ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله -
الأخذ بأسباب القوة و التمكين
والتي تحدَّث فيها عن أسباب النصر والخذلان،
وأن الواجب على المسلمين حُكَّامًا وشعوبًا الأخذ بالأسباب الشرعية
والمادية لبلوغ النصر والتمكين في الأرض،
وذكرَ في ثنايا خُطبته بعضًا من تلك الأسباب.
الحمد لله مُعِزِّ التوحيد وأهلِه، ومُذِلِّ الشرك وحِزبِه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في رُبوبيَّته وأُلوهيَّته وأسمائِه وصفاتِه،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفوتُه من خلقِه،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
اتقوا الله - جل وعلا -؛ فبِتقواه تصلُحُ الأحوال،
وتسعَد النفوسُ وتزكُو دُنيا وأُخرى.
إن للنصر أسبابًا وللخُذلان أسبابًا، وإن الواجِب على المُسلمين جميعًا
أن يأخُذوا بأسباب النصر وعوامل التمكين ومُقوِّمات العِزَّة في كل زمانٍ ومكانٍ،
فذلك فرضٌ إلهيٌّ، وأصلُ ذلك ورُكنُه الأساس تحقيقُ توحيد الله - جل وعلا -،
والبُعد عن الشِّرك ووسائلِه وطُرقه وذرائِعه.
كلُّ ذلك وفقًا للالتزام الكامل بأوامر الله - جل وعلا
وأوامر رسولِه - صلى الله عليه وسلم -.
{ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }
ونصرُ الله يكونُ من المؤمنين بالقيام بتوحيده والعمل بشريعته،
ونصر دينِه والقيام بحُقوقه - سبحانه -؛ فبهذا الأصل مهما بلغَ مكرُ الأعداء،
وعظُمَت قوَّتُهم، فهم أمام قوَّة المُسلمين حينئذٍ لا شيءَ يُذكَر؛
لأن الله - جل وعلا - معهم بمعيَّتِه الخاصَّة التي تقتضِي التأييدَ والتمكينَ والنُّصرة،
ومن كان الله معه فهو منصورٌ مكينٌ، عزيزٌ متين،
{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
العملُ بالإسلام بصدقٍ وإخلاصٍ في جميع الأمور
هو العسكرُ الذي لا يُغلَبُ في كل زمانٍ ومكانٍ، تحكيمُ شريعة الله - جل وعلا
والالتِزامُ بسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - هو الجُندُ الذي لا يُخذَل،
يقول - صلى الله عليه وسلم -:
( احفَظ اللهَ يحفَظك، احفَظ اللهَ تجِده تُجاهَك )
فمتى حكَّمَت أمةُ الإسلام دينَ ربِّها الذي جاء به نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم
على وفقِ منهَج الصحابة - رضي الله عنهم -، حينئذٍ يعمُّ رخاؤُها،
ويستقرُّ أمنُها، وتعلُو مكانتُها، وتعظُمُ شوكتُها،
كما كان عليه المُسلمون في الأزمان السالِفة؛ فإن وعد الله حقٌّ لا يُخلَف
{ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
فمن وفَّى وفَّى الله - جل وعلا - معه.
متى كان الهمُّ الأكبرُ لأمة المُسلمين هو هذا الدين، متى قدَّموه في كل شيءٍ
ولم يتقدَّموه، متى جعَلوه القائِدَ في حياتِهم، والدستورَ في جميع توجُّهاتهم وشُؤونِهم،
صادِقين مُخلِصين، حينئذٍ تتحقَّقُ العزَّةُ والغلَبَةُ لهم،
{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }
إن من الأسَف، إن من المُحزِن، إن من المُخزِي أننا نجِدُ أن امَّتَنا
في مواضِع النصر وفي مواضِع التخاذُل لا يُقيمُ بعضُهم لشرع الله مكانًا،
ولا نجِدُ مُناداةً من شُعوب المُسلمين بتحكيم شرع الله فيهم.
إن العزَّة - أيها المؤمنون - في هذه الحياة العزَّة والقوَّة البشريَّة الحقيقيَّة
لا تكونُ إلا لمن التزمَ بالقُرآن الكريم،
وتقيَّدَ بسُنَّة النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم -،
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله :
وهو يتحدَّثُ كلامًا من مُنطلَق الوحي، وتصوُّرٍ لأحوال المُسلمين في عهدِه
لما كان زمنُ التَّتَر، وما تولَّد منهم على المُسلمين من المِحَن، قال:
[ وكلُّ من عرفَ سِيَرَ الناس ومُلوكِهم رأى كلَّ من كان أنصرَ لدين الله وأعظمَ جهادًا
لأعدائِه، وأقومَ بطاعة الله ورسولِه، فهو أعظمُ نُصرةً وطاعةً
وحُرمةً من عهدِ أميرِ المُؤمنين عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى الآن ]
ألا وإن من تعظيم أوامر الله - يا أمة الإسلام -:
إعداد العدَّة الحسيَّة والأسباب الماديَّة؛ فأنتم أمةٌ تخدمُ دينَها
ولا تركَنُ إلى هذه الدنيا، ومن مُقتضَيَات ذلك إعداد العدَّة الحسيَّة
بما تقتضِيه ظروفُ كل عصرٍ وحالِ كل زمانٍ،
فذلك واجبٌ من واجِبات الشرع على الحاكِم والمحكوم.
فرضٌ على حُكَّام ومُجتمعات الأمة أن يُعِدُّوا ما استطاعوا، يقول - جل وعلا -:
{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }