( العفاف ) 92 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان :
( العفاف )92 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ألقاها الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب 92 - خطبتى الجمعة بعنوان ( العفاف ) الحمد لله وسع كل شيء برحمته، و عمّ كُلَّ حي بنعمته، لا إله إلا هو خضعت الخلائق لعظمته، سبحانه يسبّح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته، أحمده سبحانه و أشكره على سوابغ آلائه و جلائل منته ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبد الله و رسوله خيرتُه من بريته ، و مصطفاه لرسالته ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و عترته ، و التابعين و من تبعهم بإحسان و سار على نهجه و طريقته . أمّــا بــعــد : فاتّقوا الله تعالى أيها المسلمون ، و اعلموا أنّكم إليه راجعون ، و بأعمالكم مجزِيّون ، و عليها محاسَبون ، و أنّ المصيرَ حقٌّ إما إلى جنّةٍ أو إلى نار ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70، 71] ، { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [الأحزاب:15، 16] . عباد الله ، ما طعِمَ الطّاعِمون كالحلالِ الكفافِ ، و ما رِداءٌ خيرٌ من رِداء الحياءِ و العفاف . العَفافُ و العِفَّة ـ أيّها المسلمون ـ سِيمَا الأنبياءِ و حِليةُ العلماء و تاجُ العُبَّاد و الصّلَحاء . العفافُ سلطان من غيرِ تاجٍ و غِنًى من غير مالٍ و قوّة من غيرِ بَطش و خُلُق كريم و صِفة نبيلة . هو عنوان الأسَرِ الكريمة و النفوسِ الزّكية الشريفةِ و دَليل التربية الصالحة القويّة . هو موجِبٌ لظلِّ عرش الرحمنِ ذِي الجلال كما في حديثِ الذي دَعَته امرأةٌ ذات منصب و جمال فقال : إني أخاف الله . و العِفّة و العَفاف سببُ إجابة الدعاءِ و تجاوز الأخطارِ كما ورَد في حديثِ الثلاثة الذين انطبَقت عليهم صخرةُ الغار . الحِرصُ عليه جِبِلّة في البشر و طبعٌ عند أصحابِ العقول و سليمِ الفِطَر . العِفّة ـ أيّها المؤمنون ـ كفُّ النفس عمّا لا يحِلّ و لا يجمُل و ضبطُها عن الشهواتِ المحرَّمة و قصرُها على الحلال مع القناعةِ و الرِّضا . إنّه خلُق زَكِيّ ، يَنبُت في روضِ الإيمان ، و يُسقى بماءِ الحياء و التقوى . إنّه سُمُوّ النفس على الشّهواتِ الدنيئة و ترفُّع الهِمّة عما لا يليق ، بل يفيض هذا الخلُق بكلِّ الخصال النبيلةِ ، فصاحبُه ليس بالهلوعِ و لا الجَزوع و لا المنوع ، كما في سورة المعارج : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } [المعارج:29] ، ثم قال : { أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } [المعارج:35] . إنها جنّةٌ و كرامة ؛ لأنّ العفيفَ كريمٌ على الله حيث أكرَمَ نفسَه في الدنيا عن الدّنَايَا ، فأكرمه الله في الآخرةِ بأعلى الدرجاتِ و أحسَنِ العطايا ، و استحقَّ ميراثَ الجِنان ؛ لأنَّ الميراثَ للطاهرين كما في سورة المؤمنون : { أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون:10، 11] . و في صحيح مسلم لما ذكَر النبيّ صلى الله عليه و سلم أهلَ الجنة فقال : ( منهم عفيفٌ متعفِّف ) . و حين تُعرَض القصَصُ فإنّ أحسَنَها قصّةُ يوسفَ الكريم ابن يعقوبَ ابن خليلِ الله إبراهيم حين يكون العفافُ سيّدَ الموقِف في ظرفٍ تتهاوَى فيه عزائمُ الرّجال الأشدّاء ، فضلاً عن فتًى غريبٍ نائي الأهلِ و الديار ، حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه ، { وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [يوسف:23] . [ مَعَاذَ اللَّهِ ] ، كلِمةٌ عظيمة في موقفٍ عصيب لا يقوَى عليه إلا صاحبُ الإيمان ، فيصبِر عليه السلام رغمَ الوَعدِ و الوعيد و السّجنِ و التهديدِ ، و يتجاوَزُ المحنةَ ، فآتاه الله الملكَ و علَّمه من تأويل الأحاديث ، و أعظم من ذلك أنّه من عبادِ الله المخلَصين . و فيه من العِبَر أنّ العِفَّةَ عاقبتُها الغناءُ و الاستغناء و نورُ القلب و البصيرةُ و الضياء و العِلمُ و الفراسة و التّوفيق ؛ ذلك أنَّ العِفّةَ في حقيقتها مراقبةُ الله تعالى و خوفُه ، و مَن راقب الله في خواطِرِه عصَمَه في حركاتِ جوارحه و أسبغ عليه رضاه ، { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } [البينة:8] ، { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن:46] ، { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:40، 41] . أيّها المسلمون ، و لإهتِمامِ الإسلام بهذا الجانِبِ العظيم و لإمتداحِ الله المؤمناتِ بقوله : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } [النساء:34] فقد حمى الله تعالى أعراضَ المؤمنات ، و صانَ سُمعَتَهن أشدَّ صيانةٍ لكرامتِهن عند الله و حرمةِ جنابِهنّ فقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور:23-26] . بل إنّ مَن قدح في عِرض العفيفة فقد استوجَبَ الحدَّ و سقوطَ العدالة و استحقَّ صِفةَ الفِسق ، { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } [النور:4] . ثمّ تأمّلوا ـ رعاكم الله ـ كيف وصَف العفيفاتِ بالغافلات ، و هو وصفٌ لطيفٌ محمود يصوِّر المجتَمَع البريء و البيتَ الطاهر الذي تشِبّ فيه فتياتُه بعيداتٍ عن الدنايا و الآثام ، يصوِّرُهنّ غافلاتٍ عن لوثَاتِ الطِّباع السّافلة ، غائباتٍ عن المعاني الرّديئة ، ثمّ تأمَّل كيف تتعاوَن الأقلام السّاقِطة و الأفلام الهابِطة لتمزِّقَ حجابَ الغفلةِ هذا ، و يتسابقون و يتنافَسون في هَتكِ الأستار و فتحِ عيونِ الصّغار على ما يستحِي منه الكبار ، و صدق الله العظيم إذ يقول : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا } [النساء:27] . أيها الأحبة في الله : إنَّ العالَم المنفَتِح على الجنسِ المتحلِّلَ منَ الفضيلةِ يئِنّ اليومَ تحت وطأةِ الأمراضِ الوبائية و يجأرُ من التشتُّت الاجتماعيّ و التفكُّك الأسريّ و التحلّل الأخلاقيّ ، كما تشكو نساؤه و أطفالُه آلافَ الحالات من الاغتصابِ و تجارةِ الرذيلة ، و التي نافَسَت تِجارةَ الأسلحة و المخدِّرات ، و يسمّونها تجارةَ الرقيقِ الأبيض ، فأين الحرّيّة و الأمان ؟! و أين الطّمأنينةُ و الاستقرار في هذه الفوضَى العارِمة في اختلالِ الأخلاق و القيَم ؟! إنَّ الحريّةَ الحقيقيّة التي بناهَا الإسلام هي عندَما يحِسّ أفرادُ المجتمع بالأمنِ في حياتهم و أعراضِهم ، فيتحرَّكون بحرّيّةٍ و أمن ، و تنتشِر الثِّقة و الطمأنينة و حُسنُ الظنّ ، و يتفرَّغ الناس لمعاشِهِم و ما يصلِح دينَهم و دنياهم ، و ذلك حين يتربَّى المجتمعُ رجالاً و نساء و ينشؤونَ على مظاهِرِ العِفّة و الحِشمة و الورَع و لزومِ أمر الله تعالى ، فلا شكَّ و لا رِيبةَ ، و لا خيانةَ و لا خَوف ، إنه الأمنُ و الطمأنينةُ و الحريّة ، و لذلك في صدرِ الإسلامِ الأوَّل لم يمنَع ذلك صلاةَ المرأة في المسجِد و مشاركتَها الجيشَ في المعركة و طلَبَها للعِلم و مداواةَ الجَرحى و طلَبَ الرِّزق ، و لم يكُن في أحكامِ الشَّرع ما يمنعُها مصلحةً لها أو لغَيرها ، بل كلُّه حِفظٌ وصيانة كما قال تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [الأحزاب:59] . و إذا تحرَّكتِ المرأة الطاهرةُ و الرجلُ الطاهر في البِيئة الطاهرة وفقَ ما رسمَه الله من أحكامٍ بعيدًا عن الشّبُهات و الملوِّثات فلا سبيلَ لجرثومةٍ أن تنفذَ . أيّها المسلمون ، و حيثَّ إن أعظمَ أبوابِ الشّرّ و أوّلَ مدخلٍ للشيطان هو إطلاقُ البَصَر و الاختلاط لذا صارت أحكامُ الحجابِ و القَرار في البيوت و الأمر بغَضِّ البصر للرجال و النساء ، قال الحقّ سبحانه : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور:30، 31] ، بل حتى في الحديثِ العابِر بين الرّجل و المرأة الأجنبيّة عنه : |
و إذا تحرَّكتِ المرأة الطاهرةُ و الرجلُ الطاهر في البِيئة الطاهرة وفقَ ما رسمَه الله من أحكامٍ بعيدًا عن الشّبُهات و الملوِّثات فلا سبيلَ لجرثومةٍ أن تنفذَ . أيّها المسلمون ، و حيثَّ إن أعظمَ أبوابِ الشّرّ و أوّلَ مدخلٍ للشيطان هو إطلاقُ البَصَر و الاختلاط لذا صارت أحكامُ الحجابِ و القَرار في البيوت و الأمر بغَضِّ البصر للرجال و النساء ، قال الحقّ سبحانه : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور:30، 31] ، بل حتى في الحديثِ العابِر بين الرّجل و المرأة الأجنبيّة عنه : { إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا } [الأحزاب:32] . إنّه سدٌّ لمنافِذِ الشيطان كما في قولِ الله سبحانه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] . أيّها المسلمون ، إنَّ الحياةَ الطاهِرة تحتاج إلى عزائِمِ الأخيارِ ، و أمّا عيشةُ الرذيلة فطريقُها سهلُ الانحدار ، و البيوتُ التي تظِلّها العفّةُ و الحِشمة تورِق بالعزِّ و الكرامة ، أمّا البيوتُ التي يملؤهَا الفحشاء و المنكرُ فلن تنبُتَ إلاّ بالذّلِّ و المهانة ، و إذا أمَر الله تعالى بوقايةِ النفس و الأهل من النارِ التي وقودُها الناس و الحجارة و أخبر النبيُّ صلى الله عليه و سلم ( أنَّ كلَّ راعٍ مسؤول عن رعيّته ) فإنَّ المسلِمَ يجب أن تكونَ له وقفةٌ للهِ لتجنيبِ نفسِه و من يَليه ما جلبته وسائلُ الاتِّصال و البَثِّ مِن ذبحٍ للفضيلة و نشرٍ للرذيلة وإماتةٍ للغيرة ، و كيف يستسيغُ مسلمٌ هذا الغثاءَ المدمِّر ؟! أين الحياء ؟! أين المروءةُ ؟! أين الحِفظُ و الصِّيانة مِن بيوتٍ هيَّأت لناشِئَتها أجواءَ الفتنة و جلَبت لها محرِّضاتِ المنكَر ؛ تجرُّها إلى مستنقَعات الفُحش جرًّا و تَدُعُّها إلى الخطيئةِ دَعًّا ؟! و مع أنَّ شهوةَ الجِنس كشهوةِ الطّعام قد تمتلِئ المعِدة فتفتُر وقتًا عن طلَبها إلاّ أنَّ الذين يحِبّون أن تشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا لم يَفتروا ، بل ملَؤوا الفضاءَ بكلِّ أنواع المثيراتِ و المغرِيات ، و تفنَّنوا في إثارةِ الشّهَوات و إيقادِ لهيبِ الغرائزِ في سُعارٍ أذهل الشيطان . عباد الله : إذا طغتِ الشهواتُ و اختلطَتِ النيات ، فسدَتِ الأوضاع و اضطَرَبت الأحوال و حقَّ العذاب ، و إن تُرِك الحبلُ على الغارِب ، يعيش الناسُ بشَهَواتهم و يعبَثون بأخلاقِهم متجاوِزين حدودَ الله بلا وازعٍ و لا ضابطٍ و بلا رادِعِ و لا زاجر ، فإن وعد الله حق ، و سنة الله لا تحابي أحداً ، { فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ } [هود:116] . و مع كل ذلك التحذير ، فإنَّ التحصين من الداخلِ و التربيةَ الذاتية و زرعَ المراقبةِ لله في السّرِّ و العلَن مسؤولية الجميع ، { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود:117] . بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، و نفعنا بسنة سيد المرسلين ، أقول قولي هذا ، و أستغفر الله تعالى لي و لكم ولسائر المسلمين و المسلمات من كلّ ذنب ، فاستغفروه و توبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم . الحمد لله ربِّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، أحمده تعالى و أشكره ، و أثني عليه و أستغفره ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده و رسوله ، صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين . أمّــا بــعــد : أيّها المسلمون ، إنَّ الغريزةَ الجنسيّةَ مطبوعةٌ في دمِ الإنسان ، و الله تعالى هو الذي خلَقَها بأمرِه و عِلمِه و حِكمتِه و ابتلائِه لخَلقِه ، و جعلها وسيلةَ البقاء البشريّ ، و هو سبحانه أعلَمُ بما يُصلِحها ، { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14] . إنَّ الإسلامَ لم يتجاهَل هذه الغريزةَ ، و لم يقتُلها بالرّهبانيّة ، و لا أطغاهَا بالإباحيّة ، بل جَعَل لها شاطئًا آمنًا تسبَح إلى بحره ، و تطهُر في مائِه و تحيَا ببقائِه ، إنّه الزواج ، أنبلُ صِفةٍ عرَفَتها الإنسانيّة لتكوينِ الأسرةِ و تربيةِ الأولاد و نشرِ الألفةِ و الرّحمة و سكينةِ النفس في جوٍّ زّكيٍّ طهور ، مع ضبطِ المشاعر و ترشيدِها نحوَ مكانها الصّحيحِ بدلاً من ضَياعِها و تيهِها في العَبَث و الفساد . و المسلمُ مأمورٌ ببلوغ هذا المدَى حتى يتحصَّنَ بالحلال : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور:33] . و قد كان مِن دعاءِ عباد الرحمن في القران : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان:74] . و حتى بعدَ الزواج فينبغِي تنميةُ جانبِ العفّة و الصيانة ، و مِنه ما يُشرَع للمرأة مِنَ التحبُّب لزوجِها و التودُّد و حُسن التبعُّل و قصرِ عينه لئلاَّ يتطلَّع لغيرها . و كذلك الزوجُ ، يكفِي زوجتَه ، و يشبِع عاطفتَها بالكَلِمة الطيّبة و العِشرة الحسنة و جبرِ الخواطر و سدِّ مداخل الشيطان و أداءِ أمانة القِوامة في الأهل و الأولادِ و القيام بأمرِ الله في كل شؤون الحياة . و المؤمنُ أسيرٌ في الدنيا يسعَى في فكاكِ رقبته ، لا يأمن نفسَه حتى يلقَى الله عزّ و جلّ ، يعلَم أنّه مأخوذٌ عليه في سمعِه و بصرِه و لسانِه و جوارحِه ، و من يستعفِف يعفّه الله ، و في الحديث : ( احفَظِ اللهَ يحفَظك ) و مَن كرُم عند الله فلن يخزيَه و لن يسوؤَه . أسأل الله تعالى لي و لكم الهدى و التّقَى و العفافَ و الغنى . هذا و أعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه و ثنى بملائكته ثم أمركم به ، فصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل فقال جلّ مِن قائل سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب:56] . اللهم صلِّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين و على أزواجه أمهات المؤمنين و أرضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، و عن الصحابة أجمعين و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، و عنَّا معهم بعفوك و إحسانك و جودك يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين . و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه : ( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) . فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ، و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ، و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ، يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء . اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ، و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك . اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين . اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ، و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ، و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ، و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم اللهم و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و جمع شملهم ... ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم . أنتهت |
All times are GMT +3. The time now is 02:18 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.