المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين النصيب و الكفل


adnan
03-02-2013, 07:41 PM
الأخت / الملكة نــــــــور

الفرق بين النصيب و الكفل
بقلم : محمد إسماعيل عتوك


قال الله تعالى :

{ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا
وَ مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا و َكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }
( النساء: 85 ) .

فاستعمل سبحانه لفظ ( النصيب ) مع الشفاعة الحسنة ،
واستعمل لفظ ( الكفل ) مع الشفاعة السيئة ، فدل على أن بينهما فرقًا
في المعنى .

و أكثر المفسرين على القول بأن النصيب ، و الكفل بمعنى واحد ،
و هو الحظ ، أو المِثْل ، إلا أن الثاني أكثر ما يستعمل في الشر ؛
كاستعماله هنا في الشفاعة السيئة .
و فرَّق بعضهم بينهما بأن النصيب يزيد على المثل ، و الكفل هو المِثْلُ
المساوي ، فاختار تعالى النصيب مع الشفاعة الحسنة ؛ لأن جزاء الحسنة
يضاعف بعشرة أمثالها ، و اختار الكِفْلَ مع الشفاعة السيئة ؛ لأن من
جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها .

و هذا القول مبنيٌّ على اعتبار أن ( من ) في قوله تعالى :﴿ مِنْهَا ﴾ ،
في الموضعين ، للسبب ، وعلى اعتبار أن جزاء الشفاعة الحسنة كجزاء
فعل الحسنة ، و جزاء الشفاعة السيئة كجزاء فعل السيئة ،
قياسًا على قوله تعالى :

{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
( الأنعام: 160 ) .

وعليه يكون المعنى : من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب بسببها ،
و من يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل بسببها . أي : يكن لكل منهما ذلك
بسبب شفاعته .. و هذا خلاف ما نصَّت عليه الآية الكريمة من المعنى تمامًا ؛
لأن ( من ) في قوله تعالى : ﴿ مِنْهَا ﴾ ، في الموضعين، ليست للسبب ؛
و إنما هي للتبعيض . و المراد من الآية الكريمة :
أن للشفيع ، الذي يشفع في الحسنة ، نصيبًا من جزاء المشَفَّع على شفاعته
، وأن للشفيع ، الذي يشفع في السيِّئة كِفْلاً من جزاء المشَفَّع على شفاعته .
فههنا شَفيعٌ ، و مُشَفَّعٌ ، و مُشَفَّعٌ له ، و شَفاعَةٌ .
و الشفاعةُ نوعان:

حسنة، وسيئة. فالشفاعة الحسنة هي التي يُراعَى بها حق المسلم،
فيُدفَع بها عنه شر، أو يُجلَب بها إليه خير، ابتغاء مرضاة الله تعالى.
وأما الشفاعة السيئة فهي التي تكون في معصية الله ابتغاء لجاه أو غيره،
وأعظمُها جُرْمًا ما كان في حَدٍّ من حدود الله تعالى.


وورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضاد الله ،
ومن خاصم في باطل هو يعلمه ؛ لم يزل في سخط الله تعالى حتى ينزع ،
ومن قال في مؤمن ما ليس فيه ؛
أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال )

وروى أبو داود عن أبي أمامة :
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( مَنْ شَفَعَ لأحَدٍ شَفَاعَةً ، فأهدى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا ، فَقَبِلَهَا ،
فَقَدْ أتى بَاباً عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا )

وروت عائشة- رضي الله عنها- في الحديث الصحيح :

( أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا:
مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ؟
فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟
وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )

فإذا كانت الشفاعة في حق، كان لصاحبها من أجرها، الذي يستحقه المُشفَّع
أجرٌ حسنٌ. وهذا ما عَبَّر عنه تعالى بلفظ ( النصيب )، ومعناه في اللغة:
الحظ الجيد المعيَّن من الشيء. تقول: هذا نصيبي. أي: حظي. قال تعالى:

{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ
مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }
( النساء: 7 ).

ثم قال:

{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ }
( النساء: 11 )،
فدل على أن النصيب هو الحظ المعين، وأن هذا النصيب تابع للتركة في
الزيادة، والنقصان.
ونحو ذلك قول إبليس اللعين:

{ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }
( النساء: 118 )

واشتقاقه من النَّصْب، بإسكان الصاد، وهو إقامة الشيء في استواء،
وإهْداف، ووضعُه موضعًا ناتئًا؛ كنصْب الرمح، والحجر في الأرض.والنصْبُ،
والنصيبُ حجر كان ينصَبفي الأرض، فيعبَده العرب في الجاهلية.

وإذا كانت الشفاعة في باطل، كان لصاحبها من أجرها، الذي يستحقه المُشفَّع
أجرٌ رديء. وهذا ما عَبَّر عنه تعالى بلفظ ( الكفل ) ، وهو من الأجر والإثْم:
الضِّعْفُ، في أصح الأقوال. وأصله مركَب يُهَيَّأ على ظهر البعير،
أو كساء يدار حول سنامه، وأكثر ما يستعمل في الشرِّ.
ومنه ما جاء في الصحيحين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ )
وقد يستعمل في الخير، ومنه قول الله تعالى:

{ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ }
( الحديد: 28 )


ولهذا كانت عقوبة الشفاعة السيئة ي الإثم، والمؤدية إلى إسقاط الحق عظيمة
عند الله تعالى تتناسب مع المعنى، الذي يؤديه لفظ الكفل،
وليس كذلك السيئة، التي تجزى بمثلها. وكذلك كان ثواب الشفاعة الحسنة
المؤدية إلى إحقاق الحق يتناسب مع المعنى، الذي يؤديه لفظ النصيب.
فإذا عرفت ذلك، تبين لك السِّرُّ في اختيار ( النصيب ) للشفاعة الحسنة،
و( الكفل ) للشفاعة السيئة ترغيبًا في الأولى، وتنفيرًا من الثانية.

ومما ينبغي أن يعلَم أيضًا أن الحديث عن الشفاعة بنوعيها يخص قومًا
بعينهم، وأن أصحاب الشفاعة السيئة أكثر من أصحاب الشفاعة الحسنة،
وأن وجودهم في المجتمع من أخطر الآفات، التي تهدد سلامته؛ ولهذا كانت
عقوبتهم مضاعفة. أما الحديث عن فعل الحسنة، وفعل السيئة فهو حديث عام
يعم أفراد المجتمع كلهم. ومن لطف الله تعالى بعباده أن جعل جزاء السيئة
سيئة مثلها، ومن منِّه وكرمه سبحانه أن جعل جزاء الحسنة بعشرة أمثالها،
ويزيد من فضله لمن يشاء. ومن هنا لا يجوز قياس الشفاعة الحسنة
والشفاعة السيئة على فعل الحسنة وفعل السيئة.

وشيء آخر ينبغي أن يعلم ، وهو أنه لما كان الجزاء بالنصيب،
والكفل من الأمور، التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى ،
ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله:

{ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }

فبين سبحانه أنه كان وما زال ولا يزال شاهدًا وحفيظًا وحسيبًا على
هذه الأعمال، ومجازيًا على كل عمل بما يناسبه ، وقادرًا على إيصال النصيب
والكفل من الجزاء إلى الشافع مثل ما يوصله إلى المشفوع فيه كاملاً،
لا ينتقص بسبب ما يصل إلى الشافع شيء من جزاء المشفوع.

والمُقيت من أسماء الله تعالى، وفسّره الغزالي بموصل الأقوات،
فيؤول إلى معنى الرازق، إلا أنه أخص، وبمعنى المستولي على الشيء،
القادر عليه، فيكون راجعًا إلى القدرة والعلم. والظاهر أنه جامع للمعاني
السابقة كلها.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه خير مسؤول .