عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-18-2013, 01:10 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

فهذا الرجل الذي ذكره الشيباني،
والذي أقسم بالله ألاّ يعود إلى أهله إلا برزقٍ أو يموت جوعاً،
فإذا أكرم اللهُ الإنسان بأن يسّر حاجته، كلما شكا ليّ أحدٌ أنّ دخله وسط،
أقول له : واللهِ إنّ الله يحبك ، لأن دعوة النبيّ أصابتك ،
النبيُّ عليه الصلاة والسلام, قال:
( اللهم ! اجعل رزق كفافاً )
الإنسان إن كان رزقه يكفي حاجاته، وهو متفرغ لمعرفة الله، فهذا هو الملك؟
مرة سأل ملِكٌ وزيرَه, فقال : مَنِ الملك ؟ فتحرّج الوزير، ما هذا السؤال ؟
ملِك يسأله :مَنِ الملك ؟ فما فهم الوزيرُ مقصدَ الملك،
ثم قال له : أنت الِملك ، قال له : لا ، يا أخي، الِملك رجلٌ لا يعرِفُنا،
ولا نعرِفه ، رزَقَه اللهُ زوجةً ترضيه، وبيتاً يُؤويه،
لأنه إنْ عَرَفَنا جَهِدَ في الخضوع لنا، وإنْ عرفْناه جَهِدْنا في إذلاله،
فلا يعرفنا ولا نعرفه .
فإذا كان عقلُ الإنسان كبيرًا :
فإنّه يبتعد عن الأضواء، ويبتعد عن الأماكن التي فيها محاسبة شديدة،
أحياناً : الإنسان يستخدم الكلمة ولا يفقه معناها،
يقول لك : فلان مسؤول كبير،
ومعناها اللغوي : أنه مسؤول مسؤوليةً كبيرة، وسَيُسْأَل عنها .
فهذا الشيخ : بلغ من الفقر حداً لا يُحتمل، تزوّدَ زاداً، ومشى يومه كله،
حتى إذا أقبل الليل وجد أمامه خِباءً، وبالقرب من الخِباء مُهرٌ مُقيدٌ،
يعني : فرسًا أصيلة، فقال : هذا أول الغنيمة، وتوجه إليه، وجعل يحُلُّ قيده،
فما إن همَّ بِركوبه, حتى سمع صوتاً يناديه : خلِّ عنه، واغنمْ نفسك ،
فتركه ومضى، فما نجحتْ معه المغامرة، ثم مشى سبعة أيام،
حتى إذا بلغ مكاناً فيه مراحٌ للإبل ، وبجانبه خِباءٌ عظيم، فيه قبةٌ من أدمٍ،
تشير إلى الثراء والنعمة .
فقال هذا الرجل الشيخ في نفسه :
لا بدَّ لهذا المراح مِن إبل، ولا بد لهذا الخِباء من أهل، ثم نظر في الخِباء،
وكانت الشمس تدنو من المغيب، فوجد شيخاً فانياً في وسطه، فجلس خلفه،
وهو لا يشعر به، وما هو إلا قليل حتى غابت الشمس،
وأقبل فارِسٌ لم يُرَ قطُّ فارس أعظم منه، ولا أجسم منه، قد امتطى صهوةً،
وحوله عبدان يمشيان عن يمينه وشماله، ومعه نحو مئةٍ من الإبل،
أمامها فحلٌ كبير، فبرك الفحلُ، فبركت حوله النُوقُ .
وهنا قال الفارِس لأحد عبديه :
احلبْ هذه، وأشار إلى ناقةٍ سمينة، واسقِ الشيخ،
فحلب منها حتى ملأ الإناء، ووضعه بين يدي الشيخ، وتنحىَّ عنه،
فجرع الشيخ منه جُرعةً أو جُرعتين، وتركه،
قال الرجل : فدببت نحوه متخفياً، وأخذت الإناء وشربتُ كلَّ ما فيه،
فرجع العبد، وأخذ الإناء، وقال : يا مولاي, لقد شربه كله، يعني : والد
فقال الفارس : احلب هذه، وأشار إلى ناقةٍ أخرى،
ووضع الإناء بين يدي الشيخ، ففعل العبد ما أمر به،
فجرع منه الشيخ جرعةً واحدة وتركه .
قال الرجل : فأخذته وشربت نصفه، وكرهت أن آتي عليه كلِّه،
حتى لا أثير الشكَّ في نفس الفارس، ثم أمر الفارسُ عبدَه الثاني،
بأن يذبح شاةً، فذبحها، فقام إليها الفارس، وشوي للشيخ منها،
وأطعمه بيديه، حتى إذا شبع، جعل يأكل هو وعبداه .
وما هو إلا قليلٌ حتى أخذ الجميعُ مضاجعَهم، وناموا نوماً عميقاً له غطيط،
ومعروف الغطيط، عند ذلك توجَّهتُ إلى الفحل،
والفحلُ إذا تحرّك تحرّكتْ معه النوقُ كلها، فحللتُ عقاله، وركبتُه فاندفع،
وتبعته الإبل، ومشيتُ ليلتي،
فلما أسفر النهار نظرتُ في كل جهةٍ فلم أرَ أحداً يتبعني، فاندفعت في السير،
حتى تعالى النهار، ثم التفتُ التفاتةً، فإذا أنا بشيءٍ كأنه نسرٌ أو طائر كبير،
ما زال يدنو مني حتى تبيَّنتُه ، فإذا هو فارسٌ على فرس،
ثم ما زال يقبل عليَّ حتى عرفت أنه صاحبي جاء ينشد إبله،
عند ذلك عقلتُ الفحل، وأخرجتُ سهماً من كنانتي، ووضعتُه على قوسي،
وجعلتُ الإبلَ خلفي، فوقف الفارس بعيداً، وقال لي: احْلُلْ عقالَ الفحل،
فقلت : كلا، لقد تركت ورائي نسوةً جائِعات بالحيرة،
وأقسمتُ ألاّ أرجع إليهن إلاّ ومعي مالٌ أو أموت، قال : إنك ميِّت،
احْلُلْ عقال الفحل، لا أبا لك، فقلت : لن أحلَّه، فقال : ويحك إنك لمغرور،
ثم قال : دلِّ زمام الفحل، أي أَرْخِ زمام الناقة، وكان فيه ثلاث عقد،
ثم سألني في أية عقدةٍ منها تحبُّ أن أضع لك السهم

وفي الحديث عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ, يَقُولُ:
( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ .
أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ . أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ . أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ )
[ أخرجه مسلم في الصحيح عن عقبة بن عامر ]
قال له : فأشرت إلى الوسطى، فرمى السهم فأدخله فيها,
حتى لكأنما وضعه بيده، أي إنه رامٍ من الطراز الأول،
ثم أصاب الثانية والثالثة، عند ذلك عرفتُ قوته، فأعدتُ سهمي إلى الكنانة ،
ووقفتُ مستسلماً، فدنا مني، وأخذ سيفي وقوسي،
وقال : اركَبْ خلفي، فركبت خلفه، فقال : كيف تظن أني فاعلٌ بك ؟
قلت : أسوأ الظن، قال : ولِمَ ؟ قلت : لما فعلته بك، وما أنزلتُ بك من عناءٍ،
وقد أظفرك الله بي، فقال : أو تظن أني أفعل بك سوءًا،
وقد شاركتَ مُهلْهِلاً في شرابه وطعامه، ونادمته تلك الليلة،
فلما سمعت اسم المهلهل، قلت : أزيد الخيل أنت ؟ قال : نعم،
قلت : كن خير آسر ، قال : لا بأس عليك، ومضى بي إلى موضعه،
وقال : واللهِ لو كانت هذه الإبل لي لسلَّمتها إِليك، ولكنها لأُختٍ من أخواتي،
فأقِمْ عندنا أياماً، فإني على وشك غارةٍ، قد أغنم منها.
هكذا كان العرب في الجاهلية يعيشون
وما هي إلا أيامٌ ثلاثة حتى أغار على بني نمير، فغنم قريباً من مئة ناقة،
فأعطاني إياها كلَّها، وبعث معي رجالاً من عنده يحمونني،
حتى وصلت الحيرة
هذه قصَّته في الجاهلية
فارس من أكابر فرسان العرب، ذو مروءة، شهم، شجاع، رامٍ ممتاز،
هذا لا يعنينا، لكن ذكرتُ هذه القصة تمهيداً للقصة الثانية،
تلك كانت صورة زيد الخيل في الجاهلية .
لماذا جمع زيد الخير السادة من قومه لزيارة يثرب؟
وماذا صنع النبي حينما رأى هذا الجمع ؟
فقد كتب كتَّاب السيرة, يقولون : لمَّا بلغت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم،
سمع زيد الخيل، ووقف على شيءٍ مما يدعو إليه

رد مع اقتباس