بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   خطب الحرمين الشريفين (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : آثارُ محبَّة الله عزَّ وجل (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=45689)

حور العين 03-27-2017 08:09 PM

خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : آثارُ محبَّة الله عزَّ وجل
 
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
آثارُ محبَّة الله عزَّ وجل


والتي تحدَّث فيها عن محبَّة الله تعالى وكيفية تحصِيلِها،
مع ذِكرِ كثيرٍ من الأدلَّة من الكتابِ والسنَّة على ذلك .


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا
ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له،
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له،
وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه،
وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، واستمسِكُوا من الإسلامِ بالعُروَةِ الوُثقَى.

أيُّها المسلمون:
أوجَدَ الله الخلقَ لعبادتِه الجامِعة لمحبَّته ورجائِه وخشيَتِه،
وعلى هذه الثلاثة الأصُول تُبنَى العِبادة، والمحبَّةُ أعظمُ هذه الأركان،
فأصلُ كل فعلٍ وحركةٍ إنما هو من المحبَّة والإرادة.
ومحبَّةُ الله من أعظم واجِبات الإيمان وأكبر أصُولِه، بل هي مقصُودُ الخلق والأمر،
وأصلُ كل عملٍ من أعمال الإيمان والدين،
وغايةُ العبادة إنما هو كمالُ الحبِّ والخُضوعِ لله تعالى، ولأجلِها تنافسَ السابِقُون،
ولا شيء أحبَّ إلى القلوبِ السليمة مِن خالقِها وفاطِرِها.

وأصلُ التوحيدِ ورُوحُه إخلاصُ المحبَّة لله وحدَه، ولا يتِمُّ حتى تكمُلَ محبَّةُ العبد لربِّه،
وتسبِقُ محبَّتُه جميعَ المحابِّ، فأصلُ الدين الإخلاصُ فيها،
ومنشَأُ الشِّرك وأصلُه من التَّشرِيكِ فيها.

والله امتدَحَ عبادَه المُؤمنين بإخلاصِ المحبَّة له، وذمَّ المُشرِكين بالتندِيدِ فيها، فقال:

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }

[ البقرة: 165 ].
وجعلَها أخصَّ خِصال أوليائِه فقال:

{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }
[ المائدة: 54 ].

وإذا أخلصَ العبدُ محبَّتَه لله ذاقَ حلاوةَ الإيمان وطعمَه،
قال - عليه الصلاة والسلام -:

( ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان وطعمَه :
أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله،
وأن يكرَهَ أن يعودَ في الكُفر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار )

متفق عليه.

وصِدقُ المحبَّة خيرُ زادٍ ليوم المعاد، وهي نِعمَ العُدَّة للِقاءِ الله.
سألَ رجُلٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -:

( متى الساعة ؟
فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أعددتَ لها؟
قال: ما أعددتُ لها مِن كثيرٍ صلاةٍ، ولا صومٍ، ولا صدقةٍ،
ولكنِّي أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: أنت مع مَن أحبَبتَ )

رواه البخاري.

ومنازِلُ العباد عند الله على قَدر حبِّهم وخضُوعِهم له.
قال بكرٌ المُزنيُّ - رحمه الله -:
" ما فاقَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - بكثرةِ صلاةٍ ولا صَومٍ، ولكن بشيءٍ كان في قلبِه ".

قال ابنُ عُلَيَّة - رحمه الله -:
" الذي كان في قلبِه: الحبُّ لله والنصيحَةُ في خلقِه ".

ومَن ذاقَ مِن خالصِ محبَّة الله شغلَه ذلك عن جميعِ المحابِّ، فلا يأنَسُ إلا بربِّه،
ولا يتعلَّقُ بغيرِه، والله توعَّدَ المُعرِضِين عن محبَّتِه بقولِه:

{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

[ التوبة: 24 ].

وتحصِيلُ هذه المحبَّة يكونُ بما سنَّه الله وشرَعَه،
وأعظمُ الأسباب المُوجِبَة لمحبَّة العبدِ ربَّه: العلمُ بأسمائِه وصفاتِه،
فهو المحبُوبُ لذاتِه وكمالِ صِفاتِه، فجمالُه تعالى وكمالُه وأسماؤُه
وصفاتُه تقتَضِي مِن عبادِه غايةَ الحبِّ والخُضُوعِ والطاعةِ له.
وكلُّ اسمٍ وصِفةٍ له - سبحانه - فيه من وجوه الدلائِلِ عليه تعالى ما يستحِقُّ لأجلِه
المحبَّةَ الكامِلةَ مِن عبادِه، ولهذا تعرَّفَ الله بها إلى خلقِه،
وأكثَرَ مِن ذكرِها في كتابشه وفي سُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؛
ليُذكَرَ بها الربُّ ويُشكَر.
وتفاوُتُ مراتِبِ الخلقِ في محبَّته على حسب تفاوُتِ مراتبِهم في معرفتِه والعلمِ به؛
فأعرَفُهم به أشدُّهم حبًّا له.

ومِن مُوجِباتِ محبَّة الله: كثرةُ ذِكرِه؛ فدوامُ الذِّكر يُورِثُ المحبَّة،
وسُنَّةُ الله في خلقِه أن مَن أكثَرَ مِن ذكرِ شيءٍ أحبَّه، ومَن أحبَّ شخصًا أكثرَ ذِكرَه،
والله أحقُّ مَن يُحبُّ، وأجَلُّ مَن يُذكَر.
والنفوسُ تُحبُّ مَن أحسنَ إليها، والله هو المنعِمُ المُحسِنُ إلى عبادِه بالحقيقةِ،
وهو المُتفضِّلُ بجميعِ النِّعَم، وإن جرَت بواسِطةٍ فهو المُيسِّرُ لها،
ومُسبِّبُ الأسبابِ وحدَه، قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }

[ فاطر: 3 ].

والتفكُّرُ في ملَكُوت السماوات والأرض يدعُو صاحِبَه لمحبَّة الله وتعظيمِه؛
فالقلوبُ مفطُورةٌ على محبَّة الكمال، ولا كمالَ على الحقيقةِ إلا له - سبحانه -.
والإقبالُ على الطاعةِ بصِدقٍ وإخلاصٍ سببٌ لفضلِ الله على عبدِه،
فيُثيبُه لذَّةَ محبَّته وأُنسَ مُناجاتِه.
وتلاوةُ كِتابِ الله وتدبُّرُ آياتِه حياةٌ للقلوبِ وطهارةٌ للنفوسِ؛ ذِكرٌ، وهُدًى، وموعِظةٌ،
وشِفاءٌ، ومَن لزِمَه أحبَّ ربَّه وأعرضَ عمَّا سِواه.

قال عُثمانُ - رضي الله عنه -:
" لو طهَرَت قلوبُنا ما شبِعَت مِن كلامِ الله "

ولا سبيلَ للوصولِ إلى حبِّ الله والتقرُّبِ منه إلا على سبيلِ الذلِّ له - سبحانه -،
وانكِسار القلبِ بيد يدَيه، والدعاءُ يجمَعُ ذلك كلَّه.
والبُعدُ عن الشُّبُهات والشَّهوات سبيلُ الصلاحِ والاستِقامة،
والصُّحبةُ الصالِحةُ خيرُ عَونٍ على ما يُحبُّه الله ويرضَاه.
وذِكرُ الجنَّة وما فيها من النَّعيم وأعلى ذلك رُؤيةُ الربِّ الكريمِ يبعَثُ على حبِّ الله
وحبِّ لِقائِه، ومَن أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لِقاءَه.
والمحبَّةُ الصادِقةُ تظهَرُ على الجوارِحِ، فلا يكون صاحِبُها إلا مُخلِصًا عبادتَه لله،
مُتَّبِعًا لرسولِ الله.
قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -:
زعمَ قومٌ حبَّ الله، فامتَحَنَهم الله بقولِه:

{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي }
[ آل عمران: 31 ]

وإذا صحَّت المحبَّةُ استقامَ مُقتضاها، فأحبَّ العبدُ لله، وأبغَضَ لله،
والله وصَفَ مَن يُحبُّهم بقولِه:

{ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }
[ المائدة: 54 ].

ومَن أحبَّ مَن يُحبُّ اللهَ فإنما أحبَّ الله، ومَن صدَقَت محبَّتُه لله أحبَّ الطاعةَ وامتثَلَها،
وأبغَضَ المعصِيةَ واجتنَبَها، وعمَرَ وقتَه بذِكر ربِّه، ومَن أحبَّ اللهَ أحبَّ كلامَه،
وانشرَحَ صدرُه له.

قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
" وإذا أردتَ أن تعلمَ ما عندك وعند غيرِك مِن محبَّة الله،
فانظُر محبَّةَ القرآن من قلبِك، والتِذاذَك بسماعِه ".

وإذا تمكَّنَت المحبَّةُ في القلبِ أقبلَ على الله راجِيًا رحمتَه، خائِفًا مِن سخَطِه،
فيصلُحُ بذلك الجسَدُ كلُّه، لا يمَلُّ قُربةً، ولا يسأَمُ مِن طاعةٍ، راضِيًا بقضاءِ الله وقَدَرِه،
مُوقِنًا بأن اختِيارَ الله خيرٌ مِن اختِياره، فيترقَّى في درجاتِ الإحسان؛
حتى يصِيرَ الغَيبُ عنده كالشهادة.
والله موصُوفٌ بصِفاتِ الجلالِ، منعُوتٌ بنُعوتِ الجمال،

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
[ الشورى: 11 ]


All times are GMT +3. The time now is 02:13 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.