بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   خطب الحرمين الشريفين (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : الهمم العالية ومنزلة السابقين‎ (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=43894)

حور العين 01-09-2017 04:18 PM

خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : الهمم العالية ومنزلة السابقين‎
 
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


ألقى فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
الهمم العالية ومنزلة السابقين


والتي تحدَّث فيها عن علو الهمَّة وأنه ينبغي للعبد أن تعلُو همَّتُه،
ويرتفع طموحُه في سَيره إلى الله تعالى بتحصيل أعلى الغايات وأرفعها قَدرًا،
مُبيِّنًا عظمةَ السابِقين وثناء الله تعالى عليهم في كتابِه في غير موضعٍ،
كما حثَّ المُسلمين على الاتِّصاف بصِفاتهم لينالُوا درجاتهم عند الله.



إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه،
ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له،
وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،
وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ].

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }

[ النساء: 1 ].

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

[ الأحزاب: 70، 71 ].



فإن من الخِصال الجَميلَة، والصفات الحَميدة، والأخلاق الرَّفيعَة: الهِمَّةَ العالِية.
والناسُ إنما تعلُو أقدارُهم، وترتفعُ منازِلُهم بحسَب علُوِّ هِمَمهم، وشريف مقاصِدِهم.
والمُؤمنُ العاقلُ الرَّشيد يحرِصُ على ما ينفَعُه، وما فيه خيرُه وصلاحُه،
ويسعَى في طلبِ الرُّتَب العُليَا في الخير، والسَّبْقِ إلى مرضَاةِ الله تعالى،
ومن لم يطلُبِ الكمالَ بقِيَ في النقص، ومن لم تكُن له غايةٌ سامِيَة قصَّر في السَّعيِ،
وتوانَى في العمل.

روى الطبرانيُّ في "المعجم الكبير" من حديث الحُسين بن عليٍّ - رضي الله عنهما -،
أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

( إن الله تعالى يُحبُّ معالِيَ الأمور وأشرافَها، ويكرَهُ سَفسَافَها )

وسَفسَافُ الأمور: الحقيرُ والرَّدِيءُ منها، وتوافِهُها التي تُنبِئُ عن الخِسَّة
والدناءَة وعدم المُروءة.
وقد أخبَرَ الله - سبحانه - في كتابِه المُبين عن فِئةٍ مُؤمنةٍ مُبارَكة علَت نفوسُ أصحابها،
وسمَت هِمَمهم، وقوِيَت عزائِمُهم، ذكَرَهم الله مُشِيدًا بهم، مُثنِيًا عليهم بقولِه:

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }
[ الواقعة: 10، 11 ].
قال جماعةٌ من المُفسِّرين: التكريرُ في قولِهِ تعالى:

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }
للتفخِيمِ والتعظيم .
كما خصَّ بعضُ العلماء معنى الآية بأشياء؛
فقال عُثمان بن أبي سَودَة: هم السابِقون إلى المساجِد".
وقال ابنُ سِيرين: "هم الذين صلَّوا إلى القِبلَتَين".
وقال كعبٌ: "هم أهل القرآن". وقيل غير هذا مما هو جُزءٌ من الأعمال الصالحة.

والآيةُ أعمُّ من ذلك وأشمَلُ؛ فالسابِقُون هم الذين سبَقَت لهم السعادة،
وكانت أعمالُهم في الدنيا سَبقًا إلى التوبةِ، وأعمالِ البرِّ، وتركِ المعاصِي،
وهم المُبادِرُون إلى فعلِ الخيرات، كما قال - سبحانه -:

{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
[ المائدة: 48 ]
وقال الله - جلَّ ثناؤُه -:

{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ }
[ آل عمران: 133 ]
وقال تعالى:

{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }
[ الحديد: 21 ].
فمن سابَقَ في هذه الدنيا، وسبَقَ إلى فعلِ الخير كان في الآخرة من السابِقِين
إلى الكرامَة، قال تعالى:

{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }
[ المؤمنون: 61 ].

والسابِقُون في الآخرة إلى الرِّضوان والجناتِ هم السابِقُون
في الدنيا إلى الخيرات والطاعات، وعلى قَدر السَّبقِ هنا يكون السَّبقُ هناك؛
فإن الجزاءَ من جِنسِ العمل.
والسابِقُون هم الذين صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عليه، وصبَرُوا على ما أصابَهم،
وثبَتُوا على الدين، وكانوا دُعاةً للحقِّ والخير.
والسابِقُون هم أصحابُ مرتبةِ الإحسان التي بيَّنها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه:

( الإحسانُ: أن تعبُدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكُن تراه فإنه يرَاك )

والسابِقُون هم الذين وحَّدُوا اللهَ، ولم يقَع في عملِهم شِركٌ، ثم أدَّوا الفرائِضَ والواجِبات،
وزادَ نشاطُهم فأدَّوا النوافِلَ والمُستحبَّات زيادةً على الواجِبات،
وسارَعُوا إلى مرضَاة الله بأداء النوافِلِ، وترَكُوا المُحرَّمات واجتنَبُوها،
وزادُوا على ذلك فترَكُوا المكرُوهات كراهةَ التنزيه،
وترَكُوا أيضًا فُضُولَ المُباحات فلم يتوسَّعُوا فيها؛ خشيةَ الوقوعِ
في المكرُوهات والمُحرَّمات.

أيها الإخوة:

ومما يُلحَظُ في هذه الآيات: أن الله - جلَّ ثناؤُه - لم يذكُر الشيءَ الذي سبَقَ إليه
هؤلاء السابِقُون؛ فلم يقُل: سبَقُوا إلى كذا، ولا إلى كذا، وهذا - كما ذكَرَ بعضُ العُلماء
لقَصد جعل وصفِ (السابِقُون) بمنزلَةِ اللَّقَبِ لهم، وليُفيدَ العُموم؛
أي: أنهم سابِقُون فيكل ميدانٍ تتسابَقُ إليه النفوسُ الزكيَّة، كقولِه تعالى:

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }
[ المطففين: 26 ].
وقولُه تعالى:

{ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }
[ الواقعة: 11، 12 ]
أولئك: أي أصحاب الرَّتَب العلِيَّة من الذين هم أصحابُ المَيمَنة المُقرَّبُون،
أي: الذين اصطفَاهم الله تعالى للسَّبق، ولولا فِعلُه في تقريبِهم لم يكُونوا سابِقِين.
وهؤلاء السابِقُون في أعلى الجِنان، وأعلى الجِنان أقرَبُ إلى الرحمن؛
لأن الفردوسَ - وهو أعلى درجاتِ الجنة - فوقَه عرشُ الله - عز وجل -.

{ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }
ذكَرَ منزلتَهم قبل ذِكر منزلِهم؛ فبدأَ بذِكر الثوابِ؛
لأن قُربَهم من الله - عز وجل - فوقَ كل شيءٍ.
جعلَني الله وإياكم منهم، وأكرَمَنا بفضلِه ومِنَّتِه، ورزَقَنا الفردوسَ من الجِنان.
وقولُه:

{ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }
أي: الذي لا نعيمَ غيره؛ لأنه لا كدَرَ فيه بوجهٍ ولا مُنغِّص.

وكما ذكَرَ الله جزاءَ السابِقِين المُقرَّبين في أول سُورة الواقِعة،
ذكَرَه في آخرها وذلك في قولِه:

{ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ }

[ الواقعة: 88، 89 ].

والسابِقُون من هذه الأمة في الصَّدر الأول أكثرُ من مُتأخِّريها،
قال الله - عز وجل -:

{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ }
[ الواقعة: 13، 14 ]
وهذا يدلُّ على فضلِ صَدر هذه الأمة في الجُملة؛
لكَون المُقرَّبين من الأولين أكثرَ من المُتأخِّرين.

معاشر المسلمين:

وأما إن سألَ أحدُنا عن إمكان الوصولِ إلى منازِلِ أولئك المُقرَّبين،
والسَّبيل إلى اللِّحاق برَكبِهم، فإن ذلك يكونُ لمن وفَّقَه الله تعالى للعمل بعملِهم،
والسَّير على نهجِهم في الاعتِقادات والأقوال والأعمال، والاتِّصاف بصِفاتهم الحميدة.
وقد بيَّن الله تعالى فضلَ السابِقين والذين اتَّبَعوهم بالإيمانِ والطاعةِ بقولِه:

{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }

[ التوبة: 100 ].

فصرَّح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن الذين اتَّبَعُوا السابِقِين الأولين من المُهاجِرين
والأنصار بإحسانٍ، أنهم داخِلُون معهم في رِضوانِ الله تعالى،
والوَعد بالخُلُود في الجناتِ والفوز العظيم.


All times are GMT +3. The time now is 02:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.