بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   خطب الحرمين الشريفين (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : العنف الأسري و آثاره على المجتمع (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=23037)

adnan 11-30-2014 09:23 PM

خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : العنف الأسري و آثاره على المجتمع
 


ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / عبد الرحمن السديس يحفظه الله

خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
العنف الأسري وآثاره على المجتمع
والتي تحدَّث فيها عن العنف الأسري وما يبثُّه من آثار سلبيَّة في جسَد المُجتمع،
مُبيِّنًا أسباب وقوعه، كما نبَّه إلى خطورة العنف ضدَّ المرأة،
وختم خطبتَه بذِكر الوقاية من هذا الداء العُضال في عدة نقاط .
إن الحمد لله، نحمدُك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونتوبُ إليك.

الــحــمـــدُ لله الــجــلــيــلِ الــمُــفــضِـــلِ
الـمُـسـبِـغِ الـمُـولِـي الـعـطـاء الـمُـجـزِلِ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ملأَ قلوبَ أهل الإيمان برًّا وحنانًا وإشراقًا،
وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه
انتشَلَ البريَّة بإذن ربِّه من سُعار الشِّقاق إلى مُغرورِقِ المحبَّة والوِفاق.

بـبِـعــثــتِــه الــمــكــارِمُ قـــــد تــجــلَّـــتْ
فــولَّــى الـظــلــمُ وانــهَـــزَمَ انــهِــزامًــا

وســادَ الأمـــنُ بــعــد الــخــوفِ حــتَّــى
تــرقَّــى الــكــونُ وانـتَــظَــمَ انـتِـظــامًــا

صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابِه ذوِي الأفئِدة الرِّقاق،
والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ غروبٌ وإشراق .

فإن أنفسَ ما يُنحَلُ من الوصايا المُنجِحات، والعِظات المُبهِجات:
تقوى الله - عز وجلَّ - ربِّ البريَّات؛ فالتقوى أوثقُ العُرى،
وأغنَى غناءً لمن رامَ من المكارمِ الذُّرَى، وأعظمُ الزادِ للشَّرفِ سيرًا وسُرًى،
{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }
[ البقرة: 197 ].
بُـشـرى لـمـن زُوِّد الـتـقـوى لـمُـنـقَـلَـبِ
حـــيَّــــاهُ مُـــدَّخَــــرٌ فـــيــــه ومُــطَّـــلـعُ
معاشر المسلمين :
في زمانٍ أجدبَت فيه كثيرٌ من المشاعِر، حتى غدَت هشيمًا يذرُوه الرياح،
وصوَّحَت الجُسُومُ من جواهِرِها الرَّأفة، فآضَت هياكِلَ كالأشباح،
بعد أن برأَها الباري - جلَّ في عُلاه - موئِلاً لزكِيِّ الطِّباع، ومنهَلاً للبرِّ المُشاع،
والإخاء المُتقارَضِ النفَّاع.
تبرُزُ قضيةٌ مُقِضَّة، ترزَحُ تحت مُرهَفِها كثيرٌ من الأُسَر والبُيُوتات،
وتزيدُ آلامُها وحسراتُها داخلَ الغُرَف والحُجُرات. فهي لونٌ من ألوان الخلَلِ الاجتماعيِّ،
والتسلُّط القهريِّ، والأذى الحسِّيِّ والمعنويِّ.
إنها - يا رعاكم الله -:
قضيةُ العُنف الأُسريِّ التي تجتاحُ بعضَ المُجتمعات،
وتعملُ على هدمِ الأواصِر الاجتماعيَّة السَّامِية، والوشائِجِ الرُّوحيَّة والخُلُقيَّة النَّامية،
والعلائِقِ الهَطِلَة بالإنسانيَّة الحانِية.
أيها المسلمون:
لا ريبَ أن من أهم الجوانِبِ التي تولاَّها الإسلام بالعناية والرِّعاية،
وأحاطَها بسِيَاجٍ منيعٍ من الصيانة والحِماية: جاِب الأُسرة واستِقرارها،
والتلاحُم والتراحُم بين أبنائِها وأفرادها؛ فهي الأساسُ في تحقيقِ سعادةِ المُجتمع
وضمانِ استِقرارِه، والرَّكيزَةُ العُظمى في إشادَة حضارةِ الأُمَّة وبناءِ أمجادِها.
تُرفرِفُ على جنَبَاتها راياتُ الحبِّ والمودَّة، والرِّفق والرَّحمة،
من خلال تحقيقِ نسيجٍ اجتماعيٍّ مُتميِّز هو الأنقَى جوهرًا،
ونظامٍ قِيَميٍّ مُتألِّقٍ في أعماقِ النفوسِ تجذَّرَا، تنتظِمُه عواطِفُ الوُدِّ، والتصافِي المُشاع،
وصِلةٍ كوَصلِ المُلتاعِ. في بُعدٍ عن الضغائِن والبغضاء، وغوائِل التقاطُع والجفاء،
وإثارة الأحقاد والشَّحناء.
أمة الإسلام :
إن المُتأمِّل في واقِع بعض الأُسَر المُسلِمة يُصابُ بالدَّهشة والحيرَة معًا،
وهو يرى كثرة الأسباب والعوامِل التي تسعَى إلى تقويضِ بُنيانِها، وزَعزَعَة أركانِها،
والعملِ على إغراقِ سفينتِها وسط أمواجٍ عاتِية، وسُيولٍ جرَّارة من ألوان الغزو الفِكريِّ
الهادِر، والتحدِّي الثقافيِّ والقِيَميِّ السَّافِر.
والذي يُروَّجُ له من ذوي الاستِلاب الثقافيِّ والأخلاقيِّ عبر قنواتٍ إعلاميَّةٍ مُتعدِّدة،
تدعُو إلى التخلِّي عن كثيرٍ من المُحكَمات الشرعية، والثوابِت المرعيَّة،
والتشكيكِ في المُسلَّمات الدينية المعلومة من دين الله بالضرورة،
لا سيَّما في القضايا الزوجية والعلاقات الأُسرية.
أضِف إلى ذلك: ما يعترِي بعضَ المُجتمعات في هذا الزمن من قُصورٍ
في جوانِب العقيدة وتطبيقِ الشرعية، والتزهيد في العلم الشرعيِّ،
وإعراضِ كلٍّ من الزوجين عن معرفةِ واجِباتِه قبل حقوقِه.
ويوم أن ضعُفَ التديُّنُ الصحيحُ، وعظُم الجهلُ بالشريعة، وطغَت الماديات،
ضعُفَت أواصِرُ التواصُل الاجتماعيِّ، وتعدَّدَت مظاهِرُ وظواهِرُ العُنف الأُسريِّ.
وهذا ما أكَّدَته الدراساتُ العلميةُ الميدانيَّة من أن خمسًا وثلاثين في المائة (35%)
من حالات العُنف الأُسريِّ سببُها ضعفُ الوازِع الدينيِّ. فالله المُستعان.
معاشر المؤمنين:
وثمَّة سببٌ مهمٌّ لا يُمكنُ إغفالُه، وهو التساهُلُ في جوانِب التربية،
ووجود قُصورٍ في بعض مناهِج التعليم وبرامِج الإعلام في كثيرٍ من بلاد المُسلمين،
مما كان عاملاً لسهولةِ التأثُّر بالأفكار المُنحرِفة، والمناهِج الدَّخيلة.
فأفرزَ ذلك كثيرًا من صُور القهر الاجتماعيِّ،
والعُنف الأُسريِّ التي تعيشُها بعضُ المُجتمعات.
فبين عُنفٍ نفسيٍّ وآخر جسديٍّ، يرزَحُ فيه بعضُ الأُسَر وبناتها صِغارًا وكبارًا وكهولاً،
في إهدارٍ لكرامتهم، وانتِهاكٍ لإنسانيَّتهم، مما يُنذِرُ بعواقِبَ وخيمةٍ،
وإفرازِ أجيالٍ من الآداب والفضائِل عقيمة.
معاشر الإخوة والأخوات:
إن هذا الداءَ العُضال إذا وقع لا ينفَكُّ يفتِكُ بأفراد الأُسرة واحِدًا تلوَ الآخر،
وأولُ من يصطلِي بنارِه ويُصابُ بأذى شرارِه، ويُعانِي نفَحَات أُوارِه هم كريماتُنا
وأخواتُنا النساء، والأطفالُ البُرَآء. فكم من أطفالٍ أصابَتهم الأمراضُ العضوية،
وعانَوا من الاضطِرابات النفسيَّة من جرَّاء التحرُّش، والإيذاء الجسديِّ،
والعُنف الأُسريِّ.
وربما زادَ الأمرُ وتحوَّل إلى تخلُّفٍ دراسيٍّ، ومُشكِلاتٍ عقليَّة،
ولزِمَتهم أمراضُ التأخُّر أو التوحُّد جرَّاء هذا الفعلِ المُريع، والمسلَك الشَّنيع.
وإن من أخطر الأخطار التي تُهدِّدُ عامِرَ الأُسَر والديار:
العُنف ضدَّ المرأة، وهُروبَ الشباب وربما الفَتَيات من المنازِل إلى غير قرار،
مما يجعلُهم عُرضةً للوقوع في حبائِل قُرناءِ السُّوء الأشرار،
أو أصحابِ الأفكار الضالَّة والمُتطرِّفة، وما أكثرَهم في هذا الزمن الذي انتشَرَت فيه
آراءٌ شاذَّةٌ غالِية، وموجاتٌ إلحاديَّةٌ عاتِيَة. وربما فُتِن بعضُهم بشرور المُخدِّرات
تعاطِيًا وتسويقًا، أو تهريبًا وترويجًا.
وقد يتعدَّى الأمرُ إلى رُكوبِ موجاتِ الإرهابِ والعُنف والتطرُّف،
وحملِ السلاحِ على الأمة، والخروجِ على الأئمة، وتكفير المُجتمعات والغُلُوُّ،
وتجاوُز منهَج الوسَط والاعتِدال، والوقوعِ في براثِن الانتِماءات الحِزبيَّة والطائِفيَّة،
والجماعات الإرهابيَّة، والزَّجِّ بالأجيال إلى بُؤَر الصِّراعات ومواطِن الفِتَن والنِّزاعات.
أمة الإسلام:
وبعد تشخيصِ الداء العُضال، ومعرفة أثرِه القتَّال، فحتْمًا
ولا بُدَّ من أخذ التدابِير الواقِية للتصدِّي لهذا الخطر الدَّاهِم قبل استِفحالِه
واستِحكام الندائِم، دفعًا ورفعًا، وللإيذاءِ قولاً وفعلاً.
وأُولَى الخُطوات وأَولاها: تقويةُ الوازِع الدينيِّ، ومُراقبةُ المولى العليِّ،
واستِشعارُ معيَّته ورقابتِه، وتعظيمُ أمره ونهيِه، وتحقيقً الاعتِدال والوسطيَّة.
فشريعتُنا: إعمارٌ لا دمار، بناءٌ ونماءٌ لا هدمٌ وفناء، تدعُو إلى كل صلاحٍ،
وتنهَى عن كل فسادٍ وطلاحٍ.
يقول العلامةُ ابن القيِّم - رحمه الله -:
[ ومن تدبَّر أحوالَ العالَم وجدَ كل صلاحٍ في الأرض سببُه توحيدُ الله وعبادتُه،
وطاعةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم ]
وصدقَ ربُّ العالمين؛ حيث يقول - وهو أصدقُ القائِلين -:
{ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }
[ النور: 40 ]
معاشر الأحبَّة :
وثاني هذه الخُطوات الاحتِرازيَّة التحصينية، والعوامِل الاستِباقيَّة الوِقائيَّة:
إذكاءُ الجوانِب الأخلاقيَّة والقِيَميَّة؛ فهي معراجُ الروح لبناء الشخصية السوِيَّة،
وجعلِها قويةً مُتماسِكة، راسِخةً مُتناسِقة، أُسوتُها وقُدوتُها:
نبيُّ الهُدى والرحمة - صلى الله عليه وسلم -، المُضمَّخُ من القِيَم بأعظمِ الحظِّ والنصيبِ،
الذي ترقَّى بالإنسانيَّة شطرَ الكمالات والمعالِي المُشمخِرَّات،
القائلُ - بأبي هو أمي صلى الله عليه وسلم -:
( إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاق )
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد".
لذا يجبُ تعزيزُ قِيَمنا الربَّانيَّة الومَّاضة التي تتأبَّى على التدليس، والمُوارَبة والتلبيس؛
كالرحمة والعدل والصدق والوفاء، والبرِّ والرِّفق والصفاء، والأمانة والإحسان والإخاء،
وسِواها من كرائِم الشِّيَم الغرَّاء، والشمائِل الفَيحَاء،
التي تُعدُّ مصابِيح للإنسان تُضِيءُ دربَه،
وهي صِمامُ أمنٍ وأمانٍ لصاحبِها من الانحِلال الأخلاقيِّ وحياة الفوضَى
والعبَث في مهاوِي الضلال وجلبِ التعاسَة والشَّقاء لنفسِه وأهلِه.
فأيُّ رحمةٍ وإنسانيَّةٍ عند من يُعرِّضُ أبناءَه ومحارِمَه وأفرادَ أُسرته للعُنف
والأذى والاعتِداء والرَدَى، بل والقتل والفناء.
واحذَر مساوِئَ أخلاقٍ تُشانُ بها
وأسوأُ السُّوءِ سُوءِ الخُلق والملَلِ
إخوة الإيمان:
وثالثُها: نشرُ ثقافة العفو والتسامُح، والحِوار والرِّفق.
وكفَى بالرِّفق مزِيَّةٌ مُكرَّمة، وفضيلةٌ مُعظَّمة اتِّصافُ ربِّ العالمين بها،
ووصفُه نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بها، قال تعالى:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }
[ آل عمران: 159 ]
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
( إن الله رفيقٌ يُحبُّ الرفقَ، ويُعطِي على الرِّفقِ ما لا يُعطِي على العُنف )
رواه مسلم.
والرِّفقُ لا يأتي إلا بخيرٍ، وهو حصنٌ حصينٌ للفرد والأُسرة والمُجتمع
من أمراضِ التعنُّت والتشدُّد؛
حيث قال - صلى الله عليه وسلم -:
( إذا أرادَ الله - عز وجل - بأهل بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهم الرِّفقَ )
أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
رابعُها: المودَّةُ والرحمةُ بين الأزواج؛ فكيف تُقامُ حياةٌ أو يُؤسَّسُ بيتٌ وسط الخلافات
الحادَّة، والمُناقشَات والمُحادَّة؟! وأنَّى يهنَأُ أبناءُ الأُسرة بالمحبَّة
وينعَمون بالوُدِّ في جوٍّ يغلِبُ عليه التنازُعُ والشِّقاق، والتناحُرُ وعدمُ الوِفاق؟!
وهل تستقيمُ حياةٌ بغير المودَّة والرحمة؟!
{ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }
[ الروم: 21 ].
وبعد، إخوة الإسلام:
فإن من أعظم التوقِّي وأنفعِه: معرفة الحُقوق والواجِبات الأُسريَّة،
وتحمُّل كل فردٍ مسؤوليَّته المَنُوطَة به، فلقد طاشَت أفهامُ كثيرٍ من الناس إزاءَ حقيقةِ
المسؤوليَّة وفَحوَاها، ولم يستشعِرُوا ثِقَلَ مرامِيها ومدَاها. وهذا البلاءُ الذَّريع،
والشرُّ الخفيُّ الشَّنيع هو الذي يفتشكُ بالأُسرة ومُقوِّماتها، ثم بالأمة ومُقدَّراتِها.
وإنها لمسؤوليَّةٌ عظيمةٌ أن يبنِيَ الأبَوَان شخصيَّة أبنائِهم على أساس العقيدة الصحيحة،
والاعتِزاز بدينِهم وتُراثِ أمَّتهم، وأمنِ وتنميَة أوطانِهم،
مُحاطِين بالإيمان والهُدى والخير والفضيلة. فيتحصَّنون عقديًّا وفِكريًّا وأخلاقيًّا؛
بل يُصبِحون أقوِياء في مُواجهة الاستِهداف المُبطَّن والمُؤثِّرات المُحيطة بهم.
لا ينهزِمون أمام ضُروب الباطِل، ولا يضعُفون أمام التيَّارات الفِكريَّة الزائِفة.
وهذه كلُّها وِقاياتٌ نافِعة، ودوافِعُ ناجِعة،
وضماناتٌ كافِية قبل مُداهَمَة الأخطار والأزَمات.
أما إذا وقعَت النازِلةُ والواقِعة فليس لها م دُون الله كاشِفةٌ أو رافِعة!
فدواؤُها الشافِي وتِرياقُها الوافِي: اللُّجوءُ إلى الله تعالى وتحكيمُ شريعتِه.
والله المسؤولُ أن يُصلِحَ شأنَ الجميع في الحال والمآل، إنه خيرُ مسؤولٍ وأكرمُ مأمول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
[ الأنفال: 27 ].
بارَك الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا،
وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات
من كل الآثام والخطيئات، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الحمدُ لله خلقَ كل شيءٍ فقدَّره تقديرًا،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا وتدبيرًا،
وأشهدُ أن نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُ الله ورسولُه أرسلَه الله هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا،
وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا مُنيرًا،
صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

فيا عباد الله :
اتقوا الله فيما خوَّلَكم من الأمانات، واسعَوا لمرضاتِه باستِشعار الخيرات؛
تنعَموا بالمسرَّات والبركَات.
أيها الإخوة الأحبَّة في الله:
ولا تتحقَّقُ للأُسر المُسلِمة المودَّةُ والرحمةُ والسعادةُ في أجلَى مظاهِرها،
وآرَج أزاهِرها إلا إذا تُوِّجَت بمعاقِل التغافُل عن صغائِر الأمور،
والشُّعور بالحاجة المُلِحَّة إلى الرأي السديد الحَصيف، والمشورة الصادِقة،
والنُّصح الهادِف، والنقد النَّزيه البنَّاء من مُحِبٍّ يستشرِفُ معالِيَ الأمور،
ويسمُو بنفسِه عن كوامِن الغلِّ والشَّحناء، والحسَد والبغضاء.
إضافةً إلى أهمية تحلِّي الزوجين - وفَّقهم الله - بالرحمة والرأفة والعدل والإنصاف
من أنفسهما، وفي أولادهما، والبُعد عن كل ما من شأنِه زرعُ البُغض
والقطيعة والشَّحناء بين أبناء الأُسرة الواحِدة.
وإن الحاجة ماسَّة كي لا تستشرِي هذه القضايا إلى حدِّ الظواهِر المُقلِقة
إلى سنِّ الأنظِمة الرَّادِعة، والتعزيرات الزاجِرة لكل مُرتكِبٍ لها.
كما تبدُو أهمية وضع خُطَط استراتيجيَّةٍ مُتكامِلة تضمنُ الإجراءات الوِقائيَّة
والعِلاجِية لهذه القضايا الاجتماعيَّة، والاضطِلاعُ بمشروعٍ إسلاميٍّ حضاريٍّ عالميٍّ،
لضمان حقوق المرأة والطفل والأُسرة؛ لينعَمَ الجميعُ بالأمان الأسري والسِّلم الاجتماعيِّ.
هذا، وإننا لنحمَدُ الله - تبارك وتعالى - على ما يسَّر من حفظِ واستِتباب أمن
هذه البلاد المُبارَكة من خلال الإنجازات الأمنية الكبيرة،
والاستِباقات المِثاليَّة العظيمة التي تتحقَّقُ - ولله الحمدُ والمنَّة - بفضلِه - سبحانه -،
ثم بما يبذُلُه رِجالُ أمننا المُجاهِدون في سبيلِ الله، ثم في سبيلِ خدمةِ دينِهم
وُولاتهم وأمن بلادِهم، من الكشفِ عن المُخطَّطات الإرهابية،
والقبضِ على البُغاة المُفسِدين المُجرمين في حوادِث التفجير والإرهاب،
وتقديمِهم للعدالة، وتحكيم شرعِ الله فيهم. مما فوَّت الفُرصةَ - بفضل الله –
على المُتربِّصين المُعتدِين.
وكذا الجهودُ العظيمة والإنجازاتُ الكبيرة في مجال مُكافحَة المُخدِّرات،
والقبضِ على مُروِّجِيها ومُهرِّبيها، وتنفيذِ أحكام الله فيهم.
وسيظلُّ - بإذن الله - أمنُ بلاد الحرمين الشريفين،
وتلاحُم ووحدةُ أبنائِها صخرةً شمَّاء تتهاوَى أمامَها سِهامُ الحاقِدين الحاسِدين
{ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }
[ الشعراء: 227 ].
ألا واعلَموا - رحمكم الله - أن أئَضَّ الكلام لفظًا، وأنفعَه وعظًا:
كلامُ من أنزل القرآنَ وتولاَّه حِفظًا، القائلِ في مُحكَم قِيلِه وأصدقِ تنزيلِه:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب: 56 ].
ثـــم الــصــلاةُ مـــع الــســـلامِ لأحــمـــدِ
خـيــرِ الـبــرايــا مـــن بــنِــي الإنــســانِ

والآلِ والـصـحـبِ الـكـرامِ ومـن سـعَــى
لـسـبــيــلِــه مــــن تـــابـــعِ الإحـــســـانِ

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين:
الرحمة المُهداة، والنعمةِ المُسداة: نبيِّنا محمدِ بن عبدِ الله،
وارضَ اللهم عن خلفائِه الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ،
وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزَة الدين،
واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا،
اللهم آمِنَّا في أوطاننا ودِيارِنا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا،
وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا،
اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة،
اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع وُلاة المسلمين لتحكيم شرعِك،
واتِّباع سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -،
اللهم اجعلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم ادفَع عنا الغلا والوبا والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن،
وسُوء الفتن ما ظهر منها وما بطَن عن بلدِنا وسائرِ بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخواننا المُجاهِدين في سبيلِك والمُضطَهدين في دينِهم في كل مكان،
اللهم انصُرهم في فسلطين،
اللهم أنقِذ المسجِد الأقصَى من براثِن اليهود المُعتدِين الغاصِبين المُحتلِّين،
اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين.
اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام وفي العراق، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين،
اللهم أصلِح أحوالَهم،
اللهم احقِن دماءَهم،
اللهم وحِّد صفوفَهم، واجمَع كلمتَهم، ولُمَّ شملَهم على كتابِك
وسُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء،
أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين،
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا،
اللهم أغِث بلادَنا بالخيرات والأمطار، وقلوبَنا بالإيمان واليقين يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
[ البقرة: 201 ].
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم،
واغفِر لنا ولوالدِينا ولوالدِيهم وجميع المُسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات،
إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .


All times are GMT +3. The time now is 02:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.