صحة الرواية ( 3 )
عن علي بن أبي طالب وحذيفة وابن عباس :
( أنهم كانوا جلوسا ذات يوم فجاء رجل فقال : إني سمعت العجب ،
فقال له حذيفة : وما ذاك ؟
قال : سمعت رجالا يتحدثون في الشمس والقمر
فقال وما كانوا يتحدثون
فقال : زعموا أن الشمس والقمر يجاء بهما يوم القيامة
كأنهما ثوران عفيران فيقذفان في جهنم
فقال : علي وابن عباس وحذيفة كذبوا ،
الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته
ألم تر إلى قوله تعالى :
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ }
[ ابراهيم : 33 ]
يعني : دائبين في طاعة الله فكيف يعذب الله عبدين يثني عليهما ؟
أنهما دائبان في طاعته . فقالوا لحذيفة : حدثنا رحمك الله
فقال حذيفة : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ سئل عن ذلك . فقال : إن الله لما أبرم خلقه أحكاما ,
فلم يبق من غيره غير آدم خلق شمسين من نور عرشه ,
فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسا ,
فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها , وأما ما كان في سابق علمه
أن يطمسها ويحولها قمرا , فإنه خلقها دون الشمس في الضوء ,
ولكن إنما يرى الناس صغرهما لشدة ارتفاع السماء
وبعدها عن الأرض , ولو تركهما الله كما خلقهما في بدء الأمر ,
لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ,
ولكان الأجير ليس له وقت يستريح فيه ولا وقت يأخذ فيه أجره ,
ولكان الصائم لا يدري إلى متى يصوم ومتى يفطر ,
ولكانت المرأة لا تدري كيف تعتد ؟،
ولكان الديان لا يدرون متى تحل ديونهم ,
ولكان الناس لا يدرون أحوال معايشهم ,
ولا يدرون متى يسكنون لراحة أجسامهم , ولكانت الأمة المضطهدة
والمملوك المقهور والبهيمة المسخرة ليس لهم وقت راحة ,
فكان الله أنظر لعباده وأرحم بهم ,
فأرسل جبريل فأمر بجناحه على وجه القمر ثلاث مرات ,
وهو يومئذ شمس فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور ,
فذلك قوله :
{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ
فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً }
[ الاسراء : 12 ]
فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخيوط إنما هو أثر ذلك المحو ،
قال : وخلق الله الشمس على عجلة من ضوء نور العرش لها ,
ثلثمائة وستون عروة , وخلق الله القمر مثل ذلك , ووكل بالشمس
وعجلتها ثلثمائة وستين ملكا من ملائكة أهل السماء الدنيا ,
قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرى والقمر مثل ذلك ,
وخلق لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض ,
وكنفي السماء ثمانين ومائة عين في المشرق ,
وثمانين ومائة عين في المغرب , فكل يوم لهما مطلع جديد ,
ومغرب جديد , ما بين أولها مطلعا وأولها مغربا ,
فأطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها , وآخرها مغربا ,
وأقصر ما يكون النهار في الشتاء .
وذلك قول الله تعالى
{ رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ }
[ الرحمن : 17 ]
يعني آخر : ههنا
وههنا لم يذكر ما بين ذلك من عدة العيون ثم جمعهما بعد .
فقال :
{ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ }
[ المعارج : 40 ]
فذكر عدة تلك العيون كلها ،
قال : وخلق الله بحرا بينه وبين السماء مقدار ثلاث ,
فراسخ وهو قائم بأمر الله في الهواء لا يقطر منه قطرة ,
والبحار كلها ساكنة وذنب البحر جار في سرعة السهم ,
ثم انطباقه ما بين المشرق والمغرب فتجري الشمس والقمر والنجوم
الخنس في حنك البحر , فوالذي نفس محمد بيده
لو أن الشمس دنت من ذلك البحر ,
لأحرقت كل شيء على وجه الأرض حتى الصخور والحجارة ,
ولو بدا القمر من ذلك البحر حتى تعاينه الناس كهيئته ,
لافتتن به أهل الأرض إلا من شاء الله أن يعصمه من أوليائه ،
فقال حذيفة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ,
إنك ما ذكرت مجرى الخنس في القرآن إلا ما كان من ذكرك اليوم ,
فما الخنس يا رسول الله , فقال : يا حذيفة
هي خمسة كواكب البرجيس وعطارد وبهرام والزهرة وزحل ،
فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الغاربات الجاريات ,
مثل : الشمس والقمر ، وأما سائر الكواكب ,
فإنها معلقة بين السماء تعليق القناديل من المساجد ,
ونجوم السماء لهن دوران بالتسبيح والتقديس ,
فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك فانظروا إلى دوران الفلك مرة هنا ,
ومرة ههنا , فإن الكواكب تدور معه وكلها تزول سوى هذه الخمسة ،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعجب خلق الرحمن ,
وما بقي من قدرته فيما لم نر أعجب من ذلك وأعجب ,
وذلك قول جبريل لسارة أتعجبين من أمر الله ،
وذلك أن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ,
على كل مدينة منها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ ,
ينوب كل يوم على كل باب من أبواب تلك المدينتين ,
عشرة آلف في الحراسة عليهم السلاح ومعهم الكراع ,
ثم لا تنوبهم تلك الحراسة إلى يوم ينفخ في الصور ,
اسم إحداهما جابرسا والأخري جابلقا ومن ورائهما ثلاث أمم ,
تنسك وتارس وتأويل ومن ورائهم يأجوج ومأجوج ,
وأن جبريل عليه السلام انطلق بي ليلة أسرى بي
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،
فدعوت يأجوج ومأجوج إلى دين الله عز وجل وعبادته ،
فأنكروا ما جئتهم به فهم في النار , ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين ,
فدعوتهم إلى دين الله تعالى وعبادته فأجابوا وأنابوا ,
فهم إخواننا في الدين من أحسن منهم فهو مع المحسنين منكم ,
ومن أساء منهم فهو مع المسيئين منكم ،
فأهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد ,
من نسل ثمود من نسل مؤمنيهم الذين كانوا آمنوا بصالح ,
ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث فدعوتهم إلى دين الله ,
فأنكروا ما دعوتهم إليه فهم في النار مع يأجوج ومأجوج ,
فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على عجلتها ,
ومعها ثلثمائة وستون ملكا يجرونها في ذلك البحر الغمر راكبة ,
فإذا أراد الله تعالى أن يري العباد آية من الآيات
يستعتبهم رجوعا عن معصيته ,
وإقبالا إلى طاعته خرت الشمس عن عجلتها فتقع في غمر ذلك البحر
فإن أراد الله تعالى أن يعظم الآية ,
ويشتد تخويف العباد خرت الشمس كلها عن العجلة
حتى لا يبقى على العجلة منها شيء ,
فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم ,
وإذا أراد الله أن يعجل آية دون آية خر منها النصف أو الثلث أو أقل
من ذلك أو أكثر في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة ،
فإذا كان ذلك صارت الملائكة الموكلون بالعجلة فرقتين ,
فرقة يقلبون الشمس ويجرونها نحو العجلة ,
وفرقة يقلبون الشمس على العجلة يجرونها نحو البحر,
وهم في ذلك يقودونها على مقدار ساعات النهار ليلا
كان ذلك أو نهارا , حتى يبد في طلوعها شيء , فإذا حملوا الشمس
فوضعوها على العجلة حمدوا الله على ما قواهم من ذلك ،
وقد جعل لهم تلك القوة وأفهمهم علم ذلك ,
فهم لا يقصرون عن ذلك شيئا ثم يجرونها بإذن الله تعالى ,
حتى يبلغوا بها إلى المغرب ثم يدخلونها باب العين التي تغرب فيها ,
فتسقط من أفق السماء خلف البحر ,
ثم ترتفع في سرعة طيران الملائكة إلى السماء السابعة العليا ,
فتسجد تحت العرش مقدار الليل , ثم تؤمر بالطلوع من المشرق
فطع من العين التي وقت الله لها ,
فلا تزال الشمس والقمر كذلك من طلوعهما إلى غروبهما ,
وقد وكل الله تعالى بالليل ملكا من الملائكة وخلق الله حجبا من ظلمة
من المشرق عدد الليالي في الدنيا على البحر السابع ,
فإذا غربت الشمس أقبل ذلك الملك فقبض قبضة من ظلمة ,
ذلك الحجاب , ثم استقبل المغرب فلا يزال يراعي الشفق ,
ويرسل تلك الظلمة من خلال أصابعه قليلا قليلا حتى إذا غاب الشفق
أرسل الظلمة كلها ثم نشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض
وكنفي السماء , ثم يسوق ظلمة الليل بجناحيه إلى المغرب قليلا قليلا
حتى إذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ,
ثم ضم الظلمة بعضها إلى بعض ,
ثم قبض عليها بكف واحدة نحو قبضته ,
إذا تناولها من الحجاب بالمشرق
ثم يضعها عند المغرب على البحر السابع ،
فإذا نقل تلك الظلمة من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور ,
وانصرفت الدنيا فلا تزال الشمس والقمر كذلك ,
حتى يأتي الوقت الذي ضرب لتوبة العباد ,
فتنتشر المعاصي في الأرض وتكثر الفواحش ,
ويظهر المعروف فلا يأمر به أحد ويظهر المنكر فلا ينهي عنه أحد ,
وتكثر أولاد الخبثة ويلي أمورهم السفهاء ,
ويكثر أتباعهم من السفهاء وتظهر فيهم الأباطيل ,
ويتعاونون على ريبهم ويتزينون بألسنتهم ,
ويعيبون العلماء من أولي الألباب ويتخذونهم سخريا
حتى يصير الباطل منهم بمنزلة الحق ويصير الحق بمنزلة الباطل ,
ويكثر فيهم ضرب المعازف واتخاذ القينات ويصير دينهم بألسنتهم ,
ويصغوا قلوبهم إلى الدنيا يحادون الله ورسوله ,
ويصير المؤمن بينهم بالتقية والكتمان ويستحلون الربا بالبيع
والخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والقيل بالموعظة, فإذا فعلوا ذلك ,
قلت : الصدقة حتى يطوف السائل ما بين الجمعة إلى الجمعة ,
فلا يعطى دينارا ولا درهما ويبخل الناس بما عندهم حتى يظن الغني
أنه لا يكفيه ما عنده ويقطع كل ذي رحم رحمه ، فإذا فعلوا ذلك ,
واجتمعت هذه الخصال فيهم حبست الشمس تحت العرش مقدار ليلة ,
كما سجدت واستأذنت من أين تؤمر أن تطلع ؟
فلا تجاب حتى يوافيها القمر فتكون الشمس مقدار ثلاث ليال ,
والقمر مقدار ليلتين , ولا يعلم طول تلك الليلة إلا المتهجدون ,
وهم حنيفية عصابة قليلة في ذلة من الناس , وهوان من أنفسهم ,
وضيق من معايشهم , فيقوم أحدهم بقية تلك الليلة