لقد أجمعتِ الأمة على تحريم النميمة؛ فهي من أعظم الذنوب والكبائر،
( شرُّ عباد الله المشَّاؤون بالنّميمة ، المُفرِّقون بين الأحبَّة ، الباغون للبُرآء العَنَت )
النميمة مبنيةٌ على الكذِب والحسَد والنفاق، وهذه خصال الذلّ،
وكفَى بذلك قُبحًا وذمًّا وسوءًا .
النميمةُ من شرِّ ما مُنِيَت به الفضائل ورُزِئَت به العلاقات،
والنّميمة -وقاكم الله- تكون بالقول وبالكتابة وبالرمز وبالإشارة وبالإيماء .
والنّميمةُ تقعُ بين الأُسَر والأزواج، تُضرِمُ النار في البيوت العامرة،
وتنشُر الفُرقة في الأُسَر الكريمة، تُوغِر الصدور، وتُقطِّع الأرحام،
وتقعُ في الموظَّفين والمسؤولين وأصحابِ الأعمالِ بقصد إلحاق الضرر
والحرمان منَ المُستحقَّات المالية والوظيفية.
وليَحذر الكبراء والوُجهاءُ والعلماء من بعضِ الجُلساء؛
ممن قلَّت ديانتُهم، وضعُفَت أمانتُهم، الذين يُرضون الناسَ بسخطِ الله،
فعلى هؤلاء الفُضلاء الكُرماء التثبُّت فيما يُنقَل، والتمحيصُ فيما يُقال،
حتى لا تُبسَط أيدي، وتقوى أطماع،
ومن ثمَّ تحُلُّ العقوبة بالأبرياء، وتُؤكَل أموال الضعفاء .
ومن حُمِلت إليه النميمة، أو بلَغته الوِشاية،
أو حضَر مجلسَ نمَّام أو سمِعه، فينبغِي أن لا يُصدِّقه، فإنما هو فاسق،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }
كما يجبُ بُغض هذا المسلَك والنفرةُ منه،
فهو معصيةٌ من أكبر المعاصي، وكبيرةٌ من كبائرِ الذنوب.
والأجملُ بالمسلم والأجدَر أن لا يُسيءَ الظنَّ بأخيه الذي نُقِل عنه الكَلام،
ثمّ إذا سمِع كلامًا أو بلغَه حديث فلا يتجسَّس ولا يتتبَّع،
وليحذَر أن يكونَ نمَّامًا ليحكِيَ ما بلَغه وينقُل ما سمِعه.
ومن قَبل ذلكَ وبعدَه فليتّق الله، ولينصَح وليُنكِر بالحكمة والموعظة الحسنة؛
فالخطر عظيم، والأثر جسيم، نصحًا لإخوانه، وحبًّا لهم، وشفقةً عليهم،
فيسعَى في كلِّ ما يُؤلِّف القلوبَ، ويجمَع الكلِمة،
ويحفظ المودّة، وينبذ الفُرقة، ويُجنِّب البغضاء.
فاحذروا رحمكم الله وعافاكم، ومحِّصوا، وتحقَّقوا، ولا تتَعجَّلوا،
واعفوا واصفَحوا واغفروا، واسمعوا وأطيعوا .
سعى رجلٌ إلى عليٍّ رضى الله تعالى عنه برجلٍ،
فقال عليٌّ رضى الله تعالى عنه :
" يا هذا ، إن كنتَ صَادقًا فقد مَقَتناك ، و إن كنت كاذبًا عاقبناك ،
وإن شئتَ الإقالَة أقلناك ، فقال : أقِلني يا أمير المؤمنين " .
وسعى رجلٌ باللّيث بن سعد إلى والي مِصر، فبعث الوالي إلى الليث،
فلما دخل عليه قال الوالي:
يا أبا الحارث، إنَّ هذا أبلغني عنك كذا وكذا،
فقال الليث: سَلْه عما أبلَغَك :
أهو شيءٌ ائتمنَّاه عليه فخاننا فيه فما ينبغي أن تقبَل من خائن،
أو شيءٌ كذبَ علينا فيه فما ينبغي أن تقبَل من كاذب ؟
فقال الوالي: صدقتَ يا أبا الحارث.
وجاء رجلٌ إلى وهبِ بن مُنبِّه فقال :
إنّ فلانًا يقول فيك كذا وكذا،
فقال : أما وجدَ الشيطانُ بريدًا غيرَك ؟!