المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرعى أخضر ولكن العنز مريضة


adnan
02-26-2013, 09:37 PM
الأخ / عباده



المرعى أخضر ولكن العنز مريضة

د. عائض القرني




أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي

إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، ووالله إن غبار حذاء محمد

بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين .

ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ،

يقول تعالى:



{ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ }



وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس

وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ،

وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ،

التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة ،

أما نحن العرب فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ،

وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي ،

ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة

الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا

عن الشرع المطهر.



نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله ، فبعض المشايخ وطلبة العلم

وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض العلماء

إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر ، الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته

على الناس ، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته

وخارج البيت نعامة فتخاء ، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى ،

من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء

حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا جلس معهم أدى ذلك

تفضلاً وتكرماً منه ، الشرطي صاحب عبارات مؤذية ، الأستاذ جافٍ مع

طلابه ، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة

لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع ،

وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس ، وبحاجة لكلية لتعليم

الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.



المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة

والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا .

في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ،

من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق ، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة

، لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة

والاختلاف مع الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ،



وكلما قلت: ما السبب ؟



قالوا :



الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا

فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت

جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد

المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى

فيؤثرونك مع كلمة التأسف ، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا ،

احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل.



بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ،

أين منهج القرآن:



{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }



{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً }



{ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }



{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ

إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }



وفي الحديث:



( الراحمون يرحمهم الرحمن )



و ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )



و ( لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا )



عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف ،



يقول عالم هندي:



" المرعى أخضر ولكن العنز مريضة "



الشرق الأوسط الخميس 06 صفر 1429