ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبتي الجمعة بعنوان:
لزوم الطاعات بعد انتهاء موسم الخيرات
والتي تحدَّث فيها عن نهاية شهر رمضان،
ووجوب المحافظة على الطاعات ولزومها، واجتناب المعاصِي
والابتعاد عنها، مُحذِّرًا من حُبُوط العمل أو نُقصان أجره إذا أُتبِع بالسيئات.
الحمد لله الذي خلق الخلقَ بقدرته، ومَنَّ على من شاء بطاعته،
وخذلَ من شاء بحكمته، فسبحان الله الغني عن كل شيءٍ فلا تنفعه طاعةُ
من تقرَّب إليه بعبادته، ولا تضرُّه معصيةُ من عصاه لكمال غِناه وعظيم عزَّته،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلاهيَّته،
وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرتُه من خليقته،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ
وعلى آله وصحابته صلاةً وسلامًا كثيرًا.
فاتقوا الله تعالى بدوام الطاعات، وهجر المُحرَّمات؛
فقد فاز من تمسَّك بالتقوى في الآخرة والأولى، وخابَ وخسِرَ من اتَّبعَ الهوى.
اذكروا نعمَ الله عليكم التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وقابِلوها بالشُّكر لتدومَ وتبقَى،
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}
وقال تعالى في الحديث القُدسي :
(يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم ثم أُوفِّيكم إيَّاها؛
فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه)
رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه.
بالأمس في رمضان صفَت لكم الأيام والليالي،
وتلذَّذتم بأنواع الطاعات في تلك الساعات الخوالِي،
ووفَّق الله لهجر المُحرَّمات خوفًا من عقاب الكبير المُتعال،
فلا تتبدَّلوا العِصيان بطاعة الرحمن، ولا تتبدَّلوا الغفلةَ بذِكرِ الله وتلاوة القرآن،
ولا يدخلنَّ عليكم في الفرائِض النقصُ بالتقصيرِ فيها أو الكسل عنها.
فالصبرُ على الطاعات، والصبرُ عن المعاصِي هو صفاتُ المؤمنين، وشِعارُ المُتَّقين،
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
ولا يتحوَّل أحدٌ مما يحبُّ الله تعالى منه إلى ما يكرهُ الله - عز وجل - منه؛
لئلا يتحوَّل الله له إلى ما يكره،
ولا يُغيِّرنَّ أحدٌ ما كان عليه من الاستقامة والسَّداد والطاعة
إلى اتباع الهوى والشيطان ومُقارفة المُنكرات والمُحرَّمات،
فيُغيِّر الله عليه أحوالَه، وتنتكِس عليه أمورُه قال الله تعالى :
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
وليُجاهِد المسلمُ نفسَه على أن يكون على أحسن الأحوال مُستعينًا بالله - تبارك وتعالى -،
وليسأل من ربِّه العونَ والتوفيقَ على أن يُعينَه عل طاعته، ويحفَظه عن معاصِيه.
ألا تعلَمون أن أحسنَ أمور المُسلم: أن يكون على طاعةٍ بعد طاعة ؟
وأن يُتبِع الحسناتِ الحسنات مع مُجانبة السيئات ؟
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
ثم إن دون هذه المنزلة أن يُتبِع السيئةَ الحسنة لتُكفِّرَها، قال الله تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
وفي حديثِ مُعاذٍ وأبي ذرٍّ - رضي الله تعالى عنهما –
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ)
وأسوأُ أحوال الإنسان: أن يُتبِع السيئات السيئاتِ،
أو يُتبِع الحسناتِ السيئات التي تُبطِلُها،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
لأن السيئات والمعاصِي بعد الحسنات والطاعات قد تُحبِط العمل،
وقد تُبطِلُ بعض العمل، وقد تُنقِصُ ثوابَ الحسنات.
وقد ذُكِر عن السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبَّل منهم رمضان،
ويدعون الله - تبارك وتعالى - ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان.
ومن كيد الشيطان: أن يُزيَّن للإنسان التهاوُن في الطاعات،
والضعفَ أمام المُحرَّمات في غير رمضان، فيَنالَ منه ما لم ينَلْ في رمضان؛
لأنه كان في رمضان مأسورًا.
قيل لبشرٍ الحافيٍّ : ما تقول في قومٍ يجتهدون في رمضان، فإذا ولَّى تركُوا!
قال: بئس القوم؛ لا يعرِفونَ الله إلا في رمضان
وأعظمُ الكرامة: أن يمُنَّ الله على العبد بالاستقامة في كل أيام عُمره،
فذلك هو الفوزُ كلُّه والسعادة التامة،