بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   خطب الحرمين الشريفين (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف بعنوان :من حقوق النَّفس تزكيتُها (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=55859)

حور العين 06-30-2018 07:08 AM

خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف بعنوان :من حقوق النَّفس تزكيتُها
 
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9642

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله – خطبة
الجمعة بعنوان:
من حقوق النَّفس تزكيتُها ،

والتي تحدَّث فيها عن تزكِية النُّفوس وطهارتُها، وأنَّ أكبر حقوقِ النَّفسِ
على صاحِبِها تزكيتُها، ثم ذكَرَ ملامِحَ عِظَم تزكيةِ النُّفوس في ضوءِ
القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة المُطهَّرة، وكلامِ أهلِ العلمِ.

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا
ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له،
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه
ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنَّجوَى.
أيُّها المسلمون:
صلاحُ الخلقِ وقِوامُ أمرِهم بإعطاءِ كلِّ ذي حقِّ حقَّه، وذلك هو العدلُ
الذي قامَت به السماواتُ والأرضُ، وعليه قِيامُ الدنيا والآخرة.
ولكلِّ نفسٍ على صاحِبِها حقٌّ هو مسؤُولٌ عنه يوم الدين؛
قال - عليه الصلاة والسلام -:
( وإنَّ لنفسِكَ عليك حقًّا )؛
رواه أحمد.
وأكبرُ حقوقِ النَّفسِ: تزكيتُها، وبه حِفظُها مِن الخِصالِ الذَّميمَة؛
فالنَّفسُ أمَّارةٌ بالسُّوء، ولها شرٌّ يُستعاذُ مِنه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -:
( أعوذُ بك مِن شرِّ نفسِي )؛
رواه أحمد.
وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في فاتِحةِ خُطبِه:
( ونعوذُ باللهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا )؛
رواه الترمذي.
فلا مناصَ مِن إصلاحِها، والله يُحبُّ لعبادِه ذلك؛ قال تعالى:
{ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ }
[المائدة: 6].
أي: بواطِنَكم وظواهِرَكم.
ولعظيمِ أمرِ تزكِية النُّفوس كانت إحدَى مقاصِدِ بِعثةِ الرُّسُل –
عليهم السلام -؛ فإبراهيمُ وإسماعيل - عليهما السلام - دعَوَا اللهَ
أن يبعَثَ في هذه الأمةِ رسولًا منهم يُزكِّيهم، فقال:
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ }
[البقرة: 129].
ومُوسى - عليه السلام - أرسَلَه الله إلى فِرعون وقال له:
{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى }
[النازعات: 17، 18].
وبعَثَ الله نبيَّنا مُحمدًا - صلى الله عليه وسلم - مُزكِّيًا للعباد؛
قال - سبحانه -:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ }
[الجمعة: 2].
وبذلك امتَنَّ الله على عبادِه المُؤمنين فقال:
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }
[آل عمران: 164].
والدَّاعِيةُ يدعُو النَّاسَ إلى الله وإن دَنَت منزلتُهم؛ طمعًا في تزكيتِهم
وهدايتِهم؛ قال - عزَّ وجل -:
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }
[عبس: 1- 3].
والفلاحُ كلُّه إنَّما هو في تزكِية النَّفس، والخَيبةُ والخسارةُ في عدمِها،
وعلى هذا أقسَمَ الله أطوَلَ قسَمٍ في كتابِه، ثم قال:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }
[الشمس: 9، 10].
قال قتادةُ - رحمه الله -:
قد أفلَحَ مَن زكَّى نفسَه بطاعةِ الله وصالِحِ الأعمالِ .
وهذا ما أجمَعَت عليه الرِّسالاتُ؛ قال - سبحانه -:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ
الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }

[الأعلى: 14- 19].
ومِن صِفاتِ المُؤمنين: تزكِيةُ أنفُسِهم؛ قال - سبحانه -:
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ }
[المؤمنون: 4].
قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -:
هو زكاةُ النُّفوس وزكاةُ الأموال، والمُؤمنُ الكامِلُ هو الذي
يتعاطَى هذا وهذا .
ومَن زكَتْ نفسُه فقد منَّ الله عليه وأكرَمَه؛ قال - سبحانه -:
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا }
[النور: 21].
والجنَّةُ في الآخرة جزاءُ مَن أصلَحَ نفسَه؛ قال - جلَّ وعلا -:
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }

[النازعات: 40، 41].
والدَّرجاتُ العُلَى مِنها جزاءُ مَن تزكَّى؛ قال - عزَّ وجل -:
{ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى }

[طه: 75، 76].
والسعيُ لتحقيقِ التَّزكِية فرضٌ على جميعِ العِباد، وذلك بامتِثالِ أوامِرِ الله
واجتِنابِ نواهِيه؛ فإنَّ المقصد الأعظَم في الأوامِر والنَّواهِي
- بعد تحقيقِ العبوديَّة لله - تزكيةُ الأنفُس وإصلاحُها.
وأعظمُ أمرٍ تزكُو به النُّفوسُ:
توحيدُ الله بعبادتِه وحدَه لا شريكَ له، ولا زكاةَ للخلقِ إلا بالتوحيدِ؛
قال - سبحانه -:
{ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }
[فصلت: 6، 7].
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -:
وهي التوحيدُ والإيمانُ الذي به يزكُو القلبُ؛ فإنَّه يتضمَّنُ نفيَ إلهيَّة ما
سِوَى الحقِّ مِن القلبِ، وإثباتَ إلهيَّة الحقِّ في القلبِ، وهو حقيقةُ
(لا إله إلا الله)، وهذا أصلُ ما تزكُو به القُلوبُ .
والصلاةُ زكاةٌ للنَّفس، وطهارةٌ للعبدِ؛ قال تعالى:
{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر }
[العنكبوت: 45].
وتُصلِحُ أهلَها، وتُذهِبُ عنهم الخطايا؛ قال - عليه الصلاة والسلام -:
( أرأيتُم لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِلُ مِنه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ هل
يبقَى مِن دَرَنِه شيءٌ؟ )،
قالُوا: لا يبقَى مِن دَرَنِه شيءٌ، قال:
( فذلك مثَلُ الصَّلوات الخَمسِ يمحُو الله بهنَّ الخطايا )؛
متفق عليه.
وبالزَّكاةِ والصَّدقةِ نقاءُ النُّفوس وزكاؤُها؛ قال - سبحانه -:
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }
[التوبة: 103].
والنَّجاةُ مِن النَّار جزاءُ مَن زكَّى نفسَه بمالِه؛ قال - جلَّ وعلا -:
{ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى }
[الليل: 17، 18].
والصَّومُ وِقايةٌ مِن آفاتِ النُّفوس وشُرورِها، ووِجاءٌ لأهلِه مِن الفواحِشِ؛
قال - سبحانه -:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

[البقرة: 183].
وفي الحجِّ تزكُو النُّفوس؛ قال - جلَّ وعلا -:
{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }
[البقرة: 197].
والمقبُولُ مِن الحُجَّاج يعُودُ طاهِرَ النَّفس كيوم ولَدَتْه أمُّه؛ قال –
عليه الصلاة والسلام -:
( مَن حَجَّ لله فلم يرفُث ولم يفسُق رجَعَ كيوم ولَدَتْه أمُّهُ )؛
متفق عليه.
وطاعةُ الله في حقوقِ المخلُوقين تُصلِحُ القلبَ وإن كانت ثقيلةً
على النَّفسِ؛ قال - سبحانه -:
{ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ }
[النور: 28].
والله - سبحانه - بيدِهِ صلاحُ القلوبِ وطهارتَها؛ قال تعالى:
{ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }
[النساء: 49].
والدُّعاءُ عبادةٌ عظيمةٌ، وبه يُدرِكُ العبدُ مطلُوبَه، ومِن دُعاءِ النبيِّ
- صلى الله عليه وسلم -:
( اللهم آتِ نفسِي تقوَاها، وزكِّها أنت خَيرُ مَن زكَّاها )؛
رواه مسلم.
والإكثارُ مِن ذِكرِ الله به انشِراحُ الصَّدر وطهارةُ القلبِ؛ قال - جلَّ وعلا -:
{ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
[الرعد: 28].
ومَن اشتغَلَ بالقُرآن العظيم تلاوةً وتدبُّرًا وعملًا وتعلُّمًا وتعليمًا صلَحَت
نفسُه وانقادَت له؛ قال - عزَّ وجل -:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ
وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }

[يونس: 57].
قال ابن القيِّم - رحمه الله -:
القُرآنُ هو الشِّفاءُ التامُّ مِن جميعِ الأدواءِ القلبيَّة والبدنيَّة،
وأدواءِ الدنيا والآخرة .
والعلمُ النَّافِعُ يُزكِّي أهلَه؛ قال - سبحانه -:
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }
[الزمر: 9].
ولا يزالُ العلمُ بصاحِبِه حتى يبلُغَ مُنتهَى التزكِية ويكون مِن أهل الخشيَة؛
قال - سبحانه -:
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
[فاطر: 28].
وقراءةُ سِيَر العُلماء والنُّبَلاء تحدُو بالنَّفسِ للتأسِّي بهم واللُّحُوق برَكبِهم،
ومَن نظَرَ في سِيَر السَّلَف الصالِح ظهَرَ له تقصيرُ نفسِه.
وبصلاحِ القلبِ وسلامتِه صلاحُ ظاهرِ العبدِ وباطنِه، ومَن جاهَدَ نفسَه
ظفَرَ بمقصُودِه.
ودوامُ مُراقبةِ الله يُكمِّلُ أهلَه، فيُدرِكُ منازِلَ المُحسِنين، وزكاةُ النَّفس
موقوفةٌ على مُحاسبتِها، فلا تزكُو ولا تصلُحُ إلا بالمُحاسَبَة، وبذلك يطَّلِعُ
العبدُ على عيُوبِ نفسِهِ ويسعَى إلى إصلاحِها.
وغضُّ البصَر مما تزكُو به الأنفُس؛ قال - جلَّ وعلا -:
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }
[النور: 30].
قال - عليه الصلاة والسلام -:
( مَن استَطاعَ الباءَةَ فليتزوَّج؛ فإنَّه أغَضُّ البصَرِ، وأحصَنُ للفَرْج،
ومَن لم يستطِع فعليه بالصِّيام؛ فإنَّه له وِجاء )؛
متفق عليه.
وصِيانةُ النَّفسِ عن فضُولِ النَّظَر والكلامِ مِن دواعِي تزكيتِها.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -:
وأكثرُ المعاصِي إنما تولُّدُها مِن فضُول الكلامِ والنَّظَر، وهما أوسَعُ
مداخِل الشَّيطان؛ فإنَّ جارِحَتَيهما لا يمَلَّان ولا يسأَمَان .
والمرءُ على دينِ خليلِه، فلينظُر أحدُكُم مَن يُخالِل، والصُّحبةُ الصالِحةُ
خَيرُ عَونٍ للعبدِ على بُلوغِ المعالِي؛ فإن غفَلَ ذكَّرُوه، وإن ذكَرَ أعانُوه.
وفي زيارةِ المقابِرِ وتذكُّر المَوتِ حياةُ النُّفُوس واستِقامتُها.
والتوبةُ تُزكِّي العبدَ وتُطهِّرُه؛ قال - عزَّ وجل -:
{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[النور: 31].
قال - عليه الصلاة والسلام -:
( إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتَ في قلبِهِ نُكتةٌ سَوداء، فإن هو نَزَعَ
واستغفَرَ وتابَ صُقِلَ قلبُه )؛
رواه الترمذي.
والنَّفسُ والأعمالُ لا تزكُو حتى يُزالَ عنها ما يُناقِضُها، ولا يكون الرَّجُلُ
مُتزكِّيًا إلا مع تركِ الشَّرِّ؛ فالتزكيةُ وإن كان أصلُها النَّماء والبركةُ وزيادةُ الخَير،
فإنما تحصُلُ بإزالةِ الشَّرِّ، فلهذا صارَ التزكِّي يجمعُ هذا وهذا.
وبعدُ .. أيها المُسلمون:
فأصلُ التزكِية كتابُ الله وسُنَّةُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -،
بطاعةِ الله واتِّباع هَديِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو سبيلُ
الله ودينُه وصِراطُه المُستقيم، وبذلك زكاةُ الأنفُس وصلاحُها وفلاحُ الخلق وعِزُّهم.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:
{ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }
[فاطر: 18].
باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَني الله وإياكم بما فيه من
الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قَولِي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميعِ
المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له تعظِيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا
عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا.
أيُّها المسلمون:
تغيُّرُ أحوال العِباد صلاحًا وفسادًا، ورخاءً وشدَّةً، وأمنًا وخوفًا تَبَعٌ لتغيير
ما في نفوسِهم؛ قال - سبحانه -:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[الرعد: 11].
وكلُّ ما يُصيبُ العِبادَ فمنشَؤُه مِن أنفُسِهم؛ قال - عزَّ وجل -:
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }

[آل عمران: 165].
ومَن أصلَحَ سريرتَه أصلَحَ الله له علانيتَه، ومَن أصلَحَ ما بينَه وبين
الله أصلَحَ الله ما بينَه وبين الناسِ، ومَن عمِلَ لآخرتِه كفَاه الله أمرَ دُنياه، والمُؤمنُ وَجِلٌ،
يجمعُ بين إحسانٍ وخوفٍ، فيسعَى لإصلاحِ نفسِه وتزكيتِها، ولا يتمدَّحُ بذلك فيدَّعِي
زكاءَها وطهارتَها؛ قال تعالى:
{ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }
[النجم: 32].
ثم اعلَموا أنَّ الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَمِ
التنزيل:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين،
الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمان،
وعليٍّ، وعن سائِرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرَم الأكرَمين.




All times are GMT +3. The time now is 01:14 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.