم من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة ،
وسوف تراهم صادقين مخلصين ، تائبين متوضئين .
· وينبغي على الداعية أن لا ييأس من استجابة الناس ،
بل عليه أن يصبر و يثابر ، و يسأل الله لهم الهداية في السجود ،
و لا يستعجل عليهم ،
فإن رسولنا صلى الله عليه و سلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو
إلى (( لا إله إلا الله ))
فلم ييأس مع كثرة الإيذاء !! ومع كثرة السب !! ومع كثرة الشتم !!
واعلم أن ما تتعرض له من صعوبات لا يقارن بما تعرض له
النبي صلى الله عليه و سلم ، و مع ذلك صبر و تحمل كل ذلك و لم يغضب ،
حتى أتاه ملك الجبال !

( فناداني ملكُ الجبالِ وسلَّم عليَّ
ثم قال : يا محمدُ ! إنَّ اللهَ قد سمِع قولَ قومِك لكَ . وأنا ملَكُ الجبالِ .
وقد بعثَني ربُّك إليك لتأمرَني بأمرِك . فما شئتَ ؟ إن شئتَ أن أُطبقَ
عليهم الأخشبَينِ .
فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : بل أرجو أن يخرجَ اللهُ
من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه ، لا يشركُ به شيئًا )
مسلم

فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة ،
فمن صُلب الوليد بن المغيرة : خالد بن الوليد ،
ومن صُلب أبي جهل : عكرمة بن أبي جهل .
فما أحسن الطريقة ، وما أحسن ألا ييأس الداعية ، وأن يعلم أن العاصي
قد يتحول بعد عصيانه إلى إمام مسجد ! أو خطيب ! أو إلى عالم !
من الذي ما أساء قط ! ومن له الحسنى فقط ؟!
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه !
تــريــد مهــذّبــاً لا عيــب فيـــــه وهـــل عود يفوح بلا دُخـــان ؟!
هذا لا يصلح على منهج الكتاب والسنة .
فلا تقنط من رحمة الله فإن رحمة الله وسعت كل شيء ،
وهو الرحمن الرحيم ، الذي يقول في الحديث القدسي
الذي رواه أحمد والترمذي بسند صحيح :

( يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي ،
يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي
يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً ،
لأتيتك بقرابِها مغفرة )
أخرجه الترمذي ( 3540 ) .

وعلى الداعية ألا ييأس من المدعوين بسبب بعض معاصيهم وإنما عليه
أن يعايش الجميع ، الكبير و الصغير ، الصالح و الطالح ، و المطيع
و العاصي ، و لتعلم أن هذا العاصي قد يكون في يوم من الأيام من
رجال الدعوة ، و قد يكون من أولياء الله ، فلا تيأس ، و عليك أن تتدرّج
معه ، و أن تأخذ بيده رويداً رويداً ، وألا تجابهه و ألا تقاطعه .

جاء وفد ثقيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الدين قالوا :
نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، ولكن أما الصلاة فلا نصلي !
وأما الزكاة فلا نزكي ! ولا نُجاهد في سبيل الله !!
وأما الصدقة والجهاد فقد فقال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك :

( سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا )
رواه أبو داود

فأسلموا ، فأدخل الله الإيمان في قلوبهم ، فصلوا وزكوا وجاهدوا ،
وقتل بعضهم وراء نهر سيحون و جيحون في سبيل الله !
وقُتل بعضهم في قندهار .
فلا ييأس الإنسان من دعوة الناس إلى سبيل الله سبحانه و تعالى ،
و ليعلم أنهم في مرحلة المراحل سوف يهتدون و سوف يعودون
إلى الله سبحانه و تعالى .
فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلى الله ، و لا تُقنط السارق و لا الزاني ،
و لا القاتل ، بل حببهم إلى الهداية ، و قل لهم هناك ربَّ رحيم ،
يقول في محكم التنزيل :

{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
آل عمران 135.

قال علي رضي الله عنه و أرضاه :
[ الحكيم من لا يُقنط الناس من رحمة الله ، و لا يورطهم في معصية الله ].

و من آداب الداعية كذلك ألا يهون على الناس المعاصي ،
بل يخوفهم من الواحد الأحد ، فيكون في دعوته وسطاً بين الخوف و الرجاء
، فإن بعض الدعاة قد يتساهل مع بعض الناس في المعاصي !
كلما أرتكب كبيرة قال : سهلة !
و كلما أُتي بأخطاء قال : أمرها بسيط !
أفلا يعلم أن هناك ربًّا يغضب إذا انتهكت حدوده ؟ !
و أن هناك سلطاناً عظيماً على العرش استوى ، لا يرضى أن تُنتهك محارمه
و قد صح في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه و سلم :

( تعجبون من غيرة سعد ؟ والذي نفسي بيده ،
إني أغير من سعد ، وإن الله أغير منّي )
أخرجه البخاري 13/399 رقم 7416