قال الله تعالى فى صفة من يحبهم و يحبونه
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
المائدة ( 54 )
و لهذا كانت محبة هذه الامة لله أكمل من محبة من قبلها
و عبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم
و أكمل هذه الامة فى ذلك أصحاب سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام
و من كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل
فأين هذا من قوم يدعون المحبة و كلام بعض الشيوخ
المحبة نار تحرق فى القلب ماسوى مراد المحبوب
و أرادوا أن الكون كله قد أراد الله وجوده فظنوا أن كمال المحبه
أن يحب العبد كل شئ حتى الكفر و الفسوق و العصيان
و لا يمكن أحد أن يحب كل موجود بل يحب ما يلائمه و ينفعه و يبغض ما ينافيه و يضره
و لكن أستفادوا بهذا الضلال أتباع أهوائهم ، فهم يحبون ما يهوونه كالصور و الرئاسة
و فضلوا المال و البدع المضلة زاعمين أن هذا من محبة الله
و من محبة الله ترك ما يبغضه الله و رسوله و جهاد أهله بالنفس و المال
و أصل ضلالهم أن هذا القائل الذى قال
إن المحبة نار تحرق ما سوى مراد المحبوب
قصد بمراد الله تعالى الإرادة الدينية الشرعية التى هى بمعنى محبته و رضاه
فكأنما قال تحرق من القلب ما سوى المحبوب لله
و هذا معنى صحيح
فأن قال من تمام الحب أن لا يحب الا ما يحب الله فاذا أحببت المحبوب كانت المحبة ناقصة
و أما قضاؤه و قدره فهو يبغضه و يكرهه و يسخطه و ينهى عنه
فأن لم أوافقه فى بغضه و كراهته و سخطه لم أكن محبا له بل محبا لما يبغضه
فأتباع الشريعة و القيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله و أولياءه
الذين يحبهم و يحبونه و بين من يدعى محبة الله ناظراً إلى عموم ربوبيته
أو متبعا لبعض البدع المخالفة لشريعته
فأن دعوى هذه المحبة لله من جنس دعوى اليهود و النصارى المحبة لله
بل قد تكون دعوى هؤلاء شراً من دعوى اليهود و النصارى
لما فيهم من النفاق الذين هم به فى الدرك الأسفل من النار
كما قد تكون دعوى اليهود و النصارى شراً من دعواهم إذا لم يصلوا إلى مثل كفرهم
و فى التوراة و الأنجيل من محبة الله ما هم متفقون عليه
حتى إن ذلك عندهم أعظم وصايا الناموس ففى الإنجيل أن المسيح قال
أعظم وصايا المسيح أن تحب الله بكل قلبك و عقلك و نفسك
و النصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة و أن ما هم فيه من الزهد و العبادة
هو من ذلك و هم براء من محبة الله إذا لم يتبعوا ما أحبه بل أتبعوا ما أسخط الله
و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم و الله يبغض الكافرين و يمقتهم و يلعنهم
و هو سبحانه يحب من يحبه
لا يمكن أن يكون العبد محباً لله و الله تعالى غير محب له
بل بقدر محبة العبد لربه يكون حب الله له
و أن كان جزاء الله لعبده أعظم كما فى الحديث الصحيح الإلهى عن الله سبحانه و تعالى أنه قال
من تقرب إلىَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً
و من تقرب إلىَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً
و من أتانى يمشى أتيته هرولةً
و قد أخبر سبحانه أنه يحب المتقين و المحسنيين و الصابرين
و يحب التوابين و يحب المتطهرين
بل هو يحب من فعل ما أمر به من واجب و مستحب
كما فى الحديث الصحيح
لا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحُبه
فأذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به و بصره الذى يبصر به
و كثيراً من المخطئين الذين اتبعوا أشياء فى الزهد و العبادة
وقعوا فى بعض ما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته
و ترك المجاهدة فى سبيله و نحو ذلك
و يتمسكون فى الدين الذى يتقربون به إلى الله بنحو ما تمسك به النصارى
من الكلام المتشابه و الحكايات التى لا يعرف صدق قائلها و لو صدق لم يكن قائلها معصوماً ،
فيجعلون متبوعيهم شارعين لهم ديناً كما جعل النصارى قسيسيهم و رهبانهم
شارعين لهم دينا ثم أنهم ينتقصون العبودية و يدعون أن الخاصة يتعدونها ،
كما يدعى النصارى فى المسيح
و يثبتون للخاصة من المشاركة فى الله من جنس ما تثبته النصارى فى المسيح و أمه
إلى أنواع أخرى يطول شرحها فى هذا الموضوع