خطبتى عيد الأضحى من المسجد الحرام بعنوان :فضل يوم النَّحر
خُطَبّ الحرمين الشريفين خطبتى الجمعة من المسجد الحرام مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9642 ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله - خطبة عيد الأضحى بعنوان: فضل يوم النَّحر والتي تحدَّث فيها عن أعيادِنا أهل الإسلام، مُبيِّنًا ما خصَّ الله تعالى عبادَه المُسلمين بعيدَي الفِطر والأضحَى، كما ذكَرَ فضلَ يوم النَّحر وأيام التشريق، ونبَّه معاشِر الحُجَّاج إلى باقِي أعمال الحجِّ هذا اليوم والأيام التالِية. الخطبة الأولى إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرور أنفسِنا ومِن سيئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخَيرَ الهَدي هَديُ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بِدعة، وكلَّ بِدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر خلقَ الخلقَ وأحصاهم عددًا، وكلُّهم آتِيه يوم القِيامة فردًا .. الله أكبر إلهًا واحدًا صمَدًا، لم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدًا .. الله أكبر عزَّ سُلطانًا ومجدًا، وتعالَى مُلكًا وجَدًّا .. الله أكبر عنَت الوجوهُ لعظمته، وخضَعَت الخلائِقُ لقُدرتِه .. الله أكبر ما ذكَرَه الذاكِرُون، واستغفَرَه المُستغفِرُون .. والله أكبر ما هلَّل المُهلِّلُون، وكبَّر المُكبِّرُون. الله أكبر عدد ما هلَّ هلالٌ وأدبَر .. الله أكبر عدد ما بزَغَ فجرُ يومٍ وأنوَر .. الله أكبر عدد ما لبَّى مُلبٍّ وكبَّر .. الله أكبر عدد ما حجَّ حاجٌّ واعتمَر .. الله أكبر عدد ما أهلَّ بالتوحيد وأقَرَّ .. الله أكبر عدد ما أتَى البلدَ الحرامَ واستقَر .. الله أكبر عدد ما طافَ بالبيتِ العتيقِ ووقَّر .. الله أكبر عدد ما ذبَحَ قرابِين وشكَر. الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلًا. أيها المُسلمون: اتَّقُوا اللهَ دهرَكم، وأخلِصُوا له سِرَّكم وجَهرَكم، واذكُروا نعمةَ ربِّكم؛ إذ بُلِّغتُم وأُمتِعتُم بهذا الموسِم المُبارَك، وهذه الأيام العشر الفاضِلة حتى أدرَكتُم نهايتَها بعد أن ربِحتم غنيمتَها، وها هي تُتوَّجُ بأكبر أعياد الإسلام الذي أشرَقَ نورُه فعمَّ البِشرُ جميعَ الأنام، فاليوم هو آخرُ أيام العشر، وخاتمُ الأيام المعلُومات، إنَّه أفضلُ الأيام عند الله وأعظمُها، يومٌ عظيمٌ مجيد، وعيدٌ كريمٌ بهيج، يُدعَى وم الحجِّ الأكبر و يوم النَّحر تتلُوه أيامٌ ثلاثةٌ معدُودات. قال - عليه الصلاة والسلام -: )أعظمُ الأيامِ عِندَ الله: يوم النَّحر، ثم يوم القَرِّ ( رواه أبو داود. وقال - صلى الله عليه وسلم -: )يوم الفِطر ويوم النَّحر وأيام التَّشريق عِيدُنا أهل الإسلام( رواه أبو داود وغيرُه. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أمة الإسلام: هذا عِيدُنا كما بيَّن ذلك نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، فقال: )إنَّ لكل قومٍ عِيدًا، وهذا عِيدُنا) متفق عليه. وقد جعلَ الله تعالى لكل أمةٍ منسَكًا، وجعلَ لهذه الأمة عِيدَين: عِيدَ الفِطر، وعِيدَ الأضحَى الذي نحن فيه الآن، ونعيشُه اليوم. فهنيئًا لكم - يا أمة الإسلام - بهذَين العِيدَين اللَّذَين خصَّكما الله بهما، فلكل أمةٍ عِيد، ونحن هذا عِيدُنا. عيدُ اليوم عيدُ الأضحَى يزدانُ بما خُصَّ به مِن قُرُباتٍ عظيمة، وما يقَعُ فيه مِن أ عمالٍ جليلةٍ مِن الحُجَّاج والمُقيمين في الأمصار؛ ففيه ذِكرٌ وتكبيرٌ، وصلاةُ عيد، وذبحُ أُضحيةٍ وهَديٍ لله، وهو عيدُ محبةٍ وتآلُفٍ ووِئام، وصِلةٍ واجتِماعٍ وسلام، وإظهارُ ذلك يوم العِيد مِن إعلان الشعائِر وتعظيمِها، وذلك دلالةٌ على تقوَى القلوبِ لعلَّام الغيُوب. فاجعَلُوا - عباد الله - يومَ عِيدكم يومَ فرحٍ وهناءٍ، يوم سعادةٍ وصفاء، لا يوم فُرقةٍ وبغضاء، ولا قطيعةٍ وشَحناء، بل تغافَروا، وتصافَحُوا، وتوادُّوا، وتحابُّوا، وتعاوَنوا على البرِّ والتقوَى لا على الإثم والعُدوان. صِلُوا الأرحام، وارحَموا الضُّعفاءَ والأيتام، وتخلَّقُوا بأخلاق وآداب الإسلام. وهذا اليوم المُبارَك تجتمعُ فيه عباداتٌ لا تجتمعُ في غيرِه، فحُجَّاجُ بيت الله اليوم الجِمار يرمُون، والهَديَ ينحَرون، ورُؤوسَهم يحلِقُون، وبالبيتِ يطُوفُون، وبالصفا والمروة يسعَون، وأهلُ البُلدان اليوم يُكبِّرُون، وفي المُصلَّى يجتمِعُون، وصلاةَ العيد يُؤدُّون، وأُضحياتِهم يذبَحُون. ما أجلَّ شأنَهم، وأعظمَ قَدرَهم، إنَّهم جميعًا مُسلِمون بدينٍ واحدٍ يدينُون، ولربٍّ واحدٍ يعبُدون، ولرسولٍ واحدٍ يتَّبِعون، ولقبلةٍ واحدةٍ يتَّجِهُون، ولكتابٍ واحدٍ يقرأون، ولأعمالٍ واحدةٍ يُؤدُّون. هل هناك وحدةٌ أعظم مِن هذه الوحدة - أيها المُوحِّدون -؟! {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أمة الإسلام: لقد شرَعَ الله لنا في موسِمِ الحجِّ عباداتٍ جليلة، وجعلَ لنا شعائِر عظيمة، وحثَّنا تعالى على تعظيمِها، وجعلَ ذلك علامةً على تقوَى القلوب، فقال - سبحانه -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج: 32]، وفي إضافة التقوَى إلى القلوبِ بيانُ أنَّها محلُّها ومنشؤُها، وكفَى بهذا حثًّا على إصلاحِها والاهتِمام بها، وإذا صلَحَ القلبُ بالمعرفة والتوحيد والإيمان صلَح الجسدُ كلُّه بالطاعة والتسليم والإذعان لربِّ العالمين. عباد الله: والحجُّ في شعائِرِه وأعمالِه وزمانِه ومكانِه يُرسِّخُ التوحيدَ في القلوب، وهو دليلٌ على إيمانِ مَن أدَّاه على الوجهِ المطلُوب، ومَن تأمَّلَ أذكارَ الحجِّ وجدَ فيها مِن توحيدِ الله تعالى وتعظيمِه وإجلالِه ما يُعلِّقُ القلوبَ به - سبحانه - وحدَه لا شريكَ له، ففي كل منسَكٍ ذِكرٌ ودُعاءٌ وتوحيدٌ. فعندما يُحرِمُ الحاجُّ يُهِلُّ بالتوحيد قائلًا: لبَّيك اللهم لبَّيك أي: طاعةً بعد طاعةٍ، وإجابةً بعد إجابةٍ، وهذا دليلٌ على الاستِسلام لله تعالة والانقِياد له. وعندما يجأرُ قائلًا: لبَّيك لا شريك لك، ويختِمُ التلبِيةَ بقولِه: لا شريكَ لك فإنَّما يُنادِي بعزم العقد على ألا يجعلَ لله شريكًا، ولا يصرِفَ شيئًا مِن العبادة لغيرِه، وبما أنَّه يعتقِدُ أنَّ الله واحدٌ لا نِدَّ له ولا نظير، ولا شَبِيهَ ولا مثِيل، وأنَّه المُحيِي والمُميت، وأنَّه الخالِقُ الرازق، وأنَّه النافعُ الضار، وأنَّه استأثرَ بعلم الغيبِ وحدَه، وله الكمالُ المُطلَق، وهو على كل شيءٍ قدير، وأنَّه مالِكُ المُلك، ومُدبِّرُ الكَون، وهو وحدَه صاحبُ السُّلطان القاهِر في هذا العالَم، يتصرَّفُ في مُلكِه كيفما يشاءُ ويختار. بما أنَّه يعتقِدُ ذلك فلا يُشرِكُ به شيئًا بأن يدعُو غيرَ الله مِن الأولياء والصالِحين، أو يسجُدَ لغير الله لا لصنمٍ، ولا لبشرٍ، ولا لحجرٍ، ولا لشجرٍ، ولا يذبَح لغير الله، ولا ينذُرُ لمخلُوقٍ أو يسألَه الشفاعةَ ويتوكَّل عليه، أو يعتقِدَ فيه الضُّرَّ والنفعَ، والعطاء والمنع، والتصرُّف في الكَون، كلُّ ذلك مما يحذَرُه المُوحِّدُ الذي قال: لبَّيك لا شريكَ لك. كما أنَّه يحذَر مِن إتيان السَّحَرة والكُهَّان والمُشعوِذين، فهو أمرٌ مُحرَّمٌ لا شكَّ في تحريمِه، وسُؤالُهم وتصديقُهم وفعلُ ما يطلبُون مِن الذبح ونحوِه مِن الشِّرك الأكبر. وعندما يقولُ الحاجُّ: إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك ففيها اعتِرافٌ لله بالحمد، وإقرارٌ بنعمتِه، واعتِرافٌ بمُلكِه؛ ولذا كان إلهَ الحق، وما سِواه مِن الآلهة باطل. ومِن صُور التوحيد التي تتجلَّى في المناسِك: أنَّ الحاجَّ إذا طافَ بالبيت كبَّر عند رُكنه المُعظَّم، والتكبيرُ توحيدٌ وإقرارٌ بأنَّ الله تعالى أكبرُ مِن كل شيءٍ. والسعيُ بين الصفا والمروة مِن الشعائِر العظيمة، فيرقَى الحاجُّ على الصفا ويقولُ: لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحدَه أنجَزَ وعدَه، ونصَرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه كم في هذا الذِّكر مِن التوحيدّ! فيُوحِّدُ الله تعالى ويُكبِّرُه، ثم يُهلِّلُه - سبحانه -، والتهليلُ هو أخصُّ ذِكرٍ للتوحيد. وليُعلَم - عباد الله - أنَّ أصلَ الطوافِ بالصفا والمروة مأخُوذٌ مِن تطواف هاجَر وتردادها بين الصفا والمروة في طلبِ الماء، وهي مُتذلِّلةٌ خائفةٌ وجِلَة، مُضطرَّةٌ فقيرةٌ إلى الله، حتى كشَفَ الله كُربتَها، وآنسَ وحشتَها، وفرَّج شدَّتَها، وفجَّر لها ماءَ زمزم المُبارَك. فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضِر فقرَه وذُلَّه وحاجتَه إلى الله في هدايةِ قلبِه، وصلاحِ حالِه، وغفران ذنبِه، وأن يلتجِئَ إلى الله تعالى ليُزيحَ ما هو به مِن النقائص والعيُوب، وأن يهدِيَه إلى الصراط المُستقيم، وأن يُثبِّتَه عليه إلى الممات، وأن يُحوِّلَه مِن حالِه الذي هو عليه مِن الذنوب والمعاصِي إلى حالِ الكمال والغُفران، والسداد والاستِقامة، كما فعلَ بهاجَر - عليها السلام -. وفي عرفات ذلك الموقِف الذي خُصِّصَ لأخصِّ دلائِل التوحيد، وهو الدُّعاء، وأخصُّ دُعاءٍ في ذلك اليوم هو كلمةُ التوحيد: لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير. وفي مُزدلِفة يدعُو الحاجُّ ربَّه ويُكبِّرُه ويُهلِّلُه ويُوحِّدُه، وفي العودة إلى مِنى بعد مُزدلِفة لا يزالُ يُلبِّي حتى يرمِيَ جَمرةَ العقبة. وفي رمي الجَمَرات أيام التشريق تكبيرٌ وموقِفٌ للدُّعاء طويل. وهكذا في كل مشعَرٍ مِن مشاعِر الحجِّ ذِكرٌ ودُعاءٌ وتوحيدٌ؛ لأنَّ غايةَ الحجِّ ترسيخُ التوحيد في القلوب. فالله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. ومِن مظاهِر التوحيد - عباد الله - ما جاء في قولِ البارِي - سبحانه -: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } الحج: 34]. ومِن المعانِي المُستنبَطة مِن الآية الكريمة: توحيدُ الله تعالى؛ إذ تُذبَحُ الأُضحية على اسمِ الله، ولذلك سمَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على الأُضحية وكبَّر، وقال: (بسمِ الله والله أكبر ) كما أمرَه الله في قولِه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أي: وانحَر لربِّك، فإنهارُ الدم على اسمِ الله عبادةٌ عظيمةٌ مِن أفضل القُرُبات؛ لِما فيها مِن تعظيمٍ وتوحيدٍ، وخضوعٍ وتذلُّلٍ لله - سبحانه -، ولذلك كان ذبحُ الأُضحية أفضلَ مِن التصدُّق بثمنها. عباد الله: وكانت العربُ في الجاهليَّة قد انحرَفَت عن دينِ الخليلِ - عليه السلام - إلى عبادةِ الأوثان؛ إذ كانوا يتقرَّبُون لها بالذبح مِن دون الله تعالى، فلما بعثَ الله النبيَّ الخاتمَ - عليه الصلاة والسلام - أعادَ الحنيفيَّة ملَّة إبراهيم، ووجَّه الذبحَ لمَن يستحقُّ العبادةَ دون سِواه، فشُرِعَت الأضاحي والهدايا تُذبَح لله تعالى وعلى اسمِه، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] أي: ذبحِي، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } الأنعام: 162، 163]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لعنَ الله مَن ذبَحَ لغير الله ) رواه مسلم. فكانت الأُضحيةُ شعيرةً ظاهرةً، وسُنَّةً باقية، وهي دليلٌ على التوحيد أن يُذبَحَ لله تعالى ولا يُذبَح لغيرِه، وحُرِّمَت الذَّبيحةُ إذا ذُبِحَت لغير الله تعالى؛ كتعظيمِ الأصنام، أو الأشخاص، أو القبور، أو نحوِها، {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } البقرة: 173]. عباد الله: علينا أن نستشعِر ونحن نتقرَّبُ إلى الله بذبح الهدايا والأضاحِي أنَّه تعالى لا يصعَدُ إليه شيءٌ مِن لحمها الذي نذبَحُه، فالله غنيٌّ عنا وعن لحومِها، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } الحج: 37] يبلُغُ إليه تقوَى قلوبِكم، ويصِلُ إليه إخلاصُكم له وإرادتُكم بذلك وجهَه؛ فإنَّ ذلك هو الذي يقبَلُه ويُجازِي عليه. والواجِبُ علينا أن نُخلِصَ لله ونحن نتقرَّبُ إليه بهذه الأضاحِي وجميعِ القُرُبات، فلا رِياءَ ولا سُمعةَ ولا مُباهاة، وإنَّما توحيدٌ وإخلاصٌ لله، وبهذا يتبيَّنُ خطأُ مَن يحرِص على أن تُلتقَطَ له الصورُ وهو في حالِ العِبادة، يُصلِّي أو يدعُو أو يطُوف؛ ليرَى أهلُه وقرابتُه وأصحابُه عملَه ويمدَحُونه، أو يُحبُّ إذا رجعَ إلى بلدِه أن يُتلقَّى بـ الحاج فُلان والثناء عليه بما قدَّم. فلنحذَر ذلك - عباد الله -، فهو مما يشُوبُ العملَ ويُنافِي الإخلاص. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: (قال الله - تبارك وتعالى -: أنا أغنَى الشُّركاء عن الشِّرك، مَن عمِلَ عملًا أشركَ فيه معي غيرِي تركتُه وشِركَه ) رواه مسلم. إخوة الإسلام: وعندما نتقرَّبُ إلى الله بهذه القرابين؛ مِن ذبح الضَّحايا والهدايا لله ربِّ العالمين، فإنَّنا نتذكَّرُ قُربانَ خليلِ الله إبراهيم - عليه السلام -، الذي أرادَ أن يُضحِّيَ بابنِه إسماعيل امتِثالًا لأمرِ الله، فكانت مُبادرتُه - عليه السلام - بتنفيذِ أمرِ ربِّه في ذبحِ ابنِه، وموقفِ ابنِه البارِّ مِن الرُّضوخ والصَّبر والاستِسلام، تذكِرةً لنا بالاستِسلام لله، والطاعة له والإذعان، وأنَّ الله تعالى يُكافِئُ العبد؛ فمَن تركَ شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا مِنه. ومما يُستنبَطُ مِن الآية السابِقة كذلك: أنَّ قولَه - عزَّ وجل -: {فَلَهُ أَسْلِمُوا } الحج: 34] فيه طلبُ الخُضوع بالطاعة للإله الحق، والتذلُّل له بالإقرار بالعبودية. والمغزَى الذي نستفيدُه مِن هذا: أن نستسلِمَ لحُكم الله وطاعته، وننقادَ له تعالى في جميع تكالِيفه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } البقرة: 208]، فدخُولُهم في الإسلام دخولٌ شامِلٌ؛ بحيث لا يتخيَّرُون بين شرائِعِه وأحكامِه، فما وافقَ مصالِحَهم وأهواءَهم قبِلُوه وعمِلُوا به، وما لم يُوافِق ردُّوه أو تركُوه وأهمَلُوه. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أمة الإسلام: ما أعظم مرابِح مَن حجَّ البيت حجَّة مبرورة، وأكثر مغانِمه. فعن ابن عُمر - رضي الله عنهما - أنَّه قال: جاء إلى النبيِّ أنصاريٌّ، فأقبَلَ عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (سَلْ عن حاجتِك، وإن شِئتَ أخبَرتُك ) قال: فذلك أعجَبُ إلَيَّ، قال: (فإنَّك جِئتَ تسألُني عن خُروجِك مِن بيتِك تؤُمُّ البيتَ الحرامَ، وتقولُ: ماذا لِي فيه؟ وجِئتَ تسألُ عن وقوفِك بعرفة، وتقولُ: ماذا لِي فيه؟ وعن رميِك الجِمار، وتقولُ: ماذا لِي فيه؟ وعن طوافِك بالبيتِ، وتقولُ: ماذا لِي فيه؟ وعن حلقِك رأسَك، وتقولُ: ماذا لِي فيه؟ ) قال: إي والذي بعثَك بالحقِّ. قال: (أما خُروجُك مِن بيتِك تؤُمُّ البيتَ، فإنَّ لك بكل وطاءةٍ تطَؤُها راحلتُك يكتُبُ الله لك بها حسنة، ويمحُو عنك بها سيئة، وأما وقوفُك بعرفة، فإنَّ الله - عزَّ وجل - ينزِلُ إلى السماء الدنيا، فيُباهِي بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادِي جاءُوني شُعثًا غُبرًا مِن كل فجٍّ عمِيق، يرجُون رحمَتي، ويخافون عذابِي، ولم يرَوني، فكيف لو رأَوني؟! فلو كان عليك مِثلُ رمل عالِجٍ، أو مِثلُ أيام الدنيا، أو مِثلُ قَطر السماء ذنوبًا غسَلَ الله عنك، وأما رميُك الجِمار، فإنَّه مذخُورٌ لك، وأما حلقُك رأسَك، فإنَّ لك بكل شعرةٍ حسنة، فإذا طُفتَ بالبيتِ خرَجتَ مِن ذنوبِك كيوم ولَدَتْك أمُّك ) رواه الطبراني. أقولُ هذا القَولِ، وأستغفِرُ الله لي ولكم، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفورُ الرحيم. الخطبة الثانية الحمدُ لله الذي خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، وشرعَ لنا مِن الدين هذه العبادات العظيمة لنُوحِّدَه ونُكبِّرَه، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: ففي هذا اليوم الأغَر يوم النَّحر يتوجَّهُ الحُجَّاجُ إلى مِنى لرمي جَمرة العقبة بسبع حصَيَاتٍ مُتعاقِبات، فإذا فرَغَ الحاجُّ مِن رميِ جَمرة العقبة ذبَحَ هَديَه إذا كان مُتمتِّعًا أو قارِنًا، ويجوزُ الاشتِراكُ في الهَدي إن كان إبلًا أو بقرًا، أما الشاةُ فلا تُجزِي إلا عن شخصٍ واحدٍ، فإن عجَزَ عن الهَدي صامَ عشرةَ أيام ثلاثةً في الحجِّ وسبعةً بعد رجوعِه لبلدِه، ثم يحلِقُ الحاجُّ رأسَه أو يُقصِّرُه، ثم يتوجَّهُ إلى مكَّة ليطُوفَ طوافَ الإفاضة، وهو رُكنٌ مِن أركان الحجِّ لا يتمُّ الحجُّ إلا به؛ لقولِه تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } الحج: 29]. وبعد الطواف يسعَى بين الصَّفا والمروَة إن كان مُتمتِّعًا، أم القارِنُ والمُفرِدُ فليس عليهما إلا سعيٌ واحدٌ. ويحصُلُ التحلُّلُ الثاني بثلاثة أمور هي: رميُ جَمرة العقبة، والحلقُ أو التقصير، وطوافُ الإفاضة، فإذا فعلَ الحاجُّ هذه الأمور الثلاثة حلّ َ له كلُّ شيءٍ حرُمَ عليه بالإحرام حتى النساء، وإن قدَّم أو أخَّر شيئًا مِنها فلا حرَجَ - إن شاء الله -؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم – ما سُئِلَ يوم النَّحر عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلا قال: (افعَل ولا حرَج) حُجَّاج بيت الله: واتِّباعًا لهَدي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - القائل: (خُذوا عنِّي مناسِكَكم) فالحُجَّاجُ الليلةَ يبيتُون بمِنى، ويوم غدٍ هو اليوم الحادِي عشر مِن ذي الحجَّة أول أيام التشريق المُبارَكة، التي قال الله - عزَّ وجل – فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]. قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما -: هي أيامُ التشريق. وقال فيها - عليه الصلاة والسلام -: (أيامُ التشريق أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله - عزَّ وجل -) خرَّجه مسلم وغيرُه. فأكثِرُوا - رحمكم الله - مِن ذكرِ الله وتكبيرِه في هذه الأيام. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أيها المُسلمون: لقد خطَبَ النبيُّ في الناس يوم النَّحر خُطبةً بليغةً، أعلَمَهم فيها بحُرمة يوم النَّحر وفضلِه عند الله، وحُرمة مكَّة على جميعِ البلاد، وأمرَ بأخذ مناسِكهم عنه، وقال: (لعلِّي لا أحُجُّ بعد عامِي هذا ) وعلَّمَهم مناسِكَهم، ونهَى الناسَ أن يرجِعُوا بعدَه كفَّارًا يضربُ بعضُهم رِقابَ بعضٍ، وأمرَ بالتبليغِ وأخبَرَ أنَّه (رُبَّ مُبلّضغٍ أوعَى مِن سامِع ) وقال في خُطبتِه تلك: (لا يَجنِي جانٍ إلى على نفسِه) وقال: (إنَّ الشَّيطان أيِسَ أن يُعبَد ببلدِكم، ولكن سيكونُ له طاعةٌ في بعضِ ما تحتقِرُون مِن أعمالِكم، فيرضَى بها ) وقال: (اتَّقُوا اللهَ ربَّكم، وصلُّوا خمسَكم، وصُومُوا شهرَكم، وأدُّوا زكاةَ أموالِكم، وأطيعُوا ذا أمرِكم؛ تدخُلوا جنَّةَ ربِّكم ) وودَّعَ حينئذٍ الناس، فقالوا: حجَّة الوداع كما خطَبَهم - صلى الله عليه وسلم - أيضًا أوسَطَ أيام التشريق خُطبةً عظيمةً بليغةً، بيَّن فيها حُرمةَ ذلك اليوم والشهر والبلَد، وبيَّن حُرمةَ الدم والعِرض التي اتَّفَقَت المِللُ على حُرمتها، وحذَّر فيها مِن الظُّلم والتعدِّي على المال، وأنَّه لا يحِلُّ مالُ امرئٍ مُسلمٍ بغير طِيبِ نفسٍ مِنه. وبيَّن في خُطبته تلك أنَّ الزمانَ استدارَ كهيئتِه يوم خلقَ السماوات والأرض، وأنَّ ربَّهم واحد، وأباهم واحد، وأنَّه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأسود على أحمَر، ولا لأحمر على أسوَد إلا بالتقوَى. معاشِر المُسلمين: إنَّ نبيَّنا - عليه الصلاة والسلام - قد علَّمَنا مِن خلال حجَّته دروسًا عظيمة، وإرشاداتٍ جليلة تُعدُّ نبراسًا لنا في حياتِنا؛ فمِن ذلك: التأكيدُ على حُرمة المُسلم وتعظيم شأنِه، وإذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد نهَى عن ترويعِ المُؤمن، فكيف بما هو أعظمُ مِن ذلك؟! قال - صلى الله عليه وسلم -: (لزوالُ الدُّنيا أهوَنُ على الله مِن قتلِ رجُلٍ مُسلم ) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لو أنَّ أهلَ السَّماء والأرضِ اشتَرَكُوا في دمِ مُؤمنٍ لأكبَّهم الله في النَّار) رواهما الترمذي. وعن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما - قال: رأيتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - يطُوفُ بالكعبة ويقول: (ما أطيَبَكِ وأطيَبَ رِيحَكِ، ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ، والذي نفسُ مُحمدٍ بيدِه؛ لحُرمةُ المُؤمن أعظمُ عند الله حُرمةً مِنك مالِه ودمِه، وأن نظُنَّ به إلا خيرًا ) رواه ابن ماجه. كما حرِصَ - صلى الله عليه وسلم - على حمايةِ الناسِ وعدم إيذائِهم أو إلحاق الضَّرر بهم، أو أن يرتكِبَ المرءُ فعلًا يُؤدِّي إلى انتِهاك حُرمتهم، فضلًا عن أن يُؤدِّي إلى قتلِهم. فعن قُدامة بن عبد الله قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النَّحر يرمِي جَمرةَ العقبة على ناقة صَهباء، لا ضربَ، ولا طردَ، ولا إليك إليك؛ رواه أحمد. ومعنى إليك إليك ابتعِد وتنَحَّ. وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: أفاضَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم - مِن عرفة وعليه السَّكينة، وردِيفُه أُسامة، وقال: (أيها الناس! عليكُم بالسَّكينة؛ فإنَّ البرَّ ليس بإيجافِ الخيل والإبل ) رواه أبو داود. وقد أمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بقولِه: (يا عُمر! إنَّك رجُلٌ قويٌّ، لا تُزاحِم على الحَجر فتُؤذِي الضَّعيف ) وبِناءً على ذلك؛ نُذكِّرُ إخوانَنا الحُجَّاجَ الكِرام وهم يُتِمُّون المناسِك أن يُؤدُّوها بسَكينةٍ ووقار، وطُمأنينةٍ وخُشوع، وأن يُحافِظُوا على سلامةِ إخوانِهم المُسلمين، وأن يرفُقُوا بحالِهم، فيحذَرُوا التدافُع والتزاحُم وأذيَّة الخلق، وخاصَّةً في الطواف، وعند رمي الجَمَرات، والتنقُّل بين المشاعِر وأداءِ المناسِك. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. واعلَمُوا - حُجَّاج بيت الله الحرام - أنَّ التأخُّر إلى اليوم الثالثِ عشر فيه استِنانٌ بسُنَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو أفضلُ وأكملُ وأعظمُ أجرًا. فقد رخَّصَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للناسِ في التعجُّل، ولم يتعجَّل هو، بل أقامَ بمِنى حتى رمَى الجَمَرات في اليوم الثالثِ عشر بعد الزوال، ثم ارتحَلَ قبل أن يُصلِّي الظُّهر. كما أنَّ التأخُّر لليوم الثالِثِ فيه إرفاقٌ للآخرين، ومصلَحةٌ لجُموع الحَجِيج؛ فخروجُ الناسِ كلِّهم في اليوم الثاني وتعجُّلهم جميعًا قد يُفضِي إلى المُزاحمَة والمشقَّة، وإلحاق الضَّر ببعضِهم. عباد الله: إنَّنا إذ نذكُرُ في هذا المقام إخوانَنا الحُجَّاج ونغبطُهم على ما يسَّرَ لهم، لنسألُ الله أن يتقبَّل منهم، وأن يُيسِّرَ أمورَهم، وأن يُعيدَهم إلى بُلدانهم سالِمين، وبالأجر غانِمين. وعليهم أن يتذكَّرُوا أنَّ مِن خصائصِ البيتِ الحرامِ التي ميَّزه الخالِقُ العظيمُ بها أن جعلَه بيتَ الهُدى، ومنبَعَ الهداية والرشاد، كما قال تعالى في وصفِ بتِه المُحرَّم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } آل عمران: 96]. فعلى مَن منَّ الله عليهم بحجِّ بيتِه الحرام أن يُترجِمُوا ما انتفَعُوا به في هذا الموسِمِ واقِعًا إذا رجعوا إلى ديارِهم، بأن يكونوا قُدوةً حسنةً، ويكونوا هُدًى لأهلِهم وأولادِهم وقرابَتهم وأصحابِهم، وأن لا يعودوا إلى المعاصِي والذنوبِ، بل يحرِصُوا أن تكون صحيفتُهم بيضاء ناصِعةً نقيَّةً. وكيف يعودُ المرءُ لتلك القبائِح والمُوبِقات، وقد نالَ مِن الهُدى في حجِّه ما نال؟! فكما وفَّقَكم الله فاستَمتَعتم بالبيت الحرام، ووقَفتُم بعرفة، وأتَيتُم مُزدلِفةَ المشعرَ الحرامَ، فاشكُرُوا اللهَ على هداكم إليه، واتَّقُوه ولا تعصُوه، واستقيمُوا على شرعِه وتوبُوا إليه. عباد الله: وبعد أن منَّ الله علينا بأداء هذا النُّسُك العظيم، وبلوغ هذا العيد المُبارَك، وإظهار الفرَح به، فلنتذكَّر إخوةً لنا في الدين أصابَهم ما أصابَهم مِن قِبَل أعداءِ الدين مِن الاضطِهاد والتعذيب والتنكيل، يُذبَّحُون ويُحرَّقُون، وبالقصف يُقتَّلُون في شتَّى بِقاع الأرض، فيمُرُّ العيدُ بهم وقد حُرِمُوا الفرحة والسُّرور، ومُنِعُوا رؤيةَ أهلِيهم وقرابتهم وذوِيهم. فنسألُ الله أن يُفرِّجَ همَّهم، ويُنفِّسَ كربَهم، وأن يُبدِّلَ خوفَهم أمنًا، وذُلَّهم عزًّا، وحُزنَهم فرحًا. وإلى أخواتنا المُسلمات نقولُ: يا إماءَ الله .. يا شقائِقَ الرِّجال .. يا معشَرَ النساء! عليكُنَّ بتوحيد الله وطاعتِه، وتمسَّكن بشرع الله، واحرِصن على مرضاة ربِّكنَّ وطاعتِه، وحافِظن على حيائِكنَّ وعفافِكنَّ، وحِشمتكنَّ وحجابكنَّ، وابتعِدنَ عن التبرُّج والسُّفور والاختِلاط. واعلَمن أنَّ مُحافظةَ المرأة على دينِها، وتربيتَها لنفسِها على الفضيلة ومكارمِ الأخلاق، ورعايتها لمَن تحت يدَيها مِن رعِيَّة وتنشِئتهم النشأة الصالِحة لهُو أعظمُ وسيلةٍ لمُواجهة أعداء الدين الذين يسعَون إلى تغيير هُويَّة المُجتمع المُسلم وإفساد أهلِه. وتذكَّرن - أيها الأخوات - قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحفِظَت فَرجَها، وأطاعَت زوجَها؛ قيل لها: ادخُلِي الجنَّة مِن أي أبوابِ الجنَّة شئتِ ) رواه أحمد. فإذا حقَّقَت المرأةُ هذه الشروط كانت موعودةً بدخول الجنة مِن أي أبوابِها الثمانية شاءَت. وأنتُم - يا عباد الله - تذكَّرُوا أنَّ نبيَّكم قد أوصَى بالنساء والإحسانِ إليهنَّ، فاعمَلُوا بوصيَّة نبيِّكم، قُومُوا بما يجِبُ عليكم. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، اللهم ألِّف بين قلوبِنا، وأصلِح ذاتَ بيننا، واهدِنا سُبُل السلام، ونجِّنا مِن الظُّلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحِشَ ما ظهر مِنها وما بطَن، وبارِك لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وقلوبِنا، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، وتُب علينا إنَّك أنت التوَّابُ الرحيم، واجعَلنا شاكِرين لنعمِك، مُثنِين بها عليك، قابِلينَ لها، وأتمِمها علينا. اللهم آمِنَّا في الأوطانِ والدُّور، وأصلِح الأئمةَ ووُلاةَ الأمور، واجعَل اللهم ولايتَنا فيمَن خافَك واتَّقاك واتَّبَع رِضاك يا أرحم الراحمين، اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لِما تُحبُّ وترضَى مِن الأقوال والأفعال، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوَى. اللهم مَن أرادَ بلادَنا وسائِرَ بلاد المُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدّ كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدُّعاء. اللهم احفَظ بلادَ الحرمَين ومُقدَّسات المُسلمين مِن شرِّ الأشرار، وكيدِ الفُجَّار، ومِن عبَثِ العابِثين، وكيدِ الكائِدين، وعُدوان المُعتَدين. اللهم اجعَل بلدَنا هذا آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين. اللهم وأبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أولياؤُك، ويُذلُّ فيه أعداؤُك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكَر يا سميعَ الدُّعاء. اللهم إنا نسألُك أن تنصُر إخوانَنا المُستضعَفين والمُجاهِدين في سبيلِك، والمُرابِطين على الثُّغور، وحُماةَ الحدود، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا، اللهم أنزِل عليهم السَّكينةَ والصَّبر، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على القوم الكافِرين، اللهم عجِل فرَجَهم يا رحمن يا رحيم. اللهم خُذ الطُّغاةَ المُتجبِّرين، واقمَعهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم فرِّق شملَهم، وشتِّت جمعَهم، واجعَل دائرةَ السَّوء عليهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبِهم، اللهم إنَّهم لا يُعجِزونَك. اللهم اغفِر لنا أجمعين، وتقبَّل منَّا صالِحَ أعمالِنا، وتجاوَز عن تقصِيرِنا، وأخرِجنا مِن ذنوبِنا كيوم ولَدَتنا أمَّهاتُنا. لا تُفرِّق جمعَنا هذا إلا بذنبٍ مغفُور، وعملٍ مبرُور، وسعيٍ مشكُور يا رحيمُ يا غفور. اللهم اهدِنا صراطَك المُستقيم، وارزُقنا الاستِقامةَ على شرعِك القويم، وثبِّتنا على الدين. اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا مِن خِزي الدنيا وعذابِ الآخِرة. اللهم أعِد علينا هذا العيد وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفُلُ في ثوبِ العزَّة والكرامة، والنصر والتمكين يا رب العالمين. سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين. |
All times are GMT +3. The time now is 02:55 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.