ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله –
والتي تحدَّث فيها عن واقع المسلمين اليوم من الفتن والابتلاءات التي حلَّت بهم،
وأنه لا مخرَج منها إلا بالتمسُّك بالوحيَيْن،
وأوضحَ الواجِب على المُسلمين اليوم حُكَّامًا وعلماء
تُجاه قضايا إخوانهم المسلمين في كل مكان، وحذَّر طلبة العلم من إصدار فتاوى
دون الرجوع إلى أهل العلم الراسِخين.
الحمد لله ناصِر المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالِحين،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ الخلق أجمعين،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ صلاةً وسلامًا إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
إن ما يُحيطُ بالمُسلمين من مصائِب وشُرور،
وما يقعُ ببعضِ بُلدانهم من مِحَنٍ وظلمٍ وفسادٍ عريضٍ لَيستوجِبُ علينا
جميعًا التعاوُن والتكاتُف، والتعاضُد والتناصُر لإقامة الحق والعدل،
ودفع الباطل والظلم، يقول ربُّنا - جل وعلا -:
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }
فالمؤمنونُ كالجسَد الواحد يشدُّ بعضُهم بعضًا، إخوةً في السرَّاء والضرَّاء،
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - قائدُ الأمة جمعاء يقول:
( المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضًا وشبَّك بين أصابعِه؛
إشارةً إلى لُزوم هذا الأمر )
في تطبيقات النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه القاعِدة العظيمة يُذكِّرُنا بقولِه:
( مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفِهم
مثَلُ الجسَد الواحِد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسهَر والحُمَّى )
المُسلِمون في المنظور القُرآنيِّ وفي المسلَك النبويِّ
هو ما يُسطِّرُه قولُه - صلى الله عليه وسلم -:
( المُسلمُ أخو المُسلم، لا يظلِمُه ولا يُسلِمه، من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجَته،
ومن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة،
ومن ستَرَ مُسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة )
من هذه الأُسس العظيمة والأُصول المتينة النابِعة من القرآن والسُّنَّة
التي أساسُها التوحيدُ وطاعةُ الله - جل وعلا -؛
فإن من أعظَم المُوبِقات وأشدِّ المُحرَّمات:
السعيُ في سفك دماء المُسلمين، أو هتْك أعراضِهم، أو الاعتِداء على أموالِهم.
ألم يقل الله - جل وعلا - في كتابِه العظيم:
{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }
هل بعد هذا البيان من بيانٍ - أيها المسلم -؟!
هل بعد هذا البيان الذي بلغَ من البيان أوضحَه؟! هل هناك أبلغ من هذا الزَّجْر؟!
فما بالُ بعض البشر يتهاوَنُ في هذا الأمر
وهو من ورطَات الأمور التي لا مخرَج منها،
كما قال ابن عمر - رضي الله عنهما
في "الصحيح" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( المُسلمُ أخو المُسلم لا يخونُه ولا يكذِبُه ولا يخذُلُه،
كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ؛ عِرضُه ومالُه ودمُه )
ويقول - صلى الله عليه وسلم -:
( لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا )
إن المُسلمين اليوم وقد عمَّهم الخِزيُ والعارُ بما يُسفَك في أرضِهم من دماءٍ،
إن الواجبَ عليهم، إن الفرضَ المُتحتِّم أن يتعاوَنوا على ردعِ الظُّلم
وعلى نصرِ المظلوم؛ فمن أُصول الدين وركائِز الشَّريعة التي لا يختلِفُ عليها أحدٌ
من المُسلمين إن كان له إسلام
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( من رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستطِع فبلِسانِه،
فإن لم يستطِع فبِقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان )
كفَى بُعدًا عن التأصيل الإسلاميِّ، أليس بينَكم ضياءً تستضيئُون به؟!
أليس لكم هُدًى تهتدُون به إذا سِرتُم على مضامِينه؟!
إن خليلَ الله نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يُذكِّرُنا بما تصلُحُ به أحوالُنا،
وتسعَدُ به حياتُنا، ويدرأُ الشَّرَّ عنا، ويُقيمُ العدلَ بيننا، فيقول:
( انصُر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا
فقال: يا رسول الله ! أنصُرُه إن كان مظلومًا، أرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصرُه؟
قال: تحجزُه أو تمنَعه عن الظُّلم، فإن ذلك نصرُه )
ومن هنا، فالتعاوُن على الظُّلم إثمٌ عظيمٌ وجُرمٌ جسيمٌ في القُرآن والسُّنَّة،
{ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
إن هذا الحُكم وهو حُكم من عاوَنَ ظالمًا أنه آثِمٌ إثمًا عظيمًا،
وقد ارتكبَ جُرمًا جسيمًا، لإن حُكمَه في القرآن، وحُكمَه في السنَّة
هو ما يذكُرُه قولُ الله - جل وعلا -:
{ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
وفي سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولُه:
( سيَكونُ بعدي أُمراء يكذِبون ويظلِمون، فمن صدَّقَهم على كذِبِهم
وأعانَهم على ظُلمهم فليس منِّي ولستُ منه، ولن يرِدَ عليَّ الحوض )
رواه النسائي، وهو صحيحٌ عند المُحقِّقين من أهل العلم.
فاتقوا الله - أيها المسلمون
راقِبُوا الله - جل وعلا -، حافِظوا على أُصول الأُخُوَّة الإيمانيَّة والمحبَّة الإسلاميَّة؛
فرسولُكم - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسِه )
فكيف يستقيمُ الإسلامُ مع رفع السيف على المُسلمين؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان،
أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ،
فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.