أخى المسلم
اعلم ان التواب هو الذى يسهل اسباب التوبه لعباده مرة بعد مره
بما يظهر اليهم من اياته و يسوق اليهم من تنبيهاته
و يطلعهم عليه من تخويفاته و تحذيراته
حتى اذا اطلعوا على غوائل الذنوب و استشعروا الخوف بتخويفه
فرجعوا اليه فرجع اليهم ففضل الله واسع
قال تعالى
( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ الشورى )
الشورى25
و التوبه مقبوله مالم يغرغر و هى الاقلاع عن الذنوب كبيرها و صغيرها
و العزم على ان لايعود لها، و رد المظالم الى اهلها
و لقد سمى الله عز و جل نفسه التواب
لينزع من نفوس عباده اليأس من رحمته و يدخلهم فى حضرة قدسه و روضة انسه
طيبين مطهرين من اثار ذنوبهم متى تابوا اليه توبة نصوحا ،
و بدؤا السير اليه مخلصين له الدين
فهو ربهم الذى خلقهم من العدم و رباهم على موائد الكرم ،
و اسبغ عليهم نعمه ظاهره و باطنه ، و هم عباده الفقراء اليه
كثيرا ما تدفعهم طبيعتهم الماديه الى ارتكاب المعاصى عمدا تارة و خطأ تارة اخرى
و لو شاء الله عز و جل لعاقبهم فور وقوعهم فيها فأذاقهم اليم العذاب فى الدنيا قبل الاخره
و لكن سبقت رحمته عذابه ،
فأمهلهم مدة كافيه لمحاسبة النفس و كبح جماحها عن الهوى
قال تعالى
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ
مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ،
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم
مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ
الزمر53-55
عن ابى موسى الاشعرى رضى الله عنه
ان النبى صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم قال
ان الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل
حتى تطلع الشمس من مغربها
رواه مسلم
و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
فهو التواب دائما و ابدا من تاب اليه و اناب
مهما كثرت ذنوبه و عظمت خطاياه ، فرحمته وسعت كل شئ و عفوه لايقف عند حد
وان هذه الايات تفيد بعمومها انه لايستعصى على الغفران ذنب
و ان الله يعفو و يصفح عن كل من توفر فيه شرطان هما
الإنابة و الإتباع
و الانابه هى التوبه التى لا رجوع فيها الى الذنب
و الاتباع هو السير على المنهج السوى الذى هدانا اليه ربنا عز و جل
فى كتابه المنزل على خير خلقه محمد صلى الله عليه و سلم
فهو خير كتاب انزل على اعظم نبى ارسل لخير امه اخرجت للناس
هى الامه التى تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تؤمن بالله
هى الامه التى تقول ضارعة الى الله صباح مساء
قال الحق سبحانه و تعالى
( رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا
رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار )
آل عمران 193
و الابرار هم الذين يتوبون الى الله فى جميع اوقاتهم
لشعورهم بكثرة ذنوبهم و تقصيرهم فى حق ربهم عز و جل
فكلما ارتقوا بالتوبه درجة احسوا بعقدة الذنب اكثر و اكثر
و لايزالون فى الترقى مع مصاحبة التوبه الى ما شاء الله
و لذا قالوا
حسنات الابرار سيئات المقربين
قال الحليمى
و هو المعيد الى عبده فضل رحمته اذا هو رجع الى طاعته ، و يندم على معصيته
فلا يحبط ما قدم من خير و لا يمنعه ما وعد المطيعين من الاحسان
قال الخطابى
التواب هو الذى يتوب على عباده فيقبل توبتهم كلما تكررت التوبه تكرر القبول
و هو يكون لازما و يكون متعديا بحروف يقال
تاب الله على العبد بمعنى
وفقه للتوبه فتاب العبد
قال تعالى
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا
التوبه118
و قيل ايضا فى معنى التواب
هو الذى يرجع الى تيسير التوبه لعباده مره بعد اخرى بما يظهر لهم من اياته
و يسوق اليهم من تنبيهاته
و يطلعهم عليه من تخوفاته و تحذيراته
حتى اذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب
استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا الى التوبه
فرجع اليهم فضل الله تعالى بالقبول
فهو سبحانه التائب على التائبين
قال القرطبى
التوبه فرض على كل مسلم منغير خلاف بين المسلمين فى كل حين ، كالايمان
و اذا كان سيد البشر يتوب الى الله فى اليوم مائة مره فكيف بأهل الغفله
و اذا قيل له و لصحبه الذين هم خيار خلقه
قال تعالى
لَقَد تَّابَ الله على النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
التوبه117
فجرت عليهم هذه الصفه و هم اهل الصفوه والمعرفه
فكيف بغيرهم الذين لا يشابهونهم فى خيرهم
فكل عبد مفتقر الى التوبه لانه لايخلو من هفوه ما و حوبه
قال تعالى
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَالِموُن
الحجرات11
و كما ان الايمان يجُبُ ما قبله من الاثام فكذلك التوبه تجب ما قبلها من الذنوب
و فى التائبين
قال تعالى
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
الفرقان70
و كلاهما عمل القلب فكما ان الايمان لا يتم الا بالاسلام فكذلك التوبه
لان التوبه ايمان فلا بد لها من عمل الظاهر و الباطن
و المؤمن اذا تاب فعليه ان يتلافى ما كان فرط منه من عمل بظاهره و باطنه
فعمل الباطن الندم و الخوف و العزم على الا يعود
و عمل الظاهر يختلف باختلاف الذنوب و ذلك معتبر بالاوامر و النواهى
و ما يمكن تلافيه فعلا او قولا و ما لا يمكن ذلك فيه الا بالعزم
و سواء صدر ذلك منه جهلا اوعمدا او سهوا
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه
و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم