الحلقة ( 408 ) من دين و حكمة - أحكام الزواج 37
( الحلقة رقم : 408 ) { الموضوع الـعاشر الفقرة 37 } ( أحكــام الـزواج ) أخى المسلم نواصل معكم اليوم الموضوع الـعاشر من مواضيع دين و حكمة الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيد الأولين و الأخرين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و من أهتدى بهديه إلى يوم الدين . قال أبن مسعود لو لم يبق من أجلى إلا عشرة أيام و أعلم أنى أموت فى آخرها و لى طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة أخى المسلم نستكمل حديثنا عن آداب المعاشرة و ما يجرى فى دوام النكاح الآدب الثانى عشر : فى الطلاق و ليُعَلم إنه مباح و لكنه أبغض المباحات إلى الله تعالى و إنما يكون مباحا إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل و مهما طلقها فقد آذاها و لا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه قال تعالى { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } النساء من الآية 34 أى لا تطلبوا حيلة للفراق و إن كرهها أبوه فليطلقها قال أبن عمر رضى الله تعالى عنهما [ كان تحتى إمرأة أحبها و كان أبى يكرهها و يأمرنى بطلاقها فراجعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عليه الصلاة و السلام : ( يا أبن عمر طلق إمرأتك ) رواه أصحاب السنن و قال الترمذى حديث حسن صحيح هذا يدل على إن حق الوالد مقدم و لكن والد يكرهها لا لغرض فاسد و مهما آذت زوجها و بذأت على أهله فهى جانية و كذلك مهما كانت سيئة الخلق فاسدة الدين قال أبن مسعود فى قوله تعالى { وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } الطلاق من الآية 1 مهما بذأت على أهله و آذت زوجها فهو فاحشة و هذا أُريد به فى العدة و لكنه تنبيه على المقصود و إن كان الآذى من الزوج فلها أن تفتدى ببذل مال و يكره للرجل أن يأخذ منها أكثر مما أعطى لها فإن ذلك إجحاف بها و تحامل عليها و تجارة على البضع قال تعالى { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } البقرة من الآية 229 فرد ما أخذته ، فما أخذته فما دونه بالفداء فان سألت الطلاق بغير ما بأس فهى آثمة قال صلى الله عليه و سلم ( أيما امراه سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة ) و فى لفظ ( فالجنة عليها حرام ) رواه أبو داود و الترمذى و حسنه و أبن ماجة و أبن حبان من حديث ثوبان أخى المسلم يجب أن يراعِ الزوج فى الطلاق أربعة أمور الأمر الأول : أن يطلقها فى طهر لم يجامعها فيه فإن الطلاق فى الحيض أو الطهر الذى جامع فيه يدعى حرام و إن كان واقعا لما فيه من تطويل العدة عليها فإن فعل ذلك فليراجعها طلق أبن عمر رضى الله تعالى عنهما زوجته فى الحيض فقال صلى الله عليه و سلم لعمر : ( مُرهُ فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها و إن شاء أمسكها ) فتلك العدة التى أمر الله أن يُطَلق لها النساء حديث متفق عليه من حديث أبن عمر و إنما أمره بالصبر بعد الرجعة طهرين لئلا يكون مقصود الرجعة الطلاق فقط الأمر الثانى : أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود و يستفيد بها الرجعة إن ندم فى العدة و تجديد النكاح إن أراد بعد العدة و إن طلقها ثلاثا ربما ندم فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل و إلى الصبر مدة و عقد المحلل منهى عنه و يكون هو الساعى فيه ثم يكون قلبه معلقا بزوجة الغير و تطليقه أعنى زوجة المحلل بعد أن زوج منه ثم يورث ذلك تنفيرا من الزوجة و كل ذلك ثمرة الجمع و فى الواحدة كفاية فى المقصود من غير محذور و لست أقول الجمع حرام لكنه مكروه بهذه المعانى و أعنى بالكراهة تركه النظر لنفسه الأمر الثالث : أن يتلطف فى التعلل بتطليقها من غير تعنيف و إستخفاف و يجب أن يطيب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع و الجبر لما فجعها به من آذى الفراق قال تعالى { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ } البقرة الآية 236 و ذلك واجب مهما لم يسم لها مهراً فى أصل النكاح أخى المسلم كان الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما مطلاقا و منكاحا و وجه ذات يوم بعض أصحابه لطلاق أمرأتين من نسائه و قال قل لهن أعتدا و أمره أن يدفع إلى كل واحدة عشرة الآف درهم ففعل فلما رجع إليه قال ماذا فعلتا ؟ قال أما إحداهن فنكست رأسها و تنكست و أما الأخرى فبكت و أنتحبت و سمعتها تقول متاع قليل من حبيب مفارق فأطرق الحسن و ترحم لها و قال [ لو كنت مراجعا أمرأة بعدما فارقتها لراجعتها ] دخل الحسن رضى الله تعالى عنهما ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضى الله تعالى عنه فقيه المدينة و رئيسها و لم يكن له بالمدينة نظير و به ضربت المثل أم المؤمنين أمنا السيدة / عائشة / رضى الله تعالى عنها و عن أبيها حيث قالت : [ لو لم أسر مسيرى ذلك لكان أحب إلىَّ من أن يكون لى ستة عشراً ذكرا من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ] فدخل عليه الحسن فى بيته فعظمه عبد الرحمن و أجلسه فى مجلسه و قال [ ألا أرسلت لى فكنت أجيئك فقال الحاجة لنا قال و ماهى قال جئتك خاطبا أبنتك فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه و قال و الله ما على وجه الأرض أحد يمشى عليها أعز علىَّ منك و لكنك تعلم أن أبنتى بضعة منى يسوءنى ما ساءها و يسرنى ما سرها و أنت مطلاق فأخاف أن تطلقها و إن فعلت خشيت أن يتغير قلبى فى محبتك و أكره أن يتغير قلبى عليك فأنت بضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك فسكت الحسن و قام و خرج و قال بعض أهل بيته سمعته و هو يمشى و يقول ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل أبنته طوقاً في عنقى ] و كان على رضى الله تعالى عنه يضجر من كثرة تطليقه فكان يعتذر منه على المنبر و يقول رضى الله تعالى عنه فى خطبته [ إن حسناً مطلاقا فلا تنكحوه ] حتى قام رجل من همدان فقال و الله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب أمسك و إن شاء ترك فسر ذلك عليا رضى الله تعالى عنه و قال [ لو كنت بوابا على باب الجنة لقلت لهمدان أدخلى بسلام ] و هذا تنبيه على أن من طعن فى حبيبة من أهل و ولد بنوع حياء فلا ينبغى أن يوافق عليه فهذه الموافقة قبيحة بل الآدب المخالفة ما أمكن فان ذلك أسر لقلبه و أوفق لباطن ذاته و إن القصد من هذا بيان أن الطلاق مباح وقد وعد الله الغنى فى الفراق والنكاح جميعا فقال تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور الآية 32 و قال سبحانه و تعالى { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً } النساء 130 الأمر الرابع : أن لا يفشى سرها لا فى الطلاق و لا عند النكاح فقد ورد فى إفشاء سر النساء فى الخبر الصحيح وعيد عظيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن أعظم الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلى إمراته و تفضى إليه ثم يفشى سرها ) رواه مسلم من حديث أبى سعيد رضى الله تعالى عنه و يروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق إمراته فقيل له ما الذى يريبك فيها فقال العاقل لا يهتك ستر أمراته فلما طلقها قيل له لم طلقتها ؟ فقال مالى و لا إمراة غيرى و هذا بيان ما على الزوج فعله أخى المسلم نكتفى بهذا القدر و نستكمل إن شاء الله تعالى فى الحلقة القادمة فأنتظرونا و لا تنسونا من صالح الدعوات حكمة و عظة اليوم حكايات عن البخلاء قيل كان بالبصرة رجل موسر بخيل فدعاه بعض جيرانه و قدم إليه طباهجة ببيض فأكل منه فأكثر و جعل يشرب الماء فأنتفخ بطنه فنزل به الكرب و الموت فجعل يتلوى فلما جهده الأمر وصف حاله للطبيب فقال لا بأس عليك تقيأ ما أكلت فقال : هاه .. أأتقيأ طباهجة ببيض ؟ الموت و لا ذلك ،، الموت و لا ذلك و إلى اللقاء فى الحلقة القادمة إن كان فى العمر بقية إن شاء الله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أخيكم الفقير إلى عفو ربه و مغفرته هشام عباس محمود |
All times are GMT +3. The time now is 08:49 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.